قصة معروف الإسكافي

معروف الإسكافي يتحدى الصعاب ويتورط في قصة ومغامرة مثيرة تجعل منه ثريًا، ثم يعود ليعيش حياة مليئة بالعمل الجاد والعطاء.
عناصر القصة (جدول المحتويات)

في قديم الزمان، عاش في القاهرة إسكافي بسيط يُدعى معروف. كان معروف يعمل بجد في دكانه الصغير، يصلح الأحذية العتيقة من الفجر حتى الغروب. ورغم أنه كان صادقًا وأمينًا، إلا أنه لم يكن سعيدًا لأن زوجته سكينة كانت غشاشة وسليطة اللسان. في أحد الأيام، طلبت سكينة من معروف أن يشتري لها كنافة بالعسل، لكنه لم يستطع جمع المال الكافي لذلك. عند عودته، قدم لها كنافة بالقطر، مما أشعل غضبها وأدى إلى شجار كبير انتهى بوفاتها.

ترك معروف القاهرة بعد وفاة زوجته وهام على وجهه حتى وصل إلى مدينة بعيدة حيث التقى بتاجر يدعى علي، صديق قديم له. وبحيلة ذكية، ادعى علي ومعروف أن لديهما قافلة كبيرة محملة بالكنوز ستصل قريبًا، مما جعل التجار يقرضونهما المال. أصبح معروف ثريًا وزوج السلطان ابنته.

لكن سرعان ما اكتشف السلطان أن معروف كان يخدع الجميع بشأن القافلة، فأمر ابنته أن تستجوبه. اعترف معروف لزوجته الأمير بالحقائق وأخبرها بقصته. نصحته الأميرة بالهرب حتى لا يقتله السلطان. فر معروف على ظهر حصان في الليل، واتجه نحو قرية صغيرة حيث التقى بمزارع فقير.

عمل معروف مع المزارع سبع سنوات، كسب فيها قوت يومه بعرق جبينه. وفي نهاية هذه الفترة، اكتشف أن المزارع كان الجني الذي أنقذه من القاهرة. أخبره الجني أن القافلة التي تحدث عنها قد وصلت بالفعل، وأنه يمكنه العودة إلى الأميرة الآن. عاد معروف إلى المدينة وسط احتفالات كبيرة وأعاد توزيع المال على الفقراء، مما أسعد الجميع.

وفي أحد الأيام، اختفت القافلة كما ظهرت فجأة، لكن معروف استمر في إسعاد الناس وتوزيع الهدايا عليهم. لقد تعلم معروف أن السعادة الحقيقية تأتي من العطاء والعمل الجاد، وليس من الخداع والاحتيال. هكذا انتهت قصة معروف الإسكافي، الذي تحول من رجل بسيط إلى رجل كريم وسخي، محب للخير والعطاء.

قصة معروف الإسكافي مكتوبة

سأحكي لك أيها القارئ العزيز قصة غريبة ومدهشة. إنها قصة معروف الإسكافي التي بدأت أحداثها في القاهرة منذ زمن بعيد. كان معروف يذهب فجرا إلى دكانه الصغير الواقع في أحد الأزقة، ويعمل حتى الغروب في تصليح الأحذية العتيقة. وكان يعود في آخر النهار وقد كسب ما يكفي من المال لشراء طعام له ولزوجته. استهر معروف بين أهله وجيرانه بالأمانة والصدق، لكنه لم يكن سعيدا، فقد كانت زوجته غشاشة كذابة سليطة اللسان، لا تكف عن توجيه الإهانات إليه وإصدار الأوامر. وسرعان ما أطلق الجيران عليها اسم “سليطة” ونسوا اسمها الحقيقي “سكينة”.

الكنافة بالعسل

ذات صباح، قالت سكينة لزوجها معروف: “اشتر لي اليوم قطعة كبيرة من الكنافة بالعسل”. تمتم معروف بحيرة: “كنافة بالعسل! الكنافة غالية الثمن”. صاحت سكينة: “لم تفعل في حياتك شيئا واحدا يرضيني. أي ذنب اقترفت حتى أُجازى بالزواج من رجل غبي مثلك؟” أسرع معروف يقول: “حاضر يا سكينة، لكن أرجوك لا تغضبي. فالغضب يؤذي قلبك الضعيف. إن شاء الله سأكسب اليوم ما يكفي لشراء كنافة بالعسل. لا تعد إلى البيت دون الكنافة، يا معروف!”

لكن في ذلك اليوم لم يدخل دكان معروف زبون واحد. وترك الإسكافي دكانه دون أن يكون معه ثمن رغيف خبز. ومشى يتمتم قائلا: “لن تكون راضية… لن تكون راضية!” توقف معروف في الطريق أمام دكان حلواني، وراح يحدق في الكنافة بعينين حزينتين. فناداه الحلواني وقال له: “ما بك يا صديقي معروف؟” روى له معروف حكايته. فقال الحلواني: “لا تشغل بالك. احمل إلى زوجتك قطعة الكنافة هذه، وادفع لي ثمنها في الأسبوع المقبل. لكن لم يبق عندي عسل، وسأستبدل القطر. ما رأيك؟” قال معروف: “عظيم! شكرا لك يا صديقي”، ثم حمل قطعة الكنافة وأسرع إلى البيت يدندن فرحا.

وفاة سكينة

رأت سكينة زوجها يدخل من الباب فنهرته قائلة: “تأخرت. أين قطعة الكنافة؟” قال معروف باعتزاز وهو يضع ما يحمل أمام زوجته: “أتيتك بقطعة كنافة شهية”. نظرت الزوجة إلى الكنافة بعينين شرهتين، لكن سرعان ما بدا الغضب على وجهها، وصاحت: “ما هذا يا معروف؟ أطلب منك كنافة بالعسل، فتأتيني بكنافة بالقطر. هل فقدت ذاكرتك؟” رد معروف: “لا، يا زوجتي الغالية، لكن…” قاطعته سكينة: “وتحاول أن تغشني أيضا؟ أتحاول أن تخدع زوجتك يا معروف؟” ثم تناولت قطعة الكنافة ورمت بها زوجها.

أحس معروف بالدم يغلي في عروقه، فأمسك الكنافة وضرب بها زوجته. أخذت الزوجة تصيح: “الحقوني! إنه يقتلني!” ثم بدأت ترمي زوجها بأطباق الطعام والقدور والصواني والكراسي وكل ما يقع تحت يدها. وسرعان ما تجمع الجيران ليفصلوا بين سكينة وزوجها. راحت سكينة تصرخ قائلة: “زوجي غشاش وكذاب!” ثم فجأة بدا الشحوب على وجهها وسقطت على الأرض. صاح معروف بهلع: “نوبة قلبية! هاتوا الطبيب حالا!” لكن قبل أن يصل الطبيب، كانت سكينة قد فارقت الحياة.

استفسر الطبيب عما حدث، فقال معروف بأسى: “اشتريت من الكنافة صنفا غير الذي طلبته!” ظل معروف أياما لا يقوى على الكلام ولا يقبل الطعام. ولم يجد جيرانه وسيلة يعزونه بها. كان يذهب إلى دكانه نهارا فيعمل دون حماسة ويمسح بين الحين والآخر دموع عينيه. أما ليلا فيهيم على وجهه في شوارع القاهرة أملا في أن يخفف الهواء البارد من أحزانه.

لقاء الجني

جلس في إحدى الليالي حزينا متعبا أمام كوخ قديم قريب من سور المدينة. حدق في السماء وتنهد وقال بصوت عال: “من كان يظن أني سأحس بكل هذه التعاسة في غياب سكينة؟ رحمتك يا رب!” فجأة لمع الفضاء حول معروف بوميض كأنه البرق. وانفتح باب الكوخ بقوة وانتصب فوق معروف جني عملاق. زعق الجني قائلا: “من أنت؟ ولم جئت تفسد علي نومي؟” ثم حدق في وجه معروف بعينين واسعتين كبيرتين كأنهما برتقالتان.

دب الذعر في قلب معروف فراح يتمتم قائلا: “أنا… أنا… أنا…” دون أن يستطيع أن يقول شيئا آخر. رأى الجني في عيني معروف دموعا، فتغير صوته بعطف وقال: “عشت هنا مئات السنين، فلم أجد رجلا أكثر حزنا منك. تعال، سأحملك إلى بلاد بعيدة عن أرض أحزانك هذه”. ركب الإسكافي ظهر الجني، وسرعان ما وجد نفسه يشق سماء الليل ويطير عاليا فوق المدينة. راح الجني يحلق في طيرانه حتى بدا لمعروف أنه سيلمس النجوم. وبعد طيران طويل، أخذ الجني يهبط مارا بقمم الجبال المتألقة بضوء القمر. وأخيرا، حط فوق إحدى التلال المشرفة على واد صخري عميق. تكلم الجني قائلا: “ستجد في الوادي مدينة كبيرة. فتش عن حظك في تلك المدينة”. قال ذلك واختفى مع هواء الصباح الرقيق.

الوصول إلى المدينة

جلس معروف على صخرة يهز رأسه في حيرة واضطراب. لكن سرعان ما أحس بالبرد والجوع، فنزل التلة ومشى حتى وصل المدينة. لاحظ أحد شبان المدينة أنه غريب، فسأله: “من أي بلد أنت؟” أجاب معروف: “أنا من القاهرة.” قال الشاب: “من القاهرة! إنها رحلة طويلة. كم أسبوعا استغرقتك الرحلة؟” أجاب معروف: “تركت القاهرة ليلة أمس.” صاح الشاب: “ليلة أمس؟” ثم نادى رفاقه وقال لهم: “هذا الشاب يقول إنه كان في القاهرة ليلة أمس!” وسرعان ما تجمع جمهور من الناس حول معروف يضحكون ويسخرون. فصاح بهم معروف: “إني أقول الحقيقة! أنا لا أكذب”، لكن الناس ازدادوا ضحكا وسخرية.

اقترب تاجر غني من الجمهور الساخر وقال: “يا أصحابي، أرجوكم! لا يليق بنا أن نستقبل رجلا غريبا مثل هذا الاستقبال!” ثم التفت إلى معروف وقال له: “تعال، فأنت الآن ضيفي.” شكر معروف التاجر الغني ومشى معه عبر شوارع المدينة. وكان التاجر يسأل الإسكافي عن حياته في القاهرة، والإسكافي يجيب. ثم قال التاجر: “الواقع أني أعرف القاهرة معرفة وثيقة، بل أنا أعرف المكان الذي تعيش فيه في القاهرة بيتا بيتا. أتعرف الشيخ أحمد العطار؟” هتف معروف قائلا: “الشيخ أحمد! طبعا أعرفه: أولاده أصدقاني المقربون! فمن أولاده مصطفى المدرس، ومحمد العطار الذي تعلم مهنة أبيه، ثم الإبن الثالث علي الذي كان أحب أصدقائي إلي والذي ترك المدينة منذ سنوات ولم نسمع من أخباره بعد ذلك شيئا.” قال التاجر: “يا معروف، أنا علي!”

إعادة اللقاء بالأصدقاء

هتف معروف: “علي! أكاد لا أصدق عيني! مرحبا يا صديقي القديم!” ثم تعانق الصديقان بحرارة. وصل الرجلان إلى منزل واسع فخم. سأل معروف في دهشة: “كيف استطعت يا صديقي أن تكون على هذا الثراء؟” أجاب علي: “آه! عندما وصلت هذه المدينة كنت فقيرا مثلك. ثم ادعيت أني تاجر غني. وزعمت أن قافلتي المؤلفة من مئة جمل وبغل، والمحملة بالذهب والحرير والبهار والجواهر، ستصل قريبا. ثم طلبت ألف قطعة ذهبية ريثما تصل قافلتي. فأسرع التجار يلبون طلبي مسرورين. فاشتريت بالمال أقمشة وبعتها بربح. ثم فعلت ذلك مرات، ولم يطل بي الوقت حتى أصبحت تاجرا ثريا.”

ثم تابع علي كلامه قائلا: “يا معروف، سنذهب غدا إلى السوق. تظاهر أنك تاجر ثري تنتظر وصول قافلتك. سنجعل منك قريبا رجلا غنيا أنت أيضا!” وهكذا، ذهب معروف في اليوم التالي إلى السوق، وهو يلبس ثياب علي الفاخرة، ويضع في حزامه كيسا مملوءا بالنقود الذهبية. وراح يحدث التجار قائلا: “أنا في انتظار قافلة عظيمة تتألف من ألف بغل وألف جمل. ستصل القافلة بعد أسبوع.” وسرعان ما تحلق حوله أغنى التجار. وسأله أحدهم قائلا: “هل تحمل قافلتك الحرير؟” أجاب معروف: “الكثير! الكثير!” وقال آخر: “وهل تحمل البهار والبخور؟” أجاب معروف: “الكثير! الكثير!” وقال ثالث: “وهل تحمل الذهب والفضة والعطور؟” أجاب معروف: “الكثير! الكثير!”

توزيع المال

في تلك الأثناء اقترب من الحشد متسول عجوز مادا يده. أعطى التجار المتسول بضع قطع من النقد. أما معروف فقد أخرج كيس المال وأعطى الفقير قبضة من الذهب. صعق التجار، وقالوا: “لا بد أن هذا الرجل فاحش الثراء.” انتشر الخبر بين المتسولين فأسرعوا إلى معروف يمدون أيديهم. وسرعان ما فرغ كيس الذهب الذي أعاره علي إياه. فقال يخاطب التجار: “آه! لو كنت أعلم أن في المدينة مثل هذا العدد الكبير من الفقراء لكنت جلبت معي من الذهب أكثر مما جلبت الآن. علي أن أنتظر وصول قافلتي.”

المواجهة مع السلطان

قال أحد التجار: “الأمر يسير! سأعيرك ألف دينار ريثما تصل قافلتك.” تكررت تلك الحادثة أياما، كان معروف في أثنائها يستدين الأموال ويوزعها كلها على الفقراء. أحس علي بالقلق، وراح قلقه يزداد يوما بعد يوم. وذات يوم أقام معروف في بيت علي وليمة عظيمة لم تعرف المدينة لها مثيلا. وزاد ذلك من قلق علي، فقال: “يا معروف. لقد تماديت في حيلتك! لن تقدر على سداد هذه الديون كلها! ستحطمنا كلنا!” قال معروف بهدوء: “لا تقلق. سأسدد ديوني كلها عندما تصل قافلتي!” بدأ التجار يشعرون بالقلق. وبعد شهرين كان قلقهم قد تعاظم فقرروا أن يرفعوا أمرهم إلى السلطان.

عندما سمع السلطان قصة الأموال التي تصدق بها معروف على الفقراء، قال: “لا بد أن الرجل فاحش الثراء! لا أفهم لم لا يثق به التجار؟” ثم قال لوزيره: “استدع هذا الرجل إلى قصري، أريد أن أكتشف أمره بنفسي.” كان الوزير ذا حيلة ودهاء، فقال للسلطان: “أعرف كيف نكتشف حقيقة أمره. أرِهِ أثمن لآلئك فإذا عرف قيمتها كان حقا غنيا كما يدعي.” وراقت الخطة للسلطان وقرر اعتمادها.

اللقاء بالسلطان

وهكذا لما وقف معروف في حضرة السلطان أمر الوزير خادمه أن يأتيه باللؤلؤة الفريدة التي كانت في حجم ثمرة جور، محمولة على وسادة مخملية. قال الملك: “ما رأيك بهذه؟” التقط معروف اللؤلؤة وقربها من عينيه، ثم، وسط ذعر الجميع وذهولهم، رمى اللؤلؤة الفريدة أرضا وسحقها بقدمه، وهو يقول: “إنها لا شيء، لا شيء! إن في قافلتي ألف لؤلؤة أكبر من هذه وأجمل. استمع لي، أيها السلطان العظيم، أن أقدم لآلئي كلها هدية لك.”

صعق السلطان، وقال في تعجب: “ولا بد أن هذا الرجل أغنى رجل في الدنيا. إنه الزوج المثالي لابنتي!” كان السلطان نفسه فاحش الثراء، وكان منذ سنوات يبحث عن زوج لابنته الجميلة، لكنه لم يجد في مملكته رجلا من الثراء بحيث يقدم لابنته الحياة المترفة التي تعودت عليها في القصر. لقد وجد الآن ذاك الرجل: إنه معروف – معروف الإسكافي! وهكذا تزوج معروف ابنة السلطان في حفل لم تشهد له المدينة الغنية مثيلا من قبل. فقد امتدت موائد الطعام الحافلة خمسة أيام متوالية، وأقيمت حفلات الغناء والرقص وأحس الناس كلهم بسعادة عامرة. وسمح السلطان لزوج ابنته أن يأخذ ما يشاء من خزانة أمواله. وهكذا صار معروف يخرج كل صباح إلى السوق ويوزع على الفقراء آلاف الدنانير.

الحياة الجديدة

كان الناس جميعا سعداء راضين باستثناء علي صديق معروف، وعاش معروف مع زوجته الأميرة حياة سعيدة. كان يقدم لخدمه هدايا ثمينة، ويقدم لزواره الهدايا الذهبية والمجوهرات وثياب الحرير. لكن جاء الوزير في أحد الأيام إلى السلطان وقال له: “أيها السلطان العظيم، لقد أخبرني خازن المال أن خزانة المال أصبحت شبه خاوية!” صاح السلطان: “ماذا تقول؟” قال الوزير بقلق: “تعال بسرعة، يا سيدي!”

ذهب السلطان ووزيره إلى خزانة المال فرأيا أنها حقا شبه خاوية. فأحس السلطان بالقلق الشديد وقال: “ماذا نفعل؟ ماذا نفعل؟” قال الوزير: “أطلب من الأميرة أن تكتشف حقيقة قافلة معروف.” في ذلك المساء فعلت الأميرة ما طلبه منها والدها السلطان. قالت: “خزانة المال شبه خاوية، والسلطان لذلك مشغول البال. متى تصل قافلتك يا معروف؟” بدا الحزن على وجه معروف، وظل صامتا بعض الوقت. أخيرا قال: “لا أستطيع أن أستمر في إخفاء الحقيقة عنك. فأنا لا أنتظر قافلة، ولا أنا تاجر. ما أنا إلا إسكافي فقير.”

ثم حكى لها قصته كلها، وحدثها عن سكينة وقطعة الكنافة والجني، وختم معروف حكايته قائلا: “ما العمل الآن؟ وهل تسامحينني على ما فعلت؟” قالت الأميرة: “أنا أسامحك يا معروف! لكن السلطان لن يسامحك، وسيقتلك!” قال معروف: “آه، يا زوجتي الغالية، ما العمل؟” قالت الأميرة: “عليك أن ترحل حالا. سأخبر الملك أنك ذهبت لملاقاة قافلتك.” سألها معروف: “ومتى أراك؟” أجابت الأميرة: “ليتني أعلم متى أراك، أيها الزوج الغالي.”

الفرار في الليل

وهكذا ودع معروف زوجته بعينين دامعتين، وتسلل إلى الخارج عبر إحدى الشرفات، ثم ركب جوادا أدهم من جياد السلطان، وانطلق به يشق سواد الليل. واصل معروف انطلاقه طوال الليل وطوال صباح اليوم التالي. كالنسيم كان يندفع على جواده الأدهم. أخيرا، وفي وهج حرارة الظهيرة، أحس بالتعب الشديد والعطش، فتوقف يرتاح في ظل شجرة.

رأى معروف مزارعا يحرث حقلا قريبا، فناداه وسأله عن مكان يجد فيه ماء وطعاما. قال المزارع: “انتظرني أيها الرجل الصالح. سآتيك بإبريق من ماء الينبوع وزبدية عدس من القرية.” قال معروف: “لا داعي لإزعاجك. أنا أذهب إلى القرية.” أجاب المزارع: “لن تجد شيئا في القرية. أرجوك انتظرني هنا، وسأتيك بما تحتاج إليه.”

العمل في الحقل

وهكذا جلس معروف ينتظر دون أن يفارقه خيال زوجته الأميرة. ثم قال في نفسه: “لا يجوز أن أضيع وقت ذلك المزارع الصالح، سأعمل على محراثه ريثما يعود.” قام إلى المحراث، وراح يفلح الأرض ذهابا وإيابا. كانت الشمس قوية، فأخذ يتصبب عرقا. نزع عنه رداءه الفاخر وحذاءه الطويل، ورمى حزامه وخنجره الفضي جانبا، وقال في نفسه: “هذه الحياة تناسبني. إذا لم أكن أميرا فأكون مزارعا!”

عاد المزارع الصالح بعد ساعة يحمل زبدية عدس وإبريق ماء. التفت حوله فلم يجد إلا مزارعا يحرث الحقل. ثم رأى كومة الثياب الفاخرة فأصابه فرح. صاح وهو يجري ناحية معروف: “ماذا جرى؟ من سمح لك بالعمل على محراثي؟ أين اختفى الرجل الغني؟ ماذا فعلت به؟” رأى معروف قلق المزارع المسكين، فقال له ضاحكا: “أنا هو. أنا معروف الإسكافي، معروف الأمير، معروف المزارع!”

استراحة الطعام ومحادثة مع المزارع

جلس الرجلان في ظل شجرة يأكلان، وروى معروف للمزارع قصته الغريبة. قال المزارع: “أنت محظوظ. فأنا أعمل طوال النهار حتى أحصل على غداء يومي. فحياتي رتيبة مملة، إذا قورنت بما واجهته أنت من أحداث ومغامرات.”

قال معروف: “لقد خالفني الحظ. ولولا الحظ لما تمكنت من الفرار، ولكان السلطان قد قتلني جزاء خداعي إياه واحتيالي على تجار ذلك البلد. آه! كم أتمنى أن أعيش حياة بسيطة كحياتك أكسب فيها عيشي بعرق جبيني!” رأى المزارع في عيني معروف ندما صادقا، وأحس أن الرجل صادق في رغبته بالعمل الشريف، فقال له: “أنا رجل فقير، لا أستطيع أن أعدك بالكثير. لكن إذا عملت معي سأقدم لك طعاما يكفيك ومكانا يؤويك.”

شكر معروف المزارع وقال له: “هذا لطف منك. سأبدل في العمل معك كل جهد. لن أكون بعد اليوم التاجر الكسول المحتال!” وهكذا بدأ معروف الإسكافي حياته الجديدة مزارعا فقيرا، يعمل في الحقول من الفجر وحتى حلول الظلام.

العمل في الحقول

ظل معروف سبع سنوات يعمل في حراثة الأرض ونقبها وزرعها وحصادها. وساعد المزارع على أن يجعل من حقوله أرضا غنية بالمحصولات، تزداد غنى عاما بعد عام. في نهاية العام السابع نظر المزارع إلى معروف وهو يحمل كيسا من الحبوب ويرفعه إلى أحد المخازن، وقال له: “يا صديقي معروف. عملت معي سبع سنوات دون كلل أو ملل. هل ترغب الآن في أن تكون تاجرا غنيا؟”

أجاب معروف: “أحب أن أكون تاجرا غنيا – تاجرا غنيا مستقيما. ليس لأني أرغب في الراحة، فالتاجر المستقيم يكد ويتعب كما يكد المزارعون الفقراء ويتعبون. لكنى إذا صرت تاجرا غنيا فقد أرى يوما أميرتي الحلوة…” قال المزارع الفقير: “يا معروف، أريد أن أطلعك على سر.”

كشف الجني

فجأة لمع وميض كأنه البرق، واصطخب صوت كأنه الرعد، وارتفعت سحابة سرعان ما تحولت إلى جني عملاق. قال الجني بصوت راعد: “لا يا معروف! إن الذي عشت معه طوال سنوات سبع لم يكن مزارعا فقيرا بل هو الجني الذي حملك من القاهرة وابتعد بك عن أرض أحزانك.” تمتم معروف: “لكن… لكن…”

قال الجني: “سبع سنوات اشتغلت لي. سبع سنوات طوال برهنت في أثنائها أنك جدير بحسن الطالع. لقد عوضت في هذه السنوات عن حماقاتك السابقة. اذهب الآن إلى أميرتك فالقافلة في انتظارك!” قال معروف في دهشة: “القافلة؟”

تكلم الجني بصوت آمر قائلا: “انتظر هنا.” ثم اختفى مع هواء ذلك المساء فجأة، مثلما ظهر فجأة. دخل القرية عند ذاك فارسان يركبان جوادين أبيضين. قال أحدهما لمعروف: “يا سيدي، إن جملك آت. ونحن ذاهبان إلى المدينة لنعلن عن وصول قافلتك.”

العودة إلى المدينة

وصلت القافلة، فإذا هي عظيمة لا ترى العين آخرها. كانت آلاف الجمال والبغال تحمل كنوزا من الذهب والجواهر، وتحمل الحرير والبهار وهدايا لا تقدر بثمن. وكان في آخر القافلة جمل رشيق هو أروع الحمال وعلى ظهره سرج بديع. لبس معروف ثيابا مطرزة بخيوط الذهب، ثم امتطى الجمل الرشيق، وصاح: “إلى الأمام! إلى المدينة العظيمة!”

وصلت الأنباء المثيرة إلى المدينة، فأسرع الناس إلى الأسوار ليتأكدوا بأنفسهم من حقيقة الأمر. فبعد سنوات سبع لم يكن أحد ليصدق ما سمع. راح التجار يفكرون بالكنوز التي سيحملها معروف معه. وظن علي أن خبر القافلة هو حيلة أخرى من حيل معروف. أما الأميرة فكانت في حيرة واضطراب.

وسرعان ما وصلت القافلة ودخل معروف المدينة وسط هتاف الجماهير وأصوات الموسيقى. وتوجه قبل كل شيء إلى زوجته الأميرة. ظلت المدينة أياما تحتفل بوصول معروف وقافلته المحملة بالكنوز الثمينة. وعادت خزائن المال فامتلأت حتى لم يعد بالإمكان إقفال أبوابها. وعاد معروف يوزع الأموال على الفقراء، والهدايا على الأصدقاء، فأسعد ذلك الجميع.

إختفاء القاقلة

واستيقظ معروف ذات صباح فوجد أن القافلة قد اختفت. سأل التجار قائلين: “أين ذهبت القافلة؟” أجاب معروف إجابة غامضة قائلا: “ذهبت إلى بلاد بعيدة.” ثم سأل التجار بلهفة قائلين: “أكنت تنتظر غيرها الكثير؟” فقال معروف ضاحكا: “الكثير! الكثير!”

مناقشة القصة

  • هل كان معروف سعيدا في حياته؟ لماذا؟
  • لم وقع خلاف بین معروف وزوجته سكينة؟
  • ما كانت نتيجة الخلاف بين معروف وزوجته؟
  • ما المفاجأة التي كانت بانتظار معروف قرب سور المدينة؟
  • من هو علي، وكيف ساعد معروفا؟
  • ما الحيلة التي خدع بها علي ومعروف أهل المدينة؟
  • هل من إشارة تدل على أن معروفا تمادى في حيلته؟ ما هي؟
  • ما الخطة التي اعتمدها السلطان ووزيره ليكشفا حقيقة معروف؟ وهل نجحت خطتهما؟
  • ماذا فعل معروف بعد زواجه من الأميرة؟
  • لماذا، برأيك، ساعدت الأميرة معروفا على الهرب؟
  • بمن التقى معروف بعد هربه؟
  • ما الذي جعل معروفا، برأيك، يندم على تصرفاته؟
  • هل كانت توبة معروف صادقة؟ كيف ظهر ذلك؟
  • ما سر المزارع، وكيف كافأ معروفا على عمله؟
  • لماذا اضطربت الأميرة حين سمعت بعودة معروف؟
  • هل تظن أن معروفا عاد إلى حيله السابقة؟ اشرح رأيك.
  • كيف تصف شخصية معروف؟

معرض الصور (قصة معروف الإسكافي)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى