قصة تمثال من الزبدة

في قصة تمثال من الزبدة، يستخدم أنطونيو موهبته الفريدة لإنقاذ حفلة هامة، مما يؤدي إلى اكتشاف فنه الاستثنائي وبدء رحلته نحو الشهرة.
عناصر القصة (جدول المحتويات)

كانت هناك قصة حقيقية عن طفل إيطالي موهوب يُدعى أنطونيو كانوفا، عاش مع والديه في بلدة صغيرة. كان والده يعمل في قطع الرخام والمرمر، لكن أنطونيو لم يكن مجرد طفل عادي؛ إذ كانت لديه موهبة فريدة في النحت ظهرت منذ صغره. في البداية، لاحظ والده أنه يصنع تماثيل صغيرة من الصلصال بإتقان لافت رغم سنه الصغير، فشجعه على الاستمرار.

لكن الأب أدرك أن الموهبة وحدها لا تكفي، فقرر أن يذهب مع ابنه إلى روما لتعلم فن النحت من كبار المثالين. ولكن بسبب ارتفاع تكاليف التعليم، لم يتمكنوا من دفع الأجور المطلوبة. كان الأب عازمًا على توفير المال بأي وسيلة، حتى لو كان عليه العمل ليلاً ونهارًا.

في يوم من الأيام، كان الأب وابنه يعملان في قصر الكونت بيانكو، أحد الأثرياء، أثناء التحضير لحفلة كبيرة. كان الكونت يفتخر بتمثال أسد مصنوع من المرمر، لكن التمثال تحطم قبل الحفل. شعر رئيس الخدم بالخوف من غضب الكونت، ولم يكن هناك وقت لإصلاح التمثال.

عندها، تقدم أنطونيو وعرض على رئيس الخدم أن يصنع تمثالاً بديلًا. باستخدام الزبدة المتجمدة، بدأ أنطونيو في نحت التمثال، مستعينًا بمهارته الفائقة وسرعته. لم يمضِ وقت طويل حتى أتم التمثال، وكان رائعًا لدرجة أن الجميع أُعجبوا به، حتى المثال الذي صنع التمثال الأصلي.

عندما علم الكونت أن الطفل أنطونيو هو من صنع التمثال، اندهش وعرض عليه أن يقيم في قصره، ويتعلم فن النحت على يد أفضل المثالين في روما. وافق أنطونيو على العرض، لكنه رفض أن يترك والدته وحدها. فوافق الكونت على أن تعيش العائلة كلها في القصر.

وهكذا، بفضل موهبة أنطونيو ودعمه من والديه، أصبح واحدًا من أعظم المثالين في التاريخ، وصنع تماثيل لا تزال تُعرض في أشهر المتاحف حتى اليوم.

قصة تمثال من الزبدة مكتوبة

تظهر هذه القصة أن كثيرًا من الأطفال يولدون وقد حباهم الله بكثير من المواهب. إن موهبة الطفل تحتاج إلى من يقدرها حق قدرها ويرعاها، حتى تنمو هذه الموهبة وتزدهر ويشق الطفل طريقه بنجاح في الحياة.

هذه القصة ليست قصة خيالية ابتكرها خيال مؤلف أو كاتب قصصي، ولكنها قصة واقعية تسرد جانبًا هامًا من تاريخ حياة فنان إيطالي عظيم، وهو المثال الراحل أنطونيو كانوفا.

كان والد أنطونيو كانوفا يعمل في قطع الأحجار، وكانت له خبرة خاصة في قطع الرخام والمرمر. إذ المعروف أن إيطاليا تكثر بها جبال الرخام بألوانها المتعددة، ويستخدم في تزيين المباني. كما يصنع منه الفنانون المتخصصون التماثيل والتحف الرائعة.

ولم يكن والد أنطونيو كانوفا يعلم شيئًا عن صناعة التماثيل، إذ لم تكن لديه هذه الموهبة الفنية ولم يكن له صبر عليها. ولكن خبرته كانت مقصورة على اقتطاع كتل الرخام والمرمر من محاجرها.

الطفولة المبكرة لأنطونيو

رزق بطفله أنطونيو، وقضى أنطونيو سنوات طفولته الأولى كأي طفل عادي. إلا أنه جاوز الثالثة من عمره ولبث عاجزًا عن الكلام، فقلق أبواه وخشيا أن يكون ابنهما أبكم.

ولكن الطفل رغم ذلك كانت تبدو عليه إمارات الذكاء الشديد، وكان يفهم كل ما يدور حوله من حديث فهمًا تامًا. كما كانت تصدر عنه أحيانًا بعض الأصوات في حالة الفرح أو الغضب. وكان لا يميل كثيرًا إلى اللعب مع غيره من أطفال الجيران، بل يكتفي بالجلوس على عتبة الباب ويتأمل الأطفال وهم يلعبون، ولا يشاركهم لهوهم أو مرحهم.

كان أنطونيو رغم طفولته شديد الاعتزاز بكرامته. وفيما كانت أمه تؤكد أنها باللين والملاطفة والمعاملة الحسنة يمكنها أن تجعل منه طفلاً مطيعًا في كل شيء، كان الضرب أو التهديد بالضرب يجعله عنيدًا لا يفهم شيئًا ولا يطيع أمرًا. لاحظت أمه كما لاحظ أبوه أن الطفل كان عاطفيًا بطريقة غير عادية، فإذا أصابت أمه وعكة حنا عليها حنوًا شديدًا ولبث إلى جانبها لا يفارقها ويلبي جميع طلباتها وكأنه أبوها لا طفلها الصغير.

أولى بوادر الكلام

في إحدى الليالي، بينما كان أنطونيو مستغرقًا في نوم عميق، سمعته أمه يتكلم فأرهفت سمعها، فوجدته يتحدث بطلاقة وهو نائم. فأيقظت زوجها فلم يصدقها، ولكن حين اقترب وسمع، دهش كل الدهشة وتأكد له أن ابنه ليس بالأبكم كما كان يخيل إليه.

تساءلت الأم بقلق: “لماذا لا يكلمنا؟”

قال الأب: “أعتقد أنه لا يريد أن يتكلم إلا بعد أن ينطق الكلمات كما ننطقها نحن. إنه كما تعلمين، شديد الاعتزاز بنفسه، ولا يريد أن يتكلم كالأطفال، لئلا يثير ضحكنا وسخريتنا. إنه طفل غير عادي، شديد الذكاء وقوي الملاحظة. وسأقول له غداً، وأنا أمازحه، إنني سمعته وهو يتحدث حين كان نائمًا، وإنه يتحدث بطلاقة. وبذلك أشجعه على أن يتكلم معنا. ومن ناحية أخرى، سأفهمه أنه من الضروري أن يذهب إلى مدرسة الأطفال، ومن غير المعقول أن يظل مضربًا عن الكلام وهو في المدرسة.”

بدء الاهتمام بالفن

نجحت خطة الأب، واتخذ من ابنه الطفل صديقًا له، فصار يصحبه معه وهو يقطع الرخام والمرمر، وخرج أنطونيو الصغير عن صمته. وأرسله إلى مدرسة الأطفال، ولكنه لم يتحمس لتلقي العلم.

كانت الفائدة الوحيدة التي فاز بها أنطونيو الصغير هي أنه كان يعود من المدرسة بقطع من الصلصال اللين، ويتسلى بتشكيلها وعمل تماثيل صغيرة منها.

لاحظ الأب أن ابنه يشكل الصلصال اللين بطريقة بارعة لا تتناسب مع سنه. لقد صنع تمثالاً لرأس كلب، وكان رائعًا، فلم يغفل فيه أي تفصيل من التفصيلات الدقيقة لرأس الكلب.

وتوقع الأب أن يصبح ابنه مثالاً بارعًا إذا تعهده ونمى فيه الموهبة، وشجعه على المثابرة عليها.

بداية الشهرة – موهبة أنطونيو المبكرة

فرح أنطونيو كثيرًا بتشجيع أبيه، ثم انتقل إلى مرحلة أخرى بإشراف الأب، وهي عمل التماثيل من بعض قطع الحجارة والرخام والمرمر.

بلغ من إتقانه في صنع هذه التماثيل الصغيرة أنه كان يبيعها في الأسواق، وكان الناس يقبلون على شرائها.

عندما بلغ أنطونيو التاسعة من عمره، أصبح معروفًا لدى العديد من الناس، حيث كانوا يكلفونه بعمل بعض التماثيل والتحف الصغيرة. لكن الأب كان يعلم أن ابنه لن يصبح مثّالًا حقيقيًا إذا اقتصر فقط على هذه الموهبة. إذ إن الموهبة الطبيعية لا بد أن تُصقل بالعلم ودراسة أصول الفن. لذا، كان من الضروري أن يذهب بابنه إلى أحد كبار المثالين في مدينة روما لتعلم أصول فن النحت وصقل موهبته.

بدأ الأب يصحب أنطونيو معه ويعرضه على أكثر من مثال، لكن سرعان ما تخلّى عن هذه الفكرة بعد أن وجد أن المثالين المشهورين يطالبون بأجور باهظة لتعليم الصبي. كانت موارد الأب المالية لا تسمح له بتحمل تلك الأجور المرتفعة، لكنه لم يتخلَّ عن حلمه في تعليم ابنه. كان يعمل ساعات إضافية في أعمال أخرى بعد انتهاء عمله في قطع الرخام، ليجمع المال اللازم.

لقاؤهم مع الكونت بيانكو

في ذلك الوقت، كان هناك رجل ثري يُدعى الكونت بيانكو، الذي كان يقيم حفلات كبيرة في قصره الفخم. كان يدعو إلى تلك الحفلات كبار الفنانين ورجال الأعمال، ويحتاج إلى مساعدة إضافية في الإعداد لتلك المناسبات. ذهب والد أنطونيو مع ابنه إلى القصر ليكونا من بين من يساعدون في الإعداد لإحدى الحفلات، بهدف كسب بعض المال لتعليم أنطونيو.

كان الأب يعمل في المطبخ لأنه كان ماهرًا في فن الطهي، بينما أنطونيو الصغير، بملابسه الأنيقة وأدبه الجم، لفت انتباه العديد من المدعوين، خاصة سيدات الطبقة الراقية. كان يقدم المشروبات بلطف ويستلم منهم النقود الفضية التي كان يسارع بإعطائها لوالده.

حادثة التمثال – فرصة أنطونيو

في إحدى الحفلات، كان الكونت بيانكو قد تلقى تمثالًا رائعًا من المرمر صنعه أحد كبار المثالين لأسد رابض فوق صخرة. أمر الكونت بوضع التمثال في وسط المائدة الرئيسية ليعرضه أمام ضيوفه. وبينما كان رئيس الخدم ينقل التمثال، زلت قدمه وسقط التمثال على الأرض وتحطم.

وقف رئيس الخدم يبكي ويأسف على ما حدث، خوفًا من غضب الكونت الذي قد يطرده. لم يستطع أحد من الحاضرين إيجاد حل للمشكلة، حتى تقدم أنطونيو واقترح أن يصنع تمثالًا جديدًا للأسد. في البداية قوبل اقتراحه بالسخرية، إلا أن والده، الذي كان يعرف موهبة ابنه، سأله متى يستطيع إنجاز التمثال.

صناعة التمثال البديل

طلب أنطونيو القطع المحطمة من التمثال، وفكر في حل سريع. كان قد لاحظ في المطبخ كومة كبيرة من الزبدة البقرية الصفراء التي جمدها البرد. خطرت لأنطونيو فكرة أن يصنع التمثال البديل من تلك الزبدة المتجمدة، ليحل محل التمثال المحطم.

بدأ الصبي أنطونيو باستخدام مهارته المعهودة في نحت التمثال من الزبدة، مستعملًا السكين تارة وظهر الملعقة تارة أخرى. كان أبوه ورئيس الخدم وبعض الخدم يشاهدون العمل، وقد بدأت ملامح التعجب والإعجاب ترتسم على وجوههم وتزداد مع استمرار المثال الصغير في صنع التمثال. كان أنطونيو ينظر بين الحين والآخر إلى التمثال المحطم ليأخذ ملاحظات، ثم يعيد تشكيل الزبدة بسرعة ومهارة نادرتين.

لم يمض وقت طويل حتى انتهى من صنع التمثال، وعندما ابتعد عنه قليلاً ليتأمله، لم يستطع رئيس الخدم أن يتمالك نفسه من التعجب وقال: “أراهن أن هذا التمثال أفضل بكثير من التمثال الذي تحطم.. إن الأسد يكاد يزار.”

إعجاب الحضور بالتمثال

حمل رئيس الخدم التمثال بعناية فائقة، ثم وضعه على المائدة الرئيسية في قاعة الطعام، وأحاطه بصحون الفاكهة والزهور الزاهية كما أمر الكونت بيانكو. وعندما دخل المدعوون إلى قاعة الطعام، لفت التمثال أنظارهم جميعًا، فوقفوا يتأملونه بإعجاب ودهشة كبيرين.

أكثر من أعجب بالتمثال كان المثال الكبير الذي صنع التمثال المرمري الأصلي. قال بدهشة: “ما هذا التمثال الرائع يا سيدي الكونت؟ إنه أفضل من تمثالي! وما هذه المادة الصفراء التي صنع منها؟” بينما سأل مثال آخر الكونت: “ما اسم المثال الذي صنع هذا التمثال؟”

مفاجأة الكونت

كان الكونت بيانكو نفسه لا يعرف شيئًا عن التمثال أو من صنعه، فصرح متعجبًا: “إنها مفاجأة لي كما هي لكم. لا أعرف شيئًا عن التمثال أو الصانع.” عندها، أصر الحاضرون على معرفة اسم من صنع هذا التمثال الرائع، وعلموا من رئيس الخدم أن الصانع كان صبيًا صغيرًا، وأتمه في أقل من ساعة.

ازداد الحماس والتعجب حتى أحضروا الغلام أمام الجميع، والتف حوله المدعوون. اقترب منه الكونت وسأله:

-“ما اسمك يا بني؟”
– “اسمي أنطونيو كانوفا.”
– “هل أنت من صنع هذا التمثال الرائع؟”
– “نعم، أنا.”
– “إنه قطعة فنية عظيمة استحوذت على إعجاب كبار المثالين هنا. أهنئك من كل قلبي.”

عرض الكونت

أكمل الكونت الحديث مع أنطونيو: “من علمك فن النحت؟”

فأجابه الصبي: “لم يعلمني أحد. والدي شجعني على ذلك، وهو يعمل في قطع الرخام والمرمر. كان يتمنى أن يذهب بي إلى أحد كبار المثالين ليعلمني، لكنهم طلبوا أجورًا كبيرة. لذلك، يواصل والدي العمل ليوفر لي المال اللازم.”

فأجابه الكونت: “أنت وأبوك ستقيمان معي في القصر، وسأحضر أعظم المثالين في روما لتعليمك على نفقتي.”

لكن أنطونيو الصغير قال بحياء: “شكراً يا سيدي، ولكن لا أستطيع ترك والدتي وحدها.”

ضحك الكونت وقال: “إنك فنان أصيل، لأن قلبك يفيض بالرحمة. لن تترك والدتك وحدها، لأنها ستعيش معكما في القصر.”

بداية المجد

وافق أنطونيو على العرض وأقبل بشغف على تعلم فن النحت. هكذا ربحت إيطاليا فنانًا عظيمًا، وأصبحت التماثيل التي صنعها أنطونيو كانوفا من أثمن القطع الفنية التي تزين متاحف العالم. وكان أول ما فتح له أبواب المجد هو ذلك التمثال الذي صنعه من الزبدة.

معرض الصور (قصة تمثال من الزبدة)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

المصدر
قصة تمثال من الزبدة - حكايات وأساطير للأولاد - منشورات المكتب العالمي للطباعة والنشر - بيروت

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى