قصة شروان أبو الدباء

في قصة شروان أبو الدباء، نعيش مغامرة الحطاب مسعود وأمير الجان شروان، بتحديات سحرية وأحداث مليئة بالتشويق، لتحقيق النصر والحب.
عناصر القصة (جدول المحتويات)

في إحدى الواحات على طرف بادية الشام، كان يعيش الحطاب مسعود مع أسرته البسيطة. في يوم عاصف، لم يتمكن مسعود من جمع الحطب، فذهب إلى السوق بحثًا عن بقايا طعام. وبينما هو في السوق، عثر على دباءة صفراء عجفاء أخذها معه إلى المنزل. أثناء الليل، استيقظ مسعود على صوت يناديه من الدباءة. كان الصوت للأمير شروان، أمير من الجان، طالبًا من مسعود أن يذهب إلى الأمير ليطلب يد ابنته لميس.

في البداية تردد مسعود ولكن بإلحاح شروان ووعوده بالذهب، وافق مسعود. جهز نفسه بالملابس الفاخرة والفرس الأصيل وذهب إلى القصر ليطلب يد لميس. الأمير استنكر الطلب، لكنه وافق بشرط أن يبني شروان قصرًا من الذهب خلال ثلاثة أيام. عاد مسعود إلى المنزل خائفًا، لكن شروان طمأنه وقال له إنه سيحقق الشرط.

وفي اليوم الثالث، تفاجأ الجميع بقصر ذهبي رائع يمتد بين بيت مسعود وقصر الأمير. الأمير وافق على الزواج، وتم عقد القران. لكن شروان طلب من لميس ألا تكشف عن قواه السحرية لأي أحد، وإلا سيفترقون. عاشت لميس وشروان في سعادة، لكن في يوم من الأيام عندما كانت في السوق، علقت إحدى السيدات على قوى شروان السحرية، مما دفع لميس للرد نافية.

فجأة، ظهر شروان على هيئة عصفور وأخذ خاتم الزواج من إصبع لميس، مختفيًا من حياتها. حزنت لميس بشدة، وبعد فترة من الزمن، قررت إقامة حمام للنساء حيث يجب على كل زائرة أن تروي قصة. في يوم ما، جاءت عجوز إلى الحمام ورأت لميس، فطلبت منها حكاية. العجوز كشفت عن سر ديك صغير يجلب الماء من النهر ويعيش في قصر مذهل تحت الماء. بعد وصف القصر والديك، عرفت لميس أن شروان هو الأمير الموجود في ذلك القصر.

وفي اليوم التالي، اتبعت لميس والعجوز الديك إلى القصر، حيث التقت لميس بشروان وأزالت السحر بوجودها. عاد شروان إلى طبيعته البشرية وعاشوا بسعادة معًا. تعود الفرحة إلى البلدة، والجميع يحتفل بعودة الأمير والأميرة إلى حياتهم السعيدة.

قصة شروان أبو الدباء مكتوبة

قلة من النبت تستطيع احتمال سفع الشمس وشح المياه في بطاح الصحاري العربية. والعاقول (أو شوك الجمال) هو من هذه القلة – شجير شجيرة خشنة جلدة نحيفة الأغصان.

والعاقول يقد جيدًا، لذا استخدمه السكان وقودًا في القرى والبلدان المتاخمة للصحراء. وكان الحطابون يجدون فيه سلعة رائجة يجمعونه ويبيعونه، فيعتاشون بما يكسبون. وتبدأ قصتنا الغريبة هذه مع مسعود، أحد هؤلاء الحطابين في بلدة الأخيضر. في واحة على الطرف الشرقي من بادية الشام.

الظروف القاسية والبحث عن الرزق

كان مسعود يغدو باكرًا إلى البطاح فيجمع كومة من العاقول ويعود بها إلى السوق. وبالقليل من المال الذي يجنيه كان يشتري خبزًا وحضرًا يقيم بها أود زوجته وولديه. وذات يوم تلبدت السماء فجأة بالغيوم وأمطرت – وهو أمر نادر في الصحراء، ولكنه إن حدث جاء شديدًا. وساحت الأرض بالوحل وسواقي المياه المربدة فوق الأرض الجرداء. ولم يستطع مسعود، في مثل هذا الطقس، التوجه لجمع العاقول فبقي في بيته بانتظار أن تنقشع الغيوم وتجف الأرض.

وتساءلت الزوجة على مسمعه بصوت عال: وماذا يأكل الأولاد، وليس لدينا من القوت شيء؟ ولم ينبس مسعود بنت شفة، بل خرج يتنقل من مدخل بيت إلى آخر يلطو من المطر حتى جاء السوق.

البحث عن الطعام في السوق

في السوق راح يدور حول البسطات مفتشًا عما يكون قد نبذه البائعون من فاكهة أو خضر مضروبة أو تالفة ليعود بها إلى البيت فتعالجها امرأته بالسلق أو الطبخ. ووفق مسعود ببضع جزرات وباذنجانة وكوسة؛ كما عثر على دباءة صفراء عجفاء لا تصلح للأكل حملها معه أيضًا عله يزرع بزورها في بقعة حول البيت. وأعدت زوجة مسعود وجبة شهية من لقاطة الخضراوات كانت كافية لرد الجوع عن العائلة – كبيرهم وصغيرهم.

ظهور الأمير شروان

أما الدباءة فقد وضعها مسعود على رف فوق سريره. وفي المساء شكر فضل الله وراح يغط في نوم عميق. وعند منتصف الليل أفاق مسعود على صوت حاد يناديه: «عم مسعود، عم مسعود!»

– «من وما الأمر؟» أجاب الحطاب، وهو يوجس رهبة ويفرك عينيه ليرى في الظلمة.

ورد الصوت قائلاً: «أنا شروان، أمير من الجان قمصت هذه اليقطينة فسموني أبا الدباء. أنا وليك وولدك يا عم مسعود. وأريد منك أن تذهب إلى أمير الأخيضر وترتب أمر زواجي من ابنة الأمير لميس.»

ولم يصدق مسعود عينيه حينما رأى الدباءة العجفاء تحدثه في ضوء القمر الخافت.

مهمة مسعود مع الأمير

ورد مسعود قائلاً: «إنك تضحكني يا بني. أنظر إلي: أتراهم يسمحون لحطاب صعلوك مثلي أن يعبر بوابات قصر الأمير؟ إني لو وصلت إليه وحاولت، بحالي هذه، ترتيب زواجك من ابنته، فمن المؤكد أنه سيأمر بقطع عنقي!»

فقاطعه الصوت قائلاً بلهجة الآمر: «امدد يديك يا عم مسعود.» وما إن استجاب مسعود حتى شعر بثقل القطع الوهاجة الباردة تتساقط في كفيه المجتمعين. وتابع الصوت: «هذه مئة قطعة ذهبية، اشتر بها ما تحتاجه من زينة وثياب لمقابلة الأمير وترتيب زواجي من الأميرة الحسناء.»

وانقطع الصوت تاركًا الحطاب ذاهلاً يحملق مشدوهاً في كومة القطع الذهبية بين يديه.

تحقيق الأمنيات

في اليوم التالي أخبر مسعود زوجته بما حدث وكأنه حلم، لكن القطع الذهبية تشهد بواقعيته. ولم يضع مسعود ولا زوجته الوقت، فترلا إلى السوق وتحوجا – طحينا، أرزا، ولحما، وفواكه وخضراوات وملابس وأحذية لجميع أفراد العائلة.

وكان يوماً حافلاً في بيت الحطاب ارتدى فيه الجميع ثيابهم الفاخرة ونعموا بوجبة مترفة، ثم راحوا يخططون بحماس لما يمكن أن يفعلوه بالثروة التي حلت عليهم – فما زال هناك الكثير من القطع الذهبية في حوزتهم. وفي المساء خلد الجميع إلى فراشهم مرهقين، لكن في غاية الرضى.

استجابة الأمير للطلب الثاني

وفي تلك الليلة، تمام منتصف الليل، أفاق الحطاب على الصوت الحاد نفسه يناديه: «عم مسعود، عم مسعود! تراك نسيتني؟ هل خطبت لي ابنة أمير الأخيضر؟»

تطلع مسعود نحو الدباءة على الرف بحرج واستحياء، ثم أجاب متردداً: «كلا، ما نسيتك يا شروان، ولكنها الحاجة. فكما ترى أنا رجل فقير، وقد أنفقت المال على ملابس وطعام لعائلتي.»

فرد أبو الدباء بلهجة الآمر: «امدد كفيك.»

ثم صب لمسعود من القطع الذهبية ضعفي ما نقده سابقاً. وتابع قائلاً: «اذهب إلى السوق اليوم فاشتر أفخر الثياب وحصاناً مطهماً واستأجر ثلاثة من أفضل الخدم ليكونوا في صحبتك، وانطلق إلى قصر الأمير لتخطب لي الأميرة لميس.»

وصمت الصوت، لكن ثقل الذهب في يدي مسعود جعل أذنيه تستعيدان ما أمر به عدة مرات.

استعدادات مسعود للقصر

ولم يتخلف مسعود هذه المرة عما أمر به. ففي صباح اليوم التالي انطلق إلى السوق، فاشترى كسوة من الديباج الفاخر واختار له فرساً سوداء من خيرة الخيل أصالة وجمالاً وتسريجاً، كما استأجر ثلاثة من المرافقين انتقاهم طوال القامة أشداء وألبسهم حللاً مزركشة أنيقة التطريز. ثم سار في موكبه يختال على فرسه الأصيلة، وخدمه الثلاثة يتبعونه في صف، إلى قصر أمير الأخيضر.

وأمام بوابة القصر اعترض الحراس مسعوداً مستفسرين عن هويته وغرضه. لكن الحطاب أجابهم بهدوء ورصانة: «مهمتي خاصة بالأمير فقط.»

لقاء الحطاب بالأمير

ولم يكن في وسع الحراس أمام هذه الرصانة والفخامة وجلال الموكب إلا الإذعان، فأدخلوه ومن معه. وفي حضرة الأمير، محاطاً بوزرائه ومستشاريه، جلس مسعود ينتظر أن ينتهي الأمير من سماع مظالم الناس ومطالبهم. وحين جاء دوره في الكلام، تقدم الحطاب من الأمير قائلاً: «بالنيابة عن ولي وولدي شروان أبي الدباء جئت أطلب له يد ابنتكم للزواج.»

فتجهم وجه الأمير غضباً، وران على الديوان صمت رهيب لهذا الطلب المهين من شخص غريب. فمال الأمير على كبير وزرائه وهمس: «أبعد عني هذا الأبله الوقح! وأمر الجلاد بضرب عنقه!»

لكن كبير الوزراء هدأ من غضب أميره قائلاً: «بل اقبل يا مولاي طلب هذا الأبله الوقح، شرط أن يقوم وليه بمهمة تجعلها شبه مستحيلة. وحين يفشل، يكون لنا في ضرب عنق مولاه مبرر.»

فراقت الفكرة للأمير الذي خاطب الحطاب قائلاً: «إن استطعت ووليك بناء قصر من الذهب بين قصري ومنزلك في ثلاثة أيام تكون ابنتي زوجة لوليك؛ وإن فشلت، فموتاً تموت.»

قبول المهمة المستحيلة

وحشرج الحطاب شكره للأمير، وغادر الديوان ذاهلاً مشدوهاً، وهو يقول في نفسه إنها النهاية ولا شك، فهذه المهمة مستحيلة – ما أقصر هذه الأيام الثلاثة! بل ما أطولها!

ولاحظت زوجة الحطاب ما به من غم، فأخبرها بما جرى. لكنها طمأنته قائلة: «انتظر ما يقوله شروان، ولكل حادث حديث.»

وأوى مسعود باكراً إلى فراشه، لكنه ظل يتقلب قلقاً بانتظار منتصف الليل. وفي الموعد إياه، سمع الدباءة تناديه: «عم مسعود، عم مسعود! ماذا جرى في لقائك الأمير بالأمس؟»

بناء القصر الذهبي

فقص الحطاب ما تم، والأسى يعصر قلبه على مطلب الأمير التعجيزي. لكن أبا الدباء هدأ روعه باسماً وهو يهمس: «هذا مطلب حقير أمام شروان ابن ملك الجان. أما سمعت بمصباح علاء الدين وبساط الريح وخاتم الشاطر خضر وخرجه؟»

وحين أفاق الحطاب صباح اليوم التالي أسرع إلى النافذة عله يرى بوادر العمل على إنجاز الصرح الذهبي – ممتداً من منزله إلى قصر الأمير. لكنه لم يجد سوى السوق القديم وحوانيته البسيطة. وكذلك فعل الحطاب في اليوم الثاني – فأخذ يراوده القلق حينما لم يجد أن شيئاً قد تغير!

وفي صباح اليوم الثالث أفاق مسعود على نور أصفر عامر يملأ غرفته. فقفز إلى النافذة ليرى العجب العجاب! فأمام ناظريه، وإلى المدى البعيد، قام صرح ضخم من صفائح الذهب المطعمة بالجواهر – نوافذه من المرمر وأرضه من الرخام الأبيض.

دهشة الأمير من القصر الذهبي

ولم يكن الأمير أقل دهشة من الحطاب حين انعكست على نوافذ قصره أنوار الصرح الذهبي الذي قام بين عشية وضحاها.

وحين أفاق الأمير من دهشته استدعى كبير وزرائه وأمره باستحضار الرجل، باني القصر، وتجهيز المحامين والعدة لعقد قران ابنته دون تأخير.

الاستعداد للزواج

وحضر مسعود إلى ديوان الأمير عبر ممرات الصرح الذهبي وحجراته الرائعة. فاستقبله الأمير معانقاً وقال: «فلتعقد زواج ابنتي على وليك الآن، ولتحدد على التو موعداً لزفافهما.» ووافق الحطاب على ذلك مبدئياً، بانتظار استشارة وليه (ومتبناه) حول ترتيبات الزفاف. وهو طبعاً لم يخبر الأمير عن طبيعة شروان – متقمص الدباءة.

وفي تلك الليلة نقل الحطاب إلى الدباءة أخباره الطيبة. وهو لم يخف قلقه حول هذا التكافؤ الزوجي بين ابنة الأمير وأبي الدباء.

«شكراً يا عماه» رد صوت الدباءة – بينما انهمر مزيد من القطع الرنانة في كفي العم مسعود. «أما بخصوص ما يجول في خاطرك، فلا عليك. غداً سأتقدم إلى شريكة حياتي على هيئة البشر.»

لقاء الأمير بالعصفور

وهكذا كان! ففي اليوم التالي بينما كانت الأميرة لميس في حجرتها في الطابق العلوي من القصر، لاحظت عصفوراً صغيراً يتقافز على شرفتها وهو يغرد بأحلى الألحان، ثم وثب مقترباً إلى حيث تجلس وافتتنت الأميرة بالعصفور الأليف فمدت يدها إليه برفق.

وقبل أن تلمسه، انتفض العصفور بشدة؛ ومن سحابة الريش المتناثر، وفي لمح البصر، تجسد أمام الأميرة أمير وسيم في أبهى لباس.

ارتعبت الأميرة لما رأت، وكادت تستغيث بحراس القصر لولا أن بادرها الأمير قائلاً: «صه، أنا خطيبك يا لميس. أنا الرجل الذي يريده والدك زوجاً لك. دعيني على الأقل أقدم لك هداياي.»

هدايا الأمير

وصفق الأمير مرتين، فانشقت أرض الغرفة عن درج رخامي صعده خدم في أفخر الحلل يحملون الحرائر والجواهر والعطور النفيسة، وخاتم زواج متألقاً من الذهب المربع بالياقوت. ثم عاد الخدم من حيث أتوا، وعادت أرض الغرفة كما كانت. وجلست الأميرة تنظر ذاهلة إلى الأمير وحولها تلك النفائس الساحرة.

وطمأنها الأمير قائلاً: «لعلك تتوجسين خيفة من قواي الخارقة. لكني صريح وشريف، ووددت أن تعلمي مسبقاً أني رجل غير عادي. وأريدك أن تعلمي يا عزيزتي أن القدرة التي أعتز بها فوق كل قواي هي القدرة على إسعادك. وما أطلبه منك قبل زواجنا وبعده هو أن تعديني بعدم ذكر أي شيء عن قواي الخارقة – لا إيجاباً بتأكيدها، ولا سلباً بنفيها – وإلا اضطررت آسفاً لفراقك، ولا خيار لي في ذلك.»

وعد الأميرة

فردت الأميرة مطمئنة: «أعدك!»

وتحدد موعد الزفاف بعد شهر من إعلان الخطوبة. وكان العرس رائعاً – يليق بأميرة وأمير القصر الذهبي – دعي إليه علية القوم من البلدان المجاورة، ودامت الاحتفالات والأفراح أسبوعاً كاملاً بفخامة لا تضاهى. فأهل الأخيضر رقصوا في الشوارع على أنغام الطبول والمزامير؛ والطهاة تنافسوا في تقديم أشهى الأطعمة والحلويات، وأقيمت سباقات الخيل والهجن نهاراً، وأنشدت قصائد الحب والمغامرات ليلاً حتى ساعات الفجر.

وكان الأميران شروان ولميس محور هذه الاحتفالات – وكانا باعتراف الجميع أجمل عروسين عرفتهما المنطقة بأسرها.

زيارة الأميرة للسوق

وعاش الزوجان في سعادة عامرة عاماً وبعض عام. وذات يوم رغبت الأميرة في زيارة السوق لشراء بعض الحرائر لثيابها الصيفية. وحاول خدمها ثنيها عن ذلك عارضين إحضار تجار الحرير إلى القصر لعرض ما لديهم، لكن الأميرة أصرت على الذهاب. ولبست الأميرة فاخر ثيابها وتحجبت بحيث لا يبدو إلا بعض وجهها، وقصدت السوق برفقة ثلة من خادماتها وعشرة من حرس القصر.

وكان لا بد لزيارة على هذا المستوى أن تحدث هرجاً ومرجاً عارمين في السوق، حيث بلغ الاضطراب درجة جعلت بعض رواد السوق يتذمرون بصوت عال لتعدر تنقلهم فيه لقضاء حاجاتهم.

فما كان من عجوز شمطاء، حسود لما تتمتع به الأميرة من جمال وجاه، إلا أن علقت بصوت مرتفع: «ولماذا تتظاهر الأميرة بأنها امرأة عادية مثلنا تأتي إلى السوق لتتحوج؟ لماذا لا يستخدم أميرها الساحر قواه الخارقة فيريحنا من هذا الإزعاج؟»

رحيل الأمير شروان

واستاءت الأميرة من هذا التعليق المثير فردت بحدة: «زوجي ليس بساحر يا هذه. ومن السخف أن يصدر منك مثل هذا الكلام!»

وفي تلك اللحظة، غط فوق الأميرة عصفور وهمس في أذنها معاتباً: «ألم تعديني بعدم ذكر شيء عن قواي الخارقة سلباً أو إيجاباً؟ وداعاً أيتها الحبيبة، ففراقك صار محتوماً علي» واختفى العصفور بعد أن انتزع من إصبع الأميرة خاتم الياقوت.

وكان فراق الأمير صدمة أحزنت الأميرة وآلمتها فصارت تقضي أياماً كثيرة وحيدة تبكي في شقتها – فلا تسمح لأحد بزيارتها سوى زوجة مسعود التي كانت تشاركها سرها وأساها.

وبعد قرابة العام قررت الأميرة أن تقوم بعمل قد يحمل لها بريق أمل في استرجاع سعادتها. فأقامت حماماً فاخراً في البلدة مقصوراً على النساء. وجعلت الدخول إلى الحمام مجانياً لكل من تخبرها قصة أو حكاية شهدت أحداثها – أملاً أنها بذلك تسمع شيئاً من أخبار زوجها.

لقاء العجوز بالأميرة

وذات يوم حضرت إلى الحمام امرأة عجوز، فرأت الأميرة في المدخل تستقبل زبائنها. فقالت العجوز: «يقولون إني أستطيع الاستحمام هنا مجاناً.» فردت الأميرة: «هذا صحيح! لكن عليك أن تحكي لي حكاية قبل ذلك.»

فأطرقت العجوز برهة ثم قالت ببراءة: «ثيابي وسخة أستحي من لبسها في هذا المكان. سأنزل إلى النهر أغسلها. وسأعود غداً وقد فكرت في حكاية تليق بالمقام، أحكيها لك؛ إلى اللقاء.»

العجوز والديك

ونزلت العجوز إلى شاطئ النهر وراحت تدعك ثيابها على جانبه. وبينما العجوز تغسل ثيابها شاهدت من موقعها على الشاطئ حدثاً غريباً. لقد رأت ديكاً صغيراً، أحمر العرف أزرق ريشات الذيل مخضرها، يبرز فجأة من وسط النهر ويسبح إلى الشاطئ على مقربة منها. وكان يحمل على ظهره زقيين، يملأهما بالماء ثم يسبح عائداً إلى منتصف النهر حيث يختفي بعيداً عن الأنظار.

ومسدت العجوز ذقنها تأملاً ودهشة، وقالت في نفسها: «هذا موضوع قصة شيق لو تابعته. لأنتظرن إلى أن يظهر هذا الديك ثانية فأتقصى حكايته وأسرار زقيه.»

الغوص في النهر

ولم يطل انتظار العجوز إذ لمحت الديك يظهر ثانية بعد دقائق معدودات فيسبح إلى الشاطئ على مقربة منها ويملأ زقيه بالماء. وانقضت العجوز بسرعة على الديك وتمسكت بذيله. وسبح الديك جراً معه العجوز إلى منتصف النهر، ثم غاص وغاصت معه العجوز عبر طبقات الماء الصافية الزرقاء – مخلفين وراءهما رتلاً من الفقاقيع.

وتابع الديك الغوص بكامل قواه، والعجوز متمسكة بذيله بكل إصرار حتى عبرا نفقاً من الصخر قادهما إلى بحيرة رائقة هادئة سرعان ما طفوا على سطحها. والتقطت العجوز أنفاسها وهي تنظر إلى القصر البديع الرائع أمامها بأبراجه وأسواره وشرفاته والجسر الكبير المتحرك الممتد عبر خندق الماء إلى بوابة القصر.

دخول العجوز إلى القصر

كان الجسر منبسطاً والبوابة مفتوحة، ولا أثر للحياة سوى هرولة الديك منطلقاً بزقيه. فدخلت العجوز إلى القصر. وفي البهو الرئيسي رأت مائدة طويلة رتبت فوقها أربعون طبقاً وأربعون قدحاً. وكان الجو عابقاً برائحة الطعام الزكية المنطلقة من المطبخ – حيث تركت القدور تغلي والطهاة في مطابخهم يتقلون على مناقل الفحم المتوهجة. لكن هنا أيضاً لم يبد أثر لأحد! وحدثت العجوز نفسها قائلة: بالتأكيد، هناك احتفال على وشك أن يبدأ، وعلي أن أختبئ قبل أن يصل الضيوف.

فقبعت العجوز تحت كنبة كبيرة وراحت ترقب بانتظار. وفجأة عجت القاعة بحفيف الأجنحة وحط أربعون عصفوراً حول المائدة أمام ناظريها وهناك تهادت العصافير لحظة قبل أن يخلع كل منها غطاءه الريشي وينتصب في لمح البصر فتى فائق الوسامة والبهاء.

العجوز تكتشف السر

وجلس الشبان إلى المائدة فأكلوا مما قدمه لهم خدم في زي بهي موحد. وتجاذب الشبان أطراف الحديث بهدوء حتى انتهوا من طعامهم. ثم نهضوا عن المائدة فرادى فصعدوا درجاً إلى الطابق العلوي في القصر. وحين غادر آخر الشبان القاعة ولم يعد للخدم الموحدي الزي أثر، انسلت العجوز من تحت الكنبة، وراحت تصعد الدرج زحفاً.

وفي الطابق العلوي رأت دهليزاً طويلاً تفتح عليه أبواب أربعين غرفة على جانبيه. وفي كل غرفة مرت بها كان الشاغل أحد الشبان يقرأ أو يكتب أو ينظر عبر النافذة أو ينام على فراش من القش غير آبه بما حوله؛ حتى إن أحداً منهم لم يلحظ مرور العجوز الفضولية.

لقاء العجوز بالشاب الوسيم

وفي الغرفة الأخيرة استرعى انتباه العجوز شاب وسيم يجلس ساندًا رأسه على إحدى يديه يبكي بوداعة الأطفال، وفي يده الأخرى خاتم متألق من الذهب المرصع بالياقوت.

واعترى العجوز إحساس بأنها قد تأخرت طويلاً، وأنها قد تخفق في العودة إلى عالم الحقيقة ما لم تعد على التو إلى حيث تركت الديك. فغادرت القصر على عجل إلى البحيرة بحثاً عن الديك.

ولم يطل بها الوقت حتى ظهر الديك بزقيه، ومرة ثانية تمسكت العجوز بذيل الديك، فأعادها هذا إلى ضفة النهر حيث كومة غسيلها. وانطلقت العجوز من النهر مباشرة إلى الحمام حيث راحت تقص على الأميرة الحسناء ما جرى لها. وكان اهتمام الأميرة بما سمعته عظيماً.

وسألت الأميرة بشغف: «تقولين خاتماً مرصعاً بالياقوت؟ صفي لي هذا الشاب أيها الأم الطيبة، أرجوك!»

خطة الأميرة

وقبل أن تنتهي العجوز من تفاصيل وصف الشاب، قاطعتها الأميرة بلهفة: «إنه هو، زوجي بالتأكيد! أرجوك أن تأخذيني إليه الآن.»

وكان الظلام قد بدأ يخيم، فارتأت العجوز أن تنتظرا إلى الغد. وفي الغد بكرت الامرأتان إلى النهر بانتظار الديك في الموقع نفسه. وبرز الديك من منتصف النهر وسبح إلى الضفة ليملأ زقيه، كما توقعتا. وفي لحظة العودة التقطت العجوز بذيل الديك وتمسكت الأميرة بطرف ثوب العجوز، وغاصوا ثلاثتهم إلى أعماق النهر عبر طبقات الماء الصافية!

وفي بهو القصر كان كل شيء كما وصفته العجوز – مائدة الأربعين جاهزة للضيوف، والجو يعبق بروائح الأطايب الشهية. ولما لم تجدا أحداً في القاعة، اختبأتا تحت الكنبة الكبيرة عينها، وراحتا تنتظران.

وصول الشبان الوسيمين

وبعد برهة لم تطل، سُمِع حفيف الأجنحة في سماء القاعة وحطت العصافير الأربعون، فخلعت أغطيتها الريشية وتحولت في لمح البصر إلى أربعين فتى فائقي الوسامة. وتعرفت الأميرة زوجها من بينهم، وكادت تهرع إليه لو لم توقفها العجوز هامسة: «انتظري حتى يصعدوا إلى غرفهم وإلا اكتشف أمرنا وضاع كل شيء.»

وبعد أن انتهى الشبان من طعامهم وغادر آخرهم القاعة إلى الطابق العلوي وهدأ الخدم في المطبخ، انسلت العجوز من مخبئها والأميرة في إثرها وراحتا تصعدان الدرج بهدوء ثم الدهليز إلى الغرفة الأخيرة.

لقاء الزوجين مجددًا

واقتربت العجوز من الشاب الذي كان يجلس سانداً رأسه على إحدى يديه يبكي ويتنهد – بينما يده الأخرى تعبث بالخاتم المرصع بالياقوت – فسمعته يناجي نفسه متمتماً: «هل لي أن ألتقي محبوبتي لميس ثانية؟»

فردت العجوز: «ولم لا؟» فتطلع إليها الشاب مندهشاً وقال: «أنت من الإنس، ما الذي جاء بك إلى هنا يا امرأة؟» فردت العجوز: «شاء الله أن يهديني إلى غرفتك – ولست وحدي، فهذه زوجك برفقتي!» وقفز الأمير الشاب سائلاً بلهفة: «أين هي؟» فطمأنته العجوز بهدوء: «إنها بالباب يا شروان.»

وتعانق شروان ولميس ودموع الفرح تبلل وجناتهما. واغرورقت عينا العجوز بالدمع أيضاً أمام هذا اللقاء المؤثر.

ثم تمالك الأمير نفسه وقال مخاطباً زوجته: «اذهبي الآن – لقد أزلت السحر عني بحضورك. غداً أعود إلى قصرنا إنساناً عادياً – ولن يفرق بيننا شيء بعد اليوم.»

عودة الفرح إلى البلدة

وهكذا التم الشمل وعاد الأمير إلى أميرته، فعمت الفرحة أرجاء البلدة، وجاء الأحبة والجيران يشاركون شروان ولميس فرحتهما. وأشرقت بسمات الرضا على شفاه الجميع، بما في ذلك الأمير وكبير وزرائه، كما على وجوه العم مسعود وزوجته وولديه والعجوز الطيبة.

معرض الصور (قصة شروان أبو الدباء)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى