قصة الريح والصفصاف
ملخص قصة الريح والصفصاف
كان الخلد خلود يعيش حياة هادئة تحت الأرض، يعمل بجد على طلاء بيته الأبيض كل ربيع. لكن مع حلول الربيع الدافئ، اشتاق للخروج إلى الطبيعة واستكشاف العالم الخارجي. قرر ترك الطلاء والزحف خارج جحره، ليجد نفسه وسط مرج أخضر يغمره شعور بالسعادة والحرية. في رحلته تلك، صادف نهرًا لأول مرة في حياته، وتعرف هناك على جرد الماء جريد، الذي دعاه لركوب زورقه الصغير. تطورت صداقة سريعة بينهما، وبدأ الاثنان يكتشفان النهر معًا.
كانت حياة خلود مليئة بالمغامرات مع جريد، حيث قضيا أوقاتًا ممتعة على ضفاف النهر. وخلال إحدى رحلاتهما، تعرفا على ضفدوع، وهو ضفدع مغرور مهووس بالسيارات والمغامرات. ورغم طيبة قلبه، كان ضفدوع يسبب الكثير من المشاكل لنفسه وأصدقائه بسبب تهوره. وفي إحدى مغامراته، سرق سيارة وبدأ يقودها بتهور، مما تسبب في وقوع حادث، وتم القبض عليه وحبسه.
في السجن، تعرف ضفدوع على ابنة السجان التي شفق قلبها عليه وساعدته في الهرب. تنكر في زي غسالة عجوز، وهرب بنجاح، لكن هروبه لم يمر بسلام؛ فقد تورط مرة أخرى في مشاكل مع الشرطة حينما قاد سيارة أخرى بعنف، لكنه هذه المرة استطاع الهروب بمساعدة سائق قطار عطوف.
بعد مغامرات طويلة وهروبه من الشرطة، عاد ضفدوع ليكتشف أن الحيوانات المفترسة استولت على منزله. كان ابن عرس وابن مقرض والقاقم قد احتلوا المنزل، يأكلون طعامه ويشربون شرابه، ويدّعون أن ضفدوع لن يعود أبدًا. شعر ضفدوع بالغضب، لكنه كان يعرف أنه لا يستطيع طردهم بمفرده. اجتمع بأصدقائه جريد، خلود، وغرغور، وبدأوا في وضع خطة لاستعادة المنزل.
اقترح غرغور خطة ذكية لاستخدام نفق سري يؤدي إلى داخل المنزل، حيث تستعد الحيوانات المفترسة لوليمة عشاء. دخل الأصدقاء النفق محملين بالأسلحة، وهاجموا الحيوانات المفترسة فجأة. في وسط الفوضى، فرت الحيوانات المفترسة عائدة إلى الغابة، باستثناء عدد قليل منها أُجبر على تنظيف المنزل وترتيبه.
بعد استعادة المنزل، قرر ضفدوع الاحتفال بدعوة أصدقائه إلى مأدبة عشاء، وكان يرغب في تقديم خطب وغناء أغاني يمتدح فيها نفسه. لكن أصدقاؤه نصحوه بالتوقف عن التباهي وحب الظهور. ورغم تردده، قرر ضفدوع أخيرًا التخلي عن هذه العادة السيئة.
أصبح الأصدقاء الأربعة يقضون أوقاتًا سعيدة معًا، ويتنزهون في الغابة صيفًا. وبينما كانت الحياة تستمر بسعادة، كان ضفدوع يشعر بالفخر بتحوله إلى شخصية أكثر تواضعًا، وإن كان أحيانًا لا يستطيع مقاومة الغناء لنفسه في المرآة عندما يكون وحده.
وهكذا، انتهت مغامرات خلود وجريد وضفدوع وغرغور، الذين تعلموا جميعًا قيمة الصداقة والتعاون، وأن الغرور والتباهي لن يجلبا سوى المتاعب.
قصة الريح والصفصاف مكتوبة
أقام الخلد يعمل جادًا طوال الصباح في طلاء بيته كليًا باللون الأبيض، كما تعود أن يفعل في كل ربيع. تناثرت لطخات الكلس على جسده الفروي، وأحس بألم التعب في ظهره وساعديه. الربيع كان يملأ الدنيا في الخارج، بينما الخلد في جحره المعتم تحت الأرض كان يشعر بالهواء النقي ودفء أشعة الشمس، فتلهف للخروج. فجأة رمى فرشاته وقال: “ما لي وللطلاء الآن!”، ثم زحف صاعدًا عبر النفق الأمامي لبيته.
جدول المحتويات
كان عليه أن ينبش بمخالبه ويكشط ويخمش ليشق طريقه عبر النفق، الذي امتلأ بالحشائش والتراب والحصى خلال أشهر الشتاء. أخيرًا، وبعد جهد عظيم، برز خطمه فوق الأرض، ثم وجد نفسه يتدحرج على العشب الدافئ. أحس بالسعادة وقال متعجبًا من نفسه: “الربيع البديع يدعوني إليه، وأنا أحشر نفسي تحت الأرض لأطلي المنزل!”
اكتشاف النهر
راح الخلد يقفز بمرح فوق المرج، وبينما هو يجتاز الحقول، وجد نفسه أمام ضفة نهر. لم يكن قد رأى نهرًا من قبل، وكان الماء يزخر بالحياة والحركة، فيتطاير منه الرذاذ ويجيش متموجًا ويتألق تألقًا. بدأ الخلد يلعب ويقفز من مكان إلى آخر حتى أحس بالتعب. جلس عند ضفة النهر المعشبة وراح ينصت إلى خرير الماء. وبينما هو ينظر نحو الضفة الأخرى، رأى فجوة سوداء، ورأى داخلها جسمًا صغيرًا يلمع ويتحرك، فعرف أنه حيوان! وسرعان ما أطل رأس صغير من الفجوة.
صداقة جديدة
كان الرأس الذي أطل بنيًا، ذا شاربين طويلين وأذنين صغيرتين وشعر سميك وناعم. إنه جرد الماء! وقف الحيوانان ينظران إلى بعضهما. قال جرد الماء: “مرحبًا أيها الخلد! اسمي جريد.” فأجاب الخلد: “مرحبًا يا جرد الماء! اسمي خلود.”
سأله جرد الماء: “أترغب في المجيء إليّ؟” رد خلود: “كيف أصل إليك وأنا لا أعرف مسالك النهر؟” انحنى جريد وفك حبلًا، ثم ركب زورقًا صغيرًا يتسع لحيوانين، وراح يجدف ناحية الخلد. وعندما وصل بزورقه الأبيض والأزرق، مد مخلبه إلى الخلد وأعانه على ركوب الزورق.
رحلة النهر
تصادق الحيوانان في الحال، وأدهش جرد الماء أن صديقه لم يعرف تلك المنطقة من قبل. قال جريد: “ليس هناك شيء يداني متعة التجوال بالزورق.” ثم خطرت له فكرة وقال: “اسمع، إذا لم تكن مشغولًا هذا الصباح، فإني أقترح أن نقوم برحلة نهرية نقضي فيها نهارنا.”
أسند خلود ظهره إلى الوسائد الناعمة وقال بسعادة: “فلنبدأ رحلتنا فورًا!” جلب جريد سلة وأعطاها إلى خلود وقال: “ضع هذه عند قدميك.” فسأله خلود: “ماذا يوجد في داخلها؟” أجاب جريد: “دجاج مبرد، لحم بقر مبرد، خيار مخلل، خضروات، خبز، وعصير.”
هتف خلود وهو يشعر بالجوع: “كفى! هذا كثير!” فرد جريد جادًا: “أتظن ذلك؟ هذا ما آخذه عادة في مثل هذه الرحلات.”
متعة الرحلة
بدأ جريد يجدف بصبر، بينما كان الخلد يمتع نفسه بالمشاهد الجديدة والروائح الطيبة، وينزل يده في الماء بسعادة ومرح. سرَّ جرد الماء أن صديقه يستمتع بالرحلة، وراح يشرح له سبب تعلقه بالنهر قائلًا: “إنه عالمي، ولا أريد عالمًا سواه.”
سأل خلود: “لكن ألا تشعر بالوحدة أحيانًا؟ تعيش وحيدًا أنت والنهر، ولا أحد يونس وحدتك؟” أجاب جريد: “لا أحد يؤنس وحدتي؟ لا بد أنك تمزح! النهر مليء بالمخلوقات. أحيانًا تضايقني كثرتهم. هنا تعيش ثعالب الماء، ودجاج الماء، والبط، وسواها، وتراها حولك طوال النهار!”
حديث عن الغابة
قال خلود مشيرًا بيده إلى أجمة من الأشجار الممتدة وراء الحقول: “ما ذاك؟”
أجاب جريد: “إنها غابة. نحن، سكان ضفاف الأنهار، لا نذهب كثيرًا إلى هناك.”
فقال خلود: “أليس في الغابة مخلوقات طيبة؟”
أجابه جريد: “نعم. السناجب لطيفة، وكذلك الأرانب. ولا بأس بالغرير. الحيوانات لا تزعجه، وخير لها ألا تفعل!”
فسأل خلود: “ولمَ لا يرغب أحد في إزعاجه؟”
قال جريد: “في الغابة حيوانات أخرى: ابن عرس، والقاقم، والثعلب وأمثالها. ليست خطرة، لكن من الأفضل عدم الوثوق بها.”
تساءل خلود: “وما ذاك الذي أراه وراء الغابة؟ فإني أرى رقعة زرقاء وتلالًا ودخانًا…”
فأجابه جريد: “وراء الغابة العالم الفسيح، وهذا أمر لا يعنيك ولا يعنيني.”
لقاء الضيوف
وهكذا بدآ رحلتهما. وبعد وقت، أحس الخلد بالجوع. وبينما كانا يأكلان مر بهما زائران: ثعلب ماء وغرير. كان ثعلب الماء، واسمه ثعلبة، يطارد سمكة، فلما رآهما خرج إلى ضفة النهر، نفض جسده وحياهما. أما الغرير، واسمه غرغور، فقد اقترب منهما ومد رأسه المخطط من وراء شجرة وتمتم: “جاءنا زوار”، ثم تابع طريقه.
ذكر لهما ثعلبة أن صديقهما ضفدوع في الجوار. وما كاد يكمل كلامه حتى ظهر ضفدوع يقود زورق سباق بمجدافين. كان ضفدوع قصيرًا وبدينًا، يجدف تجذيفًا رديئًا ويميل في تجذيفه ذات اليمين وذات اليسار.
فقال جريد: “لن يتقن التجذيف أبدًا.”
وعلق ثعلبة مازحًا: “فليتعلم أولًا كيف يمسك المجدافين!” ثم غطس فجأة في الماء واندفع وراء سمكة.
ضفدوع ومغامراته
تابع جريد يقول: “ضفدوع دائمًا يبحث عن شيء جديد. اشترى العام الماضي كوخًا نهريًا متنقلًا، لكنه سرعان ما مل منه.”
عاد جرد الماء والخلد إلى بيت جريد على ضفة النهر وجلسا إلى جانب النار في مقعدين مريحين وواسعين. دعا جرد الماء صديقه الخلد ليقيم معه طوال الصيف. أوى الخلد إلى الفراش في غرفة لطيفة ومريحة، وأخذ ينصت إلى صوت ماء النهر يداعب بين صخوره، وصوت الريح وهي تلاعب أشجار الصفصاف من حوله.
الطريق العام
في اليوم التالي، اصطحب جرد الماء صديقه الخلد لزيارة ضفدوع الذي كان يعيش في منزل قديم لطيف قائم على تلة اسمها “تلة الضفادع”. كان المنزل مبنيًا من القرميد الأحمر، يصل بينه وبين ضفة النهر سفح مغطى بالأعشاب.
كان ضفدوع ثريًا لكنه قليل الإدراك. وكان على جرد الماء والغرير أن يراقبا دائمًا تصرفاته. كان طيب القلب، لكنه يحب المظاهر، ما يوقعه دائمًا في المتاعب.
وجده الزائران جالسًا في الحديقة يتأمل خريطة طرق، فقد كان اشترى عربة وطلاها باللون الأصفر، بينما طلى دواليبها باللون الأخضر، وأعد لها حصانًا أشهب يجرها. كان ينوي القيام بأول رحلة له بتلك العربة، فأقنع الخلد وجرد الماء بمرافقته.
حادث العربة
كان ضفدوع مفعمًا بالبشر والسعادة، وراح يتمايل ويقول بحماسة: “سنكون كل يوم في مكان جديد، ما أجمل هذا الزمان!”
انطلق ثلاثتهم، لكن قبل أن تسير العربة طويلًا، حدث أمر غير متوقع!
كانت السعادة تعمهم وهم ينطلقون فوق المرج، فجأة سمعوا صوتًا غريبًا. لقد مرت بجانبهم سيارة تسير بسرعة خاطفة، فأثارت سحابة من الغبار واختفت.
أجفل الحصان المسكين، فانقلبت العربة ووقعت في حفرة، فتحطمت نوافذها، وانثلم أحد دواليبها.
غضب جرد الماء والخلد
اشتعل جرد الماء والخلد غضبًا، وصاحا وهما يرفعان قبضتيهما مهددين: “يا له من سائق أرعن!” أما ضفدوع، فقد جلس على الأرض واسع العينين، دون أن يبدو عليه أنه انزعج لتحطم العربة. لقد كان يفكر في تلك اللحظة بشراء سيارة وقيادتها!
في اليوم التالي، لم يكن لأحد حديث عند ضفة النهر غير حكاية العربة المحطمة.
قال أحدهم: “أسمعت آخر الأخبار؟ لقد توجه ضفدوع إلى المدينة هذا الصباح.”
فرد الآخر: “أتدري ماذا سيفعل؟ سيشتري سيارة كبيرة عالية الثمن!”
قرار زيارة الغرير
انتهى أخيرًا الصيف الطويل الحار، وحل الشتاء. كان الخلد لا يزال يعيش في بيت صديقه جرد الماء على ضفة النهر. وفي أحد الأيام الباردة، قرر الخلد أن يذهب إلى الغابة لزيارة الغرير. كان قد وطد معرفته بسائر أصدقاء جرد الماء، إلا الغرير، إذ لم يكن قد تعرف عليه معرفة وثيقة. وفي الشتاء، تقيم معظم الحيوانات في بيوتها وتستريح بعد صيف ناشط. بعضها ينام أكثر الوقت، ولا يمكن إقناعه بالقيام بأي نشاط.
لذا كان الخلد يعلم أنه إذا أراد رؤية الغرير، فعليه أن يزوره في بيته. تسلل الخلد من بيت جرد الماء الدافئ إلى الهواء الطلق. وكان الريف أجرد وباردًا، والعصيات اليابسة تتكسر تحت قدميه. كانت الأشجار عارية من الأوراق وذات أشكال غريبة ومخيفة، وراح الظلام يهبط بسرعة، مما جعل الخلد يشعر بالذعر.
ضياع الخلد في الغابة
زاد من خوفه وجوه تطل من تجاويف الأشجار، فتتراءى له وجوه شيطانية تسكن في كل زاوية من زوايا الغابة. ثم بدأ يسمع أصواتًا حادة، تأتي من أمامه ومن ورائه. وكان وحيدًا، بلا أمل في نجدة تأتيه وسط الضياع والظلام. بعد فترة، أحس بوقع خطوات حوله، وشعر بأقدام صغيرة تلاحقه، تخشخش فوق أوراق الأشجار الساقطة، فراح يجري مذعورًا ويصطدم بالأشجار هنا وهناك.
في تلك الأثناء، اكتشف جرد الماء أن الخلد ليس في البيت، ورأى آثار أقدامه تتجه نحو الغابة. فأخذ عصا وأسرع خلفه، وأخيرًا وجده ملتجئًا تحت شجرة زان، يرتعش من الخوف. بدأت الثلوج تتساقط بكثافة، وسرعان ما غطى الثلج الأرض ببساط أبيض، واختفت الممرات ومعالم الغابة.
لقاء الغرير
وجد جرد الماء والخلد صعوبة بالغة في شق طريقهما عبر الغابة. وأثناء السير، وقع الخلد على جسم صلب وجرح ساقه. كان ذلك الجسم مكشطة لتنظيف الأحذية عند الأبواب. قال جرد الماء بشيء من الأمل: “حيث تكون المكشطة، يكون هناك باب!” وسرعان ما وجدا بابًا سميكًا، وفوقه جرس عتيق الطراز، ولوحة نحاسية مكتوب عليها: “منزل غرغور.”
رن جرد الماء الجرس العتيق الطراز، وبعد قليل من الانتظار، فتح الغرير الباب، وقد بدا متضايقًا من تلك الزيارة الليلية غير المنتظرة، لكنه سرعان ما ابتسم ورحب بالزائرين.
التخطيط لمساعدة ضفدوع
أعد الغرير لزائريه عشاءً ساخنًا ولذيذًا، وجلسوا ثلاثتهم إلى جانب النار يتحدثون عن ضفدوع وهوسه الجديد بالسيارات. وقد رأى الغرير أن عليهم، بعد انتهاء الشتاء، أن يفعلوا شيئًا لإعادة الضفدع المغرور المهووس إلى صوابه.
في صباح اليوم التالي، تناولوا فطورًا شهيًا. وشاركهم طعامهم قنفذان ضلا الطريق ذلك الصباح. بعد الطعام، قاد الغرير ضيفيه من باب وجاره الخلفي عبر مجموعة من الأنفاق التي أوصلتهم إلى طرف الغابة.
التفت جرد الماء والخلد إلى الوراء، فرأيا الغابة تقف مخيفة كما كانت، فأسرعا نحو البيت الآمن والدافئ على ضفة النهر، وما أحلى الرجوع إليه!
استكشاف الريف في الشتاء
اقترب الشتاء من منتصفه، وخرج الخلد وجرد الماء لاستكشاف بعض مناطق الريف. كان الليل قد هبط عندما وصلا إلى إحدى القرى، ورأيا أضواء القناديل تشع من نوافذ البيوت. من خلال تلك النوافذ، شاهدوا أطفالًا ينامون نومًا هادئًا في أسرتهم، رجالًا يقرأون، ونساءً يخطن الثياب. بينما كان الطائر الوحيد في قفصه يشعر بالوحشة، أحس الخلد وجرد الماء بالتعب والبرد، وأنهما بعيدين جدًا عن البيت.
تابع جرد الماء والخلد سيرهما عبر الحقول. كان خلود يسير ببطء وقد مال بخطمه ناحية الأرض. فجأة، استوقفته رائحة مألوفة. أحس برعشة تدب في جسده. لقد كانت رائحة بيته الذي هجره منذ بداية الربيع.
في غمرة حياته الجديدة، نسي الخلد بيته الصغير، لكن الآن عاد شوقه إليه بقوة، فنادى صديقه طالبًا منه التوقف.
شوق الخلد إلى بيته
لكن جرد الماء لم يسمع نداء صديقه، وصاح: “أسرع يا صديقي العجوز! لا يزال أمامنا طريق طويل.”
توقف الخلد المسكين حائرًا في الطريق. كانت رائحة البيت تدعوه إليه، لكنه لم يرد أن يتخلى عن صديقه. بدأ يجر نفسه ببطء. لاحظ جرد الماء أن صديقه يجرجر خطواته، ثم سمعه ينشج ببكاء مكتوم.
أسرع جريد إلى صديقه، ووضع يده على كتفه بنظرة تساؤل. قال الخلد وهو لا يزال ينشج: “أعرف أن بيتي صغير وبسيط، ليس كبيتك اللطيف، ولا كمنزل ضفدوع الواسع، لكنه بيتي، وأنا فخور به.”
ربت جرد الماء على كتف صديقه وقال: “لقد كنت قصير النظر، فلم أفهم مشاعرك يا صديقي.” ثم استدارا لتتبع رائحة البيت.
العودة إلى بيت الخلد
واجه الخلد بعض المشقة في الوصول إلى بيته، لكنه أخيرًا عثر على نفقٍ وأسرع بالدخول. في أسفل النفق كان هناك باب كتب عليه “منزل خلود”. أضاء الخلد مصباحًا فكشفت الإضاءة عن غرفة صغيرة لطيفة، فيها مقعد خشبي وسلال معلقة وساعة عتيقة، وحوض للأسماك الذهبية مطعم بالأصداف.
كان البيت مغطى بالغبار وغير مرتب، فعاد الخلد يبكي ببكاء مكتوم، وأحس بالخجل من جلب صديقه إلى بيته غير النظيف وغير المرتب. لكن جرد الماء راح يركض في أنحاء المنزل، يفتح الخزانات ويستكشف بيت صديقه بحماس، ثم أشعل نارًا.
عاد الهدوء والاطمئنان إلى الخلد، فأمسك منفضة الغبار وراح يعمل بسرعة. صاح جريد بانشراح: “يا له من منزل صغير لطيف! لقد أحسنت تنظيمه واستغلاله يا صديقي!” لكن فجأة تذكر الخلد شيئًا فملأت الدموع عينيه وقال: “ولكن ليس عندي عشاء أقدمه لك!”
ضيافة الخلد والفئران
قال جرد الماء: “كفى قلقًا! إني أرى فتاحة سردين، فلا بد أن عندك معلبات.” وفعلاً، وجدا علب سردين وبعض البسكويت الجاف، فجلسا يستعدان لتناول عشائهما. فجأة، سمعا ضجيجًا يقترب من المدخل. سأل جريد: “ما هذا؟”
أجاب خلود: “لا بد أنها فئران الحقل. فهي أحيانًا تزورني في مثل هذا الوقت من العام، فتغني معًا ونسلي أنفسنا في وحشة الشتاء.”
حمل جريد شمعة، وفتح خلود الباب، فإذا أمامهما تسعة فئران تقف على شكل نصف دائرة. كانت الفئران تلف حول أعناقها شالات حمراء وتتراقص لتدفئ نفسها. صاح أكبر الفئران: “واحد، اثنان، ثلاثة!” فانطلقت الفئران جميعًا تغني بصوت ناعم ولطيف:
“أهلا، أهلا، يا خلود!
يا جوالا في البلدان
من يهجر بيتًا سوف يعود
فالبيت عزيز كالأوطان”
استقبال الفئران المغنية
رحب خلود وجريد بالفئران المغنية، وحمل جريد أحد الفئران سلة وأعطاه نقودًا ليشتري طعامًا وهدايا. جلس الجميع حول النار يستدفئون ويتحدثون. وعندما عاد فأر الحقل محملًا بألوان الطعام والشراب، جلسوا جميعًا يأكلون ويشربون.
أخيرًا، عاد كل واحد منهم إلى بيته حاملًا هدية إلى أسرته. اندس الخلد وجرد الماء في سريرهما، وتلفت الخلد حوله متأملًا بيته الذي أضاءه لهب المدفأة، وأحس بسعادة غامرة، وقال في نفسه: “ما أحلى الرجوع إلى البيت! كل مخلوق يحتاج إلى بيت يكون له وحده ويلجأ إليه.”
محاولة إنقاذ ضفدوع
في يوم مشرق من أيام أوائل الصيف، جاء الغرير ليزور صديقيه جرد الماء والخلد. قال الغرير: “علينا أن نعالج أمر ضفدوع، فإن تصرفاته تزعجنا جميعًا. كان أبوه صديقي، ولا أحب أن أتخيل خيبة الأمل التي كانت ستصيب الأب لو رأى تصرفات ابنه. هوس ضفدوع بالسيارات خلق له متاعب مع رجال الشرطة.”
هز جريد رأسه موافقًا وهو يقول: “نعم، لقد تسبب في وقوع حوادث سير كثيرة. وسمعت أنه اشترى هذا الأسبوع سيارة جديدة.”
توجهوا ثلاثتهم إلى منزل ضفدوع. ووجدوا أمام المنزل سيارة حمراء براقة. ثم رأوا صديقهم الضفدع يخرج من منزله مرتديًا قفازين ومعطفًا واسعًا، ووضع فوق رأسه قبعة ونظارتين، وراح يمشي متمايلًا مختالًا.
صاح ضفدوع بانشراح: “وصلتم في الوقت المناسب! سوف ترون كيف أطير بهذه السيارة الرائعة.”
رد الغرير بغضب: “لن تفعل شيئًا من ذلك!” ثم أمسكه من عنقه وجره إلى البيت، يساعده في ذلك جريد وخلود. وبدأ غرغور في توبيخ ضفدوع على تصرفاته، طالبًا منه أن يقلع عن قيادة السيارة بتهور.
هروب ضفدوع
رفض ضفدوع أن يعد بالإقلاع عن قيادة السيارة بتهور، فحجزه أصدقاؤه في غرفة نومه، وأقفلوا الباب وتركوه ليعيد التفكير في حاله.
لكن الضفدع الشقي تظاهر بالمرض، مما دفع أصدقاؤه إلى استدعاء الطبيب. استغل ضفدوع غيابهم وهرب من النافذة واتجه نحو القرية، ضاحكًا وفخورًا بذكائه.
رأى في ساحة نزل القرية سيارة جميلة، فلم يقوَ على مقاومة رغبة تجربتها. قفز إليها وأدار المحرك وانطلق بها بسرعة كبيرة، مخلفًا وراءه عاصفة من الغبار.
أخذ يغني بسعادة وهو يقود، أغنية يتحدث فيها عن ذكائه ومهارته وسرعة بديهته.
ضفدوع في السجن
انتهت مغامرة ضفدوع في قاعة المحكمة، حيث اتهم بالقيادة المتهورة وسرقة سيارة، وفوق ذلك تطاوله على رجال الشرطة. فحكم عليه بالسجن عشرين عامًا.
قُيدت يدا ضفدوع البائس، واقتاده الحرس في شوارع البلدة إلى سجن القلعة الرهيب. مروا به عبر ممرات القلعة بين الكلاب المتوحشة التي حاولت تحطيم قيودها للانقضاض عليه. ثم اقتيد نزولًا عبر درج حجري ملتف، وألقي في زنزانة حجرية مظلمة أمام بابها حارس.
أدرك ضفدوع أنه لم يكن له أمل في الهروب من هذا السجن المخيف، وتيقن في تلك اللحظة أنه لم يكن إلا أحمقًا غبيًا.
تمتم لنفسه: “أين ذاك الضفدع الذكي النبيل الذي كان يحترمه جميع أهل البلدة؟ أنا لست إلا مخلوقًا بائسًا نال ما يستحقه من عقاب.”
رفض ضفدوع الطعام الذي قدمته إدارة السجن إليه، وجلس على سريره حزينًا تعيسًا، وراحت الدموع تنهمر من عينيه.
خطة هروب ضفدوع
كانت ابنة السجان فتاة لطيفة تحب الحيوانات، فأشفقت على ضفدوع وحملت له طعامًا ساخنًا، وطلبت منه أن يصف لها منزله الواسع. سرعان ما استعادت ضفدوع ثقته بنفسه، وبدأ يصف لها بيته الكبير بكثير من الخيلاء والتباهي. رغم خيلاء ضفدوع، شعرت الفتاة بالإشفاق عليه بسبب سجنه، فقررت مساعدته على الهرب.
خطتها كانت تقضي بأن يرتدي ضفدوع ملابس عمتها. كانت العمة تزور السجن مرة في الأسبوع لأخذ الثياب المتسخة وغسلها، وكانت سمينة وقصيرة مثل ضفدوع. عادة ما تأتي حاملة سلة ثياب، وتضع على رأسها قبعة واسعة، وترتدي ثوبًا طويلًا مع شال حول عنقها.
في البداية، لم تعجب الفكرة ضفدوع، إذ لم يكن يرغب في التنكر في ملابس امرأة عجوز، لكن في النهاية وافق، ودفع للعمة المال ثم قيدها كي لا تتهم بمساعدته. بدأت الفتاة تبتسم وهي تعقد رباط القبعة حول عنق ضفدوع، وقالت ضاحكة: “إنك فعلاً تشبهها! إلى اللقاء!”
مغامرة ضفدوع في الهروب
واجه ضفدوع لحظات حرجة، خاصة عندما بدأ الحرس يمازحونه ظانين أنه الغسالة العجوز. لكن ضفدوع تخيل نفسه ممثلًا بارعًا، فتماسك ومرت التجربة بسلام. سرعان ما كان يسير طليقًا في الطريق، سعيدًا بالحرية وأشعة الشمس.
اتجه ضفدوع إلى محطة القطار، وكان يهم بشراء تذكرة عندما تذكر أنه نسي محفظة نقوده في زنزانته. لم يكن يعرف ماذا يفعل، لكنه رأى سائق القطار ينظف المحرك، فاتجه نحوه وقال محاولًا تقليد صوت عجوز: “يا سيدي، أنا غسالة فقيرة عجوز. أضعت محفظتي، فكيف أصل إلى بيتي وأطفالي؟”
أجاب السائق العطوف: “أيتها السيدة، سأسمح لك بركوب القطار، وتغسلين لي بعض الثياب عندما تصلين بيتك.”
رضي ضفدوع مسرورًا وقفز إلى عربة السائق، ثم انطلق القطار وسط الصفير والدخان.
مطاردة الشرطة
التفت السائق فجأة وصاح: “هناك قطار آخر يطاردنا! إنه مملوء بالناس ورجال الشرطة وحرس السجن، والجميع يصيحون طالبين مني أن أتوقف.”
ركع ضفدوع أمام السائق متوسلًا: “أنا لست غسالة عجوزًا! إنني المغامر الجريء المشهور، السيد ضفدوع. أرجوك ساعدني!”
أشفق السائق على ضفدوع عندما رأى رجال الشرطة يطاردونه، فقال: “لا تخف، سأساعدك.”
دفع السائق المزيد من الفحم إلى النار، فاندفع القطار بأقصى سرعته. عندما دخل القطار نفقًا، خفف السائق السرعة، فقفز ضفدوع منه فور خروجه من النفق، وراح يتقلب بجسمه البدين محاولًا الهرب.
رأى القطار الثاني يمر مسرعًا ورجال الشرطة وحرس السجن يلوحون بأسلحتهم، فغرق في الضحك. وأخيرًا، اتجه إلى شجرة عتيقة، فاستراح ونام في انتظار الصباح.
اختفاء ابن ثعلبة
في تلك الأثناء، كان أهل جوار النهر يشعرون بالقلق، فقد اختفى ابن ثعلبة الصغير. لم يسبق له أن غاب عن بيته من قبل، مما أثار ذعر الجميع، فخرجت جماعات تبحث عنه.
أصاب القلق جرد الماء والخلد أيضًا. قال جريد: “ثعلبة يراقب جانب النهر الضحل، حيث علم ابنه السباحة. يظن أن الصغير سيعود إلى ذلك المكان المحبب إليه، إذا انتظر هناك طوال الليل.”
البحث عن ابن ثعلبة الصغير
كان الوقت فجرًا. نهض خلود وقال: “تعال يا جريد، لا أستطيع النوم. علينا أن نفتش عن الصغير.”
ركبا زورقهما وراحا يجدفان بسرعة في ماء النهر. كانت الشمس قد بدأت بإرسال أشعتها اللطيفة، والعصافير قد شرعت تغرد. كل ما حولهما كان أخضر زاهيًا يوحي بالحياة والنشاط.
ابتعدا في مجرى النهر إلى مكان لم يعرفاه من قبل، ووَصَلا إلى جزيرة صغيرة. فجأة توقف جريد عن التجذيف وقال: “اسمع! ألا تسمع صوت موسيقى؟” لم يكن خلود يسمع شيئًا في البداية، لكن عينا جريد كانتا تتألقان بنور غريب، وبدا كالمسحور.
اتجه الصديقان بزورقهما ناحية ضفة النهر المعشبة. وهنا بدأ خلود يسمع صوت الموسيقى أيضًا. كان واضحًا أن ما يسمعانه هو صوت مزمار، وكأنه يقودهما نحو فسحة بين الأشجار. شعرا أنهما في حضرة مكان مسحور.
في الفسحة، شاهدا جني المزمار الذي يحرس حيوانات الغابة، جالسًا على جذع شجرة. كان له قرنان، وجه قوي وعطوف، وصدر أسمر وأطراف عنزية. عند قدميه كان ابن ثعلبة الصغير مستلقيًا، راضيًا ومطمئنًا مثل طفل نائم.
مر هذا المشهد أمام أعين جريد وخلود مرورًا خاطفًا، ثم اختفى الصوت واختفى معه الجني والمزمار. مع اختفاء الجني، استيقظ ابن ثعلبة الصغير وبدأ بالبكاء، مفتشًا عن صديقه الذي اختفى.
حمل جريد وخلود ابن ثعلبة إلى والده الذي كان لا يزال ينتظر صابرًا عند الجانب الضحل من النهر. وقفا هنيهة يراقبان اللقاء السعيد بين الأب وابنه، ثم عادا إلى البيت سعيدين بما أنجزاه في ذلك اليوم.
مغامرات ضفدوع المتنكر
في تلك الأثناء، كان ضفدوع، المتنكر في زي الغسالة العجوز، يتابع سيره نحو منزله. بينما كان يسير بمحاذاة النهر، مر جوار مركب نهري زاهي الألوان تقوده امرأة بدينة. وجد ضفدوع في هذا المركب فرصة للعودة إلى بيته دون عناء، فقص على المرأة حكاية المحفظة الضائعة والأطفال الذين ينتظرون أمهم في المنزل.
قبلت المرأة البدينة أن تأخذ ضفدوع المتنكر معها، شرط أن يقوم بغسل الثياب المتسخة التي كانت معها. أعطته كومة كبيرة من الثياب، بعض الصابون، ودلوًا كبيرًا من الماء النظيف. لكن ضفدوع لم يكن يعرف كيف يبدأ، فراح يخبط ويعرك ويفرك، لكن الثياب ظلت كما هي على اتساخها.
اقتربت المرأة البدينة منه، تأملت عمله، ثم صاحت بغضب: “أنت لست غسالة! أنت ضفدع قذر ومكروه! أخرج من مركبي النظيف!”
غضب ضفدوع بشدة، فقفز من المركب، وفك حبل الجواد الذي كان مربوطًا بالمركب وركبه وانطلق به، تاركًا المرأة البدينة تصرخ وتهدد.
انطلق ضفدوع بالجواد، معجبًا بجرأته وذكائه وسرعة بديهته. أحس بالجوع بعد فترة، وبدأت رائحة طيبة تملأ أنفه، فبحث حوله ورأى غجريًا يشوي أرنبًا. أسرع ضفدوع وبدل جواده بالأرنب الذي كان يشويه الغجري.
ضفدوع يعود إلى خيلائه
عاد ضفدوع إلى خيلائه وادعائه، وراح ينظم قصيدة يمجد بها نفسه، قائلاً:
“في الدنيا أبطال شجعان، لكني الأعظم والأشجع.
من منهم يهزأ بالسجان؟ حدث عني، فأنا الضفدع!”
لكن بينما كان يغني، سمع فجأة ضجيجًا مألوفًا…
ضفدوع يسرق السيارة مجددًا
كانت السيارة التي سرقها ضفدوع سابقًا، والتي سجن لأجلها، تنطلق على الطريق العام. تظاهر ضفدوع بالإغماء، فتوقفت السيارة، وأسرع الركاب لحمل الضفدع الذي ظنوه غسالة عجوزًا ووضعوه في السيارة ريثما يعود إلى وعيه. لكن سرعان ما غلب الإغراء على ضفدوع فقال بلهفة: “لقد كنت دائمًا أتوق إلى قيادة سيارة، أرجوكم اسمحوا لي أن أجرب!”
تعجب الركاب من تلك الغسالة العجوز التي تحب قيادة السيارات، فقالوا: “فلتجرب نفسها.”
قاد ضفدوع السيارة ببطء في البداية، لكنه ما لبث أن بدأ يسرع ويسرع! صاح الركاب: “رويدك، أيتها الغسالة!”
فأجاب ضفدوع بخيلاء: “أنا لست غسالة! أنا ضفدوع العظيم الشهير!” وراح يزيد من سرعة السيارة، مما أدخل الرعب في قلوب الركاب. أخيرًا، انعطف بالسيارة انعطافًا حادًا فانحرفت عن الطريق وسقطت في بركة ماء.
قفز ضفدوع من السيارة وأسرع هاربًا بين الحقول، تاركًا الركاب غارقين في بركة الماء الموحلة. وبدأ يغني أغنية جديدة يمتدح بها نفسه، قائلًا:
“أنا فطن وفهيم، جمُّ الدهاء.
إن لي رأيًا ذكيًا، حار فيه الأذكياء!”
لكنه عندما التفت خلفه، رأى سائق السيارة ورجلي شرطة يطاردونه جاهدين.
ضفدوع يحاول الهروب
أخذ ضفدوع المسكين يجري بأقصى سرعته، لكنه كان بدينًا جدًا، فتقلصت المسافة بينه وبين مطارديه. أدرك ضفدوع مرة أخرى غبائه وعاقبة حب الظهور والخيلاء. وصل إلى ضفة نهر ورمى نفسه في الماء.
راح يسبح بكل ما لديه من قوة حتى وصل إلى حفرة على الضفة الأخرى من النهر. تعلق بالحفرة ونظر إلى داخلها. سرعان ما أطل عليه وجه مستدير بني، ذو شاربين كبيرين وعينين متألقتين، وكان هذا الحيوان هو صديقه جرد الماء.
معركة استعادة منزل ضفدوع
أعطى جريد صديقه ضفدوع ثيابًا جافة وطيب خاطره، ثم روى له ما حدث أثناء غيابه. فقد استغلت الحيوانات المفترسة في الغابة غيابه واستولت على منزله. الآن، تسكن في المنزل حيوانات ابن عرس، وابن مقرض، والقاقم، وتأكل طعام ضفدوع وتشرب شرابه، وتزعم أنه لن يعود أبدًا.
همَّ ضفدوع بالصعود فورًا إلى منزله وطرد الدخلاء، لكن جرد الماء أخبره أن الحيوانات المفترسة أقامت حرّاسًا مسلحين على جميع الأبواب ومنافذ البيت. كما استكشف غرغور وخلود وجرد الماء المكان مرارًا، وتأكدوا أنه لا سبيل إلى دخول البيت.
اجتماع الأصدقاء للتخطيط
وصل غرغور وخلود إلى المكان وقد بدا عليهما التعب. كانت ثياب غرغور ملطخة بالوحل. نظر إلى ضفدوع وقال بتحسر: “أهلاً بك يا صديقي المسكين! يؤسفني أن حالتك سيئة هذه الأيام…” ثم جلس بعد أن تناول قطعة من الحلوى.
أما خلود، الذي كان فراؤه مليئًا بالقش، فقد راح يرقص حول صديقه الضفدع ويقول بسعادة: “لقد أفلت إذن، أيها الذكي!”
أثارت هذه العبارة حماسة ضفدوع، فبدأ يروي مغامراته لخلود المعجب.
لكن جريد قاطعه قائلاً: “لا تفسح له المجال لرواية الحكايات، يا خلود، فإن علينا أن نفكر في ما سنقدم عليه.”
بدأ الجميع يتحدثون دفعة واحدة، إلى أن أسكتهم غرغور، وتناول قطعة جبن ثم قال:
“يا ضفدوع، إنك حيوان صغير شقي ومشاغب. ألا تخجل من نفسك؟ ما الذي كان يمكن أن يقوله أبوك، صديقي، لو عرف بأفعالك المشينة؟”
عندها أدار ضفدوع وجهه وأخذ ينشج بالبكاء.
خطة غرغور لاستعادة منزل ضفدوع
تابع غرغور كلامه قائلاً: “لا تبك يا ضفدوع! ما فات فات. سأشرح الآن خطتي لاسترداد المنزل.” وبدأ يوضح للحيوانات المتلهفة تفاصيل خطته.
يمتد نفق سري إلى داخل منزل ضفدوع حيث ينتهي في غرفة مجاورة لغرفة الطعام. وكان من المقرر إقامة وليمة عشاء في تلك الليلة احتفالًا بعيد ميلاد زعيم بنات عرس، وستكون جميع الحيوانات المفترسة في القاعة تتناول الطعام وتمرح، باستثناء قلة قليلة من الحراس عند مداخل المنزل.
ستدخل جماعة غرغور عبر النفق، مسلحين جيدًا، ثم يهاجمون الحيوانات المفترسة على حين غرة.
كان لدى غرغور كومة من الأسلحة، فقام جريد بتوزيعها على المشاركين في الهجوم. تناولوا العشاء وانتظروا حلول موعد الهجوم. وعندما هبط الظلام، حمل كل منهم سلاحه واتجهوا نحو النفق السري. كان غرغور في المقدمة حاملًا عصا غليظة.
كانوا يتوقفون بين الحين والآخر بسبب شدة الظلام، وغالبًا ما كانوا يصطدمون ببعضهم البعض. أما ضفدوع، الذي كان يسير في آخر الموكب، فقد أفزعه الظلام. وسرعان ما بدأت أصوات الحفلة تصل إليهم.
الهجوم على منزل ضفدوع
قال غرغور: “الآن، أيها الشجعان!” خرجوا من النفق إلى الغرفة المجاورة لغرفة الطعام، وسمعوا زعيم بنات عرس يلقي خطابًا يسخر فيه من ضفدوع، قائلًا: “أود أن أوجه إلى مضيفنا ضفدوع كلمة… ضفدوع الهادئ! ضفدوع المتواضع! ضفدوع الصادق!” وضحك الجميع. ثم تابع خطابه وقال: “لقد ألفت أغنية عن كرمه!” وبدأ يغني أغنية بغيضة يسخر فيها من ولع ضفدوع بالسيارات وسجنه.
صاح ضفدوع: “سأمزقه!”
وهنا صرخ غرغور: “الآن!” واندفع الأربعة إلى قاعة الطعام مشهرين أسلحتهم.
دب الذعر في بنات عرس، وبدأوا يصرخون ويتراكضون طلبًا للنجاة. حاولت بعضهم الاختباء تحت المائدة، بينما أسرعت بنات مقرض إلى المدفأة وتعلقن في المدخنة.
غرغور الجبار كان يضرب بعصاه يمينًا ويسارًا، بينما صاح خلود: “جاءكم الخلد! جاءكم الخلد!” ولوح جريد بمسدسه. أما ضفدوع، فقد نفخ صدره واتجه مباشرة نحو زعيم بنات عرس.
أخيرًا، خلت القاعة للمهاجمين الأربعة، بعد أن فرت الحيوانات المفترسة عائدة إلى الغابة. أما القلة الباقية، فقد زودهم الخلد بالمكانس وأمرهم بتنظيف المنزل وترتيبه.
عودة ضفدوع إلى منزله
في صباح اليوم التالي، أراد ضفدوع دعوة أصدقائه وجيرانه إلى مأدبة عشاء احتفالًا بعودته إلى منزله. أمضى الصباح في إعداد برنامج حافل، حيث جهز أغاني يغنيها بنفسه، وخطبًا يلقيها عن “نظام السجن” و”سياسة الخيل” وموضوعات أخرى.
عندما رأى أصدقاؤه ما أعده لهم، قالوا له: “عليك يا ضفدوع أن تنسى حب الظهور والتباهي نهائيًا.”
سألهم: “لا خطب إذن؟”
أجابوا: “لا خطب!”
فقال: “ولا حتى أغنية واحدة صغيرة؟”
فردوا: “ولا حتى أغنية واحدة صغيرة!”
أدرك ضفدوع المسكين أنه لا مفر من التخلي عن حب الظهور والتباهي. لكنه ذهب إلى غرفة نومه ونظر في المرآة، وقرر أن يغني أغنية أخيرة أمام المرآة، يمتدح فيها نفسه. وبدأ يغني:
“أنا فتان جميل
من يدانيني جمالًا؟
كل ما قلتم قليل
منظري فاق الخيالا!
إن لي صوتًا بديعًا
طار في كل الديار
فاسمعوا صوتي جميعًا
غار من صوتي الكنار!”
ثم تابع:
“أيها السائل عني
إنني، لا فخر، ضفدع
إن من باب التمني
أن ترى في الناس أروع!
عدت للبيت أخيرًا
بعد تجوال كثير
فافرشوا الأرض حريرًا
عاد للبيت الأمير!”
أغنية ضفدوع الأخيرة وتغيره
غنى ضفدوع أغنيته الأخيرة بصوت عالٍ وبإحساس قوي، وعندما وصل إلى نهايتها، أعاد غناءها من جديد عدة مرات. أخيرًا، عاد إلى أصدقائه. خلال الحفلة، رفض أن ينسب الفضل في الانتصار إلى نفسه، وقال بتواضع: “إنها فكرة غرغور، وقد قام جريد وخلود بالعبء الأكبر من القتال.”
نظر جريد وخلود إلى بعضهما مندهشين، فقد لاحظا أن ضفدوع قد تغير أخيرًا!
أرسل ضفدوع رسائل شكر وهدايا لكل من ابنة السجان وسائق القطار، كما أرسل للمرأة البدينة ثمن الجواد الذي أخذه منها. لكنه لم يرسل للغجري شيئًا، لأن الغجري كان الرابح في الصفقة التي عقدها معه.
حياة الأصدقاء بعد الانتصار
غالبًا ما كان الأصدقاء الأربعة يتنزهون صيفًا في الغابة، ويستمتعون بوقتهم معًا. وكثيرًا ما كانت أمهات بنات عرس تخوف صغارها الأشقياء باسم غرغور الضخم. رغم أن ذلك لم يكن عادلًا، لأن غرغور كان يحب الصغار، إلا أن هذا التخويف كان دائمًا يؤتي ثماره.
معرض الصور (قصة الريح والصفصاف)
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث