قصة رحلة إلى باطن الأرض
ملخص قصة رحلة إلى باطن الأرض
في بداية القصة، نلتقي بالشخصية الرئيسية، آكسل، الذي يعيش مغامرة مثيرة برفقة عمه، العالم الكبير، وهانز، رفيقهم الشجاع. تبدأ الرحلة عندما يتلقى عم آكسل رسالة غامضة تدعوهم إلى استكشاف ما يجري في أعماق الأرض. يشتعل الفضول في نفوسهم، فيتوجهون إلى بركان في آيسلندا، حيث يعتقدون أن هناك سرًا مخفيًا ينتظرهم.
بعد أن يستعدوا جيدًا، يبدأ الأبطال في الهبوط عبر فوهة البركان، محملين بالمعدات الضرورية. ينزلون إلى أعماق الأرض، ويدركون أنهم قد دخلوا عالمًا غريبًا مليئًا بالعجائب والمخاطر. وسط هذا الظلام الدامس، يواجهون عواصف ورجفة أرضية تجعل قلب آكسل يخفق بشدة. تتغير الأحداث عندما يتعرضون لعاصفة قوية تدفعهم بعيدًا، حيث يجدون أنفسهم في عرض البحر بعد أن غمرتهم المياه.
لحسن الحظ، ينجح هانز في إنقاذهم من الغرق، ويعيدهم إلى شاطئ صخري. هنا، يستعدون لمواجهة التحديات الجديدة، ويبدأ عم آكسل في وضع خطة للعودة إلى باطن الأرض. بعد رحلة شاقة ومليئة بالمفاجآت، يكتشفون وجود نفق يُدعى “آرني ساكنوسم”، فيقررون استكشافه. لكن سرعان ما يكتشفون أن مدخل النفق مغلق بصخرة كبيرة، مما يجعلهم يشعرون بالإحباط.
في هذه اللحظة الحاسمة، يقترح عم آكسل أن يستخدموا البارود لتفجير الصخرة. بعد التحضيرات اللازمة، يشتعل الفتيل، وينتظر الأبطال بفارغ الصبر لحظة الانفجار. عندما يحدث الانفجار، ينفتح المدخل ويبدأ الطوف الذي يحملهم في الانزلاق نحو باطن الأرض.
تستمر مغامرتهم في عالم مظلم، حيث تتقاذفهم المياه العاتية، ويشعر آكسل بخوف عميق. لكنه يتمسك بأصدقائه ويجد القوة في وحدتهم. ومع تزايد سرعة الانحدار، يتعرضون لصدمات متعددة، مما يدفعهم إلى الشك في مصيرهم. لكن الأمور تأخذ منعطفًا غير متوقع عندما يصطدمون بحاجر مائي، مما ينقذهم من الغرق المؤكد.
بمجرد أن يتوقف الطوف، يجدون أنفسهم في ممر ضيق يتصاعد بهم إلى الأعلى. تزداد درجة الحرارة ويشعرون بالقلق، لكن عم آكسل يطمئنهم بأنهم في فوهة بركان ثائر. يُحملهم البركان إلى سطح الأرض، وتعلو قلوبهم بالأمل. وبعد رحلة شاقة، يخرج الثلاثة أخيرًا إلى النور.
عندما يستعيدون وعيهم، يجدون أنفسهم في مكان غريب مليء بالأشجار الغريبة والأشعة الشمسية الدافئة. يكتشفون أنهم في جزيرة “ستر مبولي” في البحر الأبيض المتوسط، وليس في آيسلندا. يلتقون بشاب محلي يساعدهم في التعرف على موقعهم، ويعودون إلى الشاطئ حيث يستقبلهم السكان بفرح، ظانين أنهم ناجون من سفينة غارقة.
بعد فترة من الراحة والاسترخاء، يعود الأبطال إلى هامبورغ، حيث يُستقبلون كأبطال. تنتشر أخبار مغامرتهم في جميع أنحاء العالم، ويزورهم العلماء من كل حدب وصوب. ومع مرور الوقت، يشعر هانز بالحزن، إذ يتوق للعودة إلى وطنه. لكنهم جميعًا يدركون أن مغامرتهم كانت مدهشة وستبقى في ذاكرتهم.
في ختام القصة، يكتشف آكسل سر البوصلة التي كانت تشير إلى الجنوب بدلاً من الشمال. يتبين له أن كرة النار التي سقطت عليهم في العاصفة هي ما غيَّر اتجاه الإبرة. يعبر عم آكسل عن فرحته بهذا الاكتشاف، ويجد الجميع السلام الداخلي بعد أن تم كشف جميع الأسرار.
عقد آكسل قرانه على غراوبن، وبهذا تنتهي القصة، لكن مغامراتهم ستبقى محفورة في قلوبهم. يختتمون حياتهم سويًا في سعادة ورضا، حيث يتعلمون من رحلتهم أن الشجاعة، الصداقة، والاكتشاف هم ما يجعل الحياة مليئة بالعجائب.
قصة رحلة إلى باطن الأرض مكتوبة
اسمح لي أولا، أيها القارئ العزيز، أن أعرفك بنفسي. اسمي آكسيل، وقد كنت منذ بضع سنين قد انتقلت، بعد وفاة والدي، إلى مدينة هامبورغ لأعيش مع عمي الأستاذ لايد نبرك وابنته بالتبني غراوين. وقد تعاهدنا، أنا وغراوين، سرا، على الزواج. وكان عمي عالما مرموقا يدرس علم الصخور والمعادن في الجامعة. كان طويلا نحيفا نشيطا وعصبي المزاج، وقد جعلني مساعدا له في أعماله، وأحبني، ولم أجد صعوبة في أن أكون معه على وفاق ما دمت أنفذ له رغباته.
عاد عمي إلى البيت في أحد الأيام ومعه كتاب عتيق عن جزيرة إيسلندة. وبينما كان يقلب الكتاب، سقطت من بين صفحاته ورقة صغيرة، فإذا عليها كتابة رونية غريبة. حاولنا طويلا أن نفهم رموز تلك الكتابة، ولكن دون جدوى. فجأة، لاحظت أن المعنى يستقيم إذا قرئت الكتابة قراءة عكسية، أي من آخرها إلى أولها. جاء في الورقة:
“في آخر يوم من شهر حزيران (يونيه) اذهب إلى بركان سفلز ذي الفوهات العديدة. في ذلك اليوم الحد أن الظل لا يغطي إلا فوهة واحدة من فوهات البركان. انزل في تلك الفوهة وهكذا تبدأ رحلة إلى باطن الأرض. أنا قمت بهذه الرحلة.”
أشار عمي إلى التوقيع في آخر الرسالة وصاح: “إنه آرني ساکنوسم! عاش في إيسلندة في القرن السادس عشر، وكان عالما عظيما كان أعظم العلماء! لئن تمكن من الوصول إلى باطن الأرض، فنحن أيضا واصلون!” دب في الذعر، وقلت: “نصل إلى باطن الأرض؟” أجاب عمي وقد بدا عليه الهدوء: “نعم يا آكسل. سنتبع خطواته وآثاره. وعلينا أن نبدأ رحلتنا قريبا لنكون عند البركان قبل حلول شهر تموز (يوليه).”
تجهيز الرحلة
هكذا غادرنا هامبورغ بعد أيام قليلة، صرفناها في جمع حاجات الرحلة من معدات وأدوات وثياب. وكنا، أنا وغراوين، حزينين لهذا الفراق، ولكن خفف من حزننا أننا قررنا أن يتم الزواج فور عودتي سالما. وتساءلت في نفسي: هل أعود سالما حقا!
وصلنا ريكجافيك، عاصمة إيسلندة، بعد عشرة أيام. وكان عمي طوال رحلتنا البحرية مصابا بدوار البحر، ولم يصح إلا حين بدا لناظرنا بركان سنفلز. وأقمنا في ريكجافيك في بيت أستاذ من أصدقاء عمي ساعدنا في اختيار دليل لنا في رحلتنا إلى البركان. كان الدليل، ويدعى هانز، رجلا طويلا قوي البنية، ذا عينين زرقاوين هادئتين وشعر كستنائي يتدلى على كتفيه العريضتين. وقد أشعرني تصرفه الهادي بالثقة. كذلك طمأنني أنه كان على وفاق مع عمي، ولهذا كانت له أهميته في رحلة كرحلتنا. قررنا أن تبدأ رحلتنا في العاشر من شهر حزيران (يونيو). فاستأجرنا خيولا تحمل أمتعتنا، واشترينا بنادق وبارودا وصندوقا للإسعافات الأولية وجزمات وحاجات كثيرة. وحزم عمي بوصلتين وأجهزة أخرى تساعدنا في رحلتنا. وكنت سعيدا إذ رأيته يحزم أيضا مصباحين كهربائيين يدويين.
وتزودنا بمونة من الطعام تكفينا لستة أشهر. لكنني فوجئت أننا لم نأخذ معنا من الماء إلا ما هو في مطراتنا. فاستفسرت من عمي عن ذلك، فأجاب: “ستجد في باطن الأرض ينابيع نملأ من مائها مطراتنا كلما وجدنا حاجة إلى ذلك.” أملت أن يكون محقا في قوله. لأني كنت أعلم أن العديد من ينابيع جزيرة إيسلندة ساخن إلى درجة الغليان. كذلك كان يشغل بالي حول الرحلة أمور أخرى؛ منها الخوف من ثورة البركان. قلت لعمي: “كيف لنا أن نتأكد أن البركان حامد؟ إذا كان البركان لم يثر منذ العام 1229 فهذا لا يعني أنه لن يثور أبدا.” أجاب عمي العالم: “لا تخف، ليس هناك ما يشير إلى أنه سيثور. نحن في أمان.” سكت عن متابعة السؤال، فعمي لم يكن يحب الجدال. وهكذا بدأنا رحلتنا!
الوصول إلى البركان
وصلنا بركان سفلز بعد أسبوع. ووجدنا في تسلقه صعوبة بالغة. كذلك كانت الرياح قارسة موجعة، لكننا نجحنا في مهمتنا، ووصلنا القمة ليلا، بعد أن بلغ مني الإنهاك كل مبلغ. نمنا تلك الليلة نوما عميقا، واستيقظنا صباحا نشطين مستعدين للنزول في فوهة البركان. في قاع الفوهة وجدنا ثلاث فتح هائلة هي التي اندفع منها البركان في آخر ثورة له. أخذ عمي يركض من فتحة إلى أخرى، باحثا عن فتحة يغطيها الظل. فقد كنا في اليوم الأخير من شهر حزيران (يونيو).
فجأة، أشار عمي إلى صخرة قريبة من جدار إحدى الفتح، وصاح: “انظر!” نظرت إلى حيث أشار فإذا بكتابة رونية محفورة في الصخرة. تأملت فإذا المكتوب هو: “آرني ساكنوسم”. فلم يعد عند أحدنا من شك أن تلك هي الفتحة التي نبحث عنها.
في الثلاثين من شهر حزيران (يونيو)، حملنا أمتعتنا فوق ظهورنا، وبدأنا رحلتنا المذهلة. حين نظرت إلى أسفل شعرت بالدوار. فقد كانت جدران الفتحة قائمة. لكن كانت تبرز من تلك الجدران صخور ناتئة، فاستعنا بالحبال وهبطنا ببطء من صخرة إلى صخرة. كنا، من وقت إلى آخر، نأخذ قسطا من الراحة. وبعد عشر ساعات ونصف الساعة وصلنا أسفل الفتحة. وكنا قد هبطنا ثمانمئة وخمسين مترا. وفي تلك الليلة، كان في إمكاني، وأنا مستلق على ظهري، أن أرى نجمة تلمع في رقعة السماء الضيقة البادية من الفوهة العالية.
رفعنا في اليوم التالي أحمالنا على ظهورنا. أضاء عمي مصباحا كهربائيا وبدأنا تحركنا في ممر مظلم. كان الممر شديد الانحدار، ووجدنا صعوبة في منع أنفسنا من الانزلاق. وبعد وقت طويل مضن، أوقف عمي تحركنا. أكلنا بنهم وشربنا شيئا من الماء. لم نقابل حتى الآن أيا من ينابيع باطن الأرض، في وقت استنفدنا فيه نصف المياه التي نحملها.
رحلة صعبة
فاجأني في اليوم التالي أننا كنا نصعد دهليزا عاليا. كان الأمر مضنبا فبدأت آمل أن يعيدنا هذا المرتفع إلى سطح الأرض، فاجتمع بفتاتي غراؤ من ثانية. لكن في اليوم التالي خاب ظني إذ كان أحد الدهليز يميل إلى الانحدار ميلا طفيفا. ولم نكن قد صادفنا حتى ذلك الوقت ماء، فبدأ القلق يساورني إذ لم يعد معنا منه إلا نصف مطرة. تابعنا تحركنا. وبينما كنت أفكر في الوقت الذي يمكن أن نصمد فيه بغير ماء، برز أمامنا فجأة، على ضوء المصباح، حائط مغلق. تلفتنا باحثين عن طريق فرعية، فلم نر واحدة. لقد ضللنا الطريق! وكان علينا أن نعود إلى الوراء لنجد طريقة.
مر يوم آخر، شربنا فيه آخر قطرة من الماء الذي معنا. ثم مر علينا يومان آخران دون ماء فدب فينا الوهن ولم نعد قادرين على التحرك فتوقفنا لنستريح. توسلت إلى عمي أن نعود إلى سطح الأرض، لكنه كان واثقا أننا سنجد ماء. وتوسلت إلى هانز أن نعود، لكنه كان سعيدا بإطاعة أوامر عمي. وعندما أحس عمي بما أنا فيه من قلق شديد اكتفى بأن قال: “ثق بي يا آكسل.” فلم أعد أملك غير أن أطيع به. نمنا بعض الوقت فأعطانا ذلك شيئا من القوة، فبدأنا نهبط دورة أخرى. لكن مع نهاية النهار أخذ الوهن يستولي علي، وبدأت أحس أننا في سجن من الصخور لن يكون لنا خلاص منه أبدا. وجاءت لحظة لم أعد فيها قادرا على الوقوف فوقعت مغشيا علي وأنا أتمتم: “يا عمي!”
آمال جديدة
أفقت من إعماني وأخذت أتلمس ما حولي فإذا بعمي نائم إلى جانبي. وسمعت ضجة، فرفعت رأسي وتطلعت فإذا بهانز يتوارى عن ناظري حاملا معه المصباح. فقلت في نفسي: “لن يتركنا دليلنا الأمين في مثل هذا المكان!” ثم رحت في نوم متقطع إلى أن أيقظتني عودة هانز، رأيته يهز عمي وسمعته يقول له إنه سمع في الكهف صوت ماء جار. فقمنا على عجل. بدأنا هبوطا بطيئا. وكان صوت الماء قد أعطاني حياة جديدة إلا أننا لم نجد الماء، وكنا كلما هبطنا ازداد الصوت حدة. فعدنا إلى حيث كان صوت الماء على أشده.
وضع هانز أذنه على الحائط الصخري، فأتاه من ورائه صوت نهر يجري في باطن الأرض. فتناول معولا وراح يضرب الحائط ضربات قوية متتالية. وفجأة انشق الصخر وتفجرت منه في الدهليز نافورة هائلة من المياه. صرح هانز متألما، إذ أصابه شيء من الماء؛ فقد كان ماء شديد السخونة! ملأنا مطراتنا، وتركنا الماء يبرد قليلا، ثم شربنا بنهم. وشكلت المياه النافرة جدولا صغيرا اتخذ له مسارا على جانب الدهليز، فأسميناه “جدول هانز” تيمنا باسم الرجل الذي أنقذنا.
أعطاني الماء الذي وجدناه قوة، وأعاد الأمل إلى قلبي. سيكون الجدول أبدا إلى جانبنا يدلنا على الطريق الصحيحة في انحدارنا. وكان الممر الآن قد شرع يأخذ اتجاهات مختلفة. ودلت حسابات عمي على أننا في نقطة تنخفض أحد عشر كيلومترا عن سطح الأرض، وتقع على مسافة مئة وعشرين كيلومترا جنوب غرب ريكجاڤيك. لكن عمي كان راغبا في مواصلة الهبوط، فسر لي أننا وصلنا إلى حافة جرف صخري عال. كان ذلك الجرف في انحدار فتحة البركان، ولكننا تدبرنا أمر هبوطنا مستعينين بالصخور الناتئة. وكان عمي في خاتمة تلك المرحلة من رحلتنا سعيدا بما أنجز فقد كنا في نقطة من باطن الأرض تنخفض ثلاثين كيلومترا عن المحيط الأطلنطي وتبعد مني كيلومتر عن نقطة انطلاقنا.
هبوط إلى أعماق جديدة
صرنا بعد انتهاء تلك المرحلة نهبط يوميا، في اتجاه باطن الأرض، بضعة كيلومترات. وذات مرة، كنت أسير في المقدمة حاملا مصباحي. فجأة، وجدت نفسي وحيدا. عدت وناديت، لكن دون مجيب. ناديت ثانية، وثالثة، دون مجيب أيضا. قلت في نفسي: أعود متتبعا الجدول إلى جانبي. وانحنيت أشرب من ماء الجدول. فهالني أني لم أجد ماء. لقد ضللت الطريق! كانت طريق العودة شاقة. فقد واجهتني ممرات فرعية كثيرة ومنعطفات، ولم أعد أذكر أي طريق سلكت في نزولي. وبينما كنت أدور منعطفا صدمت حائطا صخريا، فوقعت أرضا وسقط مني المصباح وانطفأ. وجدت نفسي وحيدا وضائعا في الظلام. فدب في الذعر، وأخذت أركض من حائط إلى حائط متعثرا، مستغيثا. أخيرا وقعت أرضا منهك القوى خائرا.
أخذت أهبط المنحدر الحاد منزلقا تارة ومتعقرا أخرى. ارداد المنحدر حدة. فتكرر وقوعي أرضا، ثم أحسست أن الأرض اختفت من تحتي وسقطت في هاوية عميقة. ثم حسست بضربة حادة تصيب رأسي، وغبت عن الوعي.
أين أنا
أفقت من إغماني، ففتحت عيني ببطء، فرأيت عمي يركع إلى جانبي. ولما وجد أني أتحرك صاح مبتهجا: “أنت بخير يا آكسل! ستتحسن قريبا. نم الآن لتعود إليك قوتك.” كنت أضعف من أن أسأل عما حدث لي. فغرقت في نوم عميق. في صباح اليوم التالي كان رأسي المربوط يؤلمني لكني شعرت بعودة شيء من القوة إلي. وأخبرني عمي، على الفطور، أن انهيارا صخريا وقع في النفق الذي كنت فيه، وأني سقطت مع الصخور إلى الكهف الذي أنا فيه، حيث يقوم عمي وهانز بالعناية بي. إن بقائي حيا بعد تلك السقطة لأعجوبة الأعاجيب.
أما وقد بدأت أتحسن فقد شرعت أنظر إلى ما حولي في الكهف فلاحظت أني أرى ما حولي بوضوح دون أن يكون أحد المصابيح مضاء. كذلك كنت أسمع أصوات أمواج ورياح. فتهيا لي أني أتخيل ما أرى وأسمع. وسألت عمي. فكان جوابه: “إن ما تراه وتسمعه واقع وليس تخيلا.” فسألت مندهشا: “هل عدنا إلى سطح الأرض؟”
أجابني عمي بحزم قائلا: “لا، سترى بنفسك بعد وقت قصير أننا لسنا على سطح الأرض. سنواصل سفرتنا حالما تكون قادرا على ذلك.” ما سألت نفسي ما الذي يعنيه بكلمة “سفرة”. واستبد بي الفضول فقلت: “يا عمي، أنا الآن قوي معافى. أرني ما وجدت.”
اكتشاف عالم جديد
خرجنا من الكهف الخافت الضوء، فإذا بنا في مكان ساطع النور، وإذا أمامي مسطح مائي شاسع تتلالا عليه أضواء تبهر العيون. قال عمي باعتزاز: “أسميته بحر لا يد نبرك.” وكان بحرا حقا! تتكسر أمواجه على الشاطئ، وتمتد المنحدرات الصخرية على شاطئه امتدادا بعيدا. لم يكن النور دافئا كضوء الشمس ولا باردا كضوء القمر. كان ضوءا قويا ومتساويا. وكنت واثقا أنه صادر عن نوع من أنواع الكهرباء الطبيعية. كنا لا نزال نشعر أننا في كهف، ولكن أي كهف هذا الذي يحيط ببحر عظيم! كان كهفا يرتفع كيلومترات، إذ كانت السحب من فوقنا أعلى من السحب التي نعرفها فوق الأرض.
لم يكن من سبيل لنعرف امتداد الكهف طولا وعرضا، إذ كان البحر يمتد أمامنا امتدادا لا نرى نهاية له. وقد أبهجنا، بعد أربعين يوما من الحياة في أنفاق أرضية مظلمة، أن نتنشق نسيم البحر وأن نحدق إلى بعيد. مشينا أنا وعمي على الشاطئ فوصلنا إلى غابة شاسعة من أشجار فطر عملاقة، ترتفع عشرة أمتار أو أكثر. ورأينا نباتات أخرى غير الفطر، لكنها كلها من الأنواع التي كانت معروفة على سطح الأرض قبل ملايين السنين. ووجدنا على رمال الشاطئ عظاما متكلسة لبعض حيوانات ما قبل التاريخ. كنا كمن عثر على كنز. فجأة صحت: “أنظر! هذا فك ماموت!”
كان عمي، على أي حال، تواقا لاستكشاف البحر. شعرت في اليوم التالي أني استعدت عافيتي، حتى إني سبحت في البحر قبل أن أتناول الفطور الذي أعده هانز. ودلت حسابات عمي أننا في مكان من باطن الأرض يبعد ألفا وأربعمئة كيلومتر عن جزيرة إسلندة، وأننا لا نزال نتجه اتجاها جنوبيا شرق. وهذا يعني أننا كنا ننخفض تحت جبال اسكتلندة مسافة مئة وثلاثين كيلومترا.
التحضير للعبور
سألت عمي: “لكن كيف نقترب من باطن الأرض وأمامنا بحر منبسط؟” أجاب عمي: “ولا أعرف، لكني واثق أننا إذا عبرنا البحر سنجد منافذ نعاود معها الهبوط.” سألت كيف يمكن أن نعبر البحر بغير مركب. فأجابني أن هانز قد باشر العمل على بناء طوف خشبي.
وكان الطوف جاهزا في المساء يتهادى فوق بحر لا يد نبرك. في صباح اليوم التالي حملنا الطوف أمتعتنا ومعداتنا، ورفعنا فوقه بطانية لتكون شراعا. أمسك هانز بالدفة استعدادا للإبحار. أننا، قبل الانطلاق، أسمينا ميناءنا الصغير “غراوبن”. وقد أثار التفكير في غراوبن حنيني إلى الوطن، غير أن الطريق إلى الوطن أضحت الآن في متابعة الرحلة.
انطلق الطوف بنا وسط جو مؤات، سحبه عالية وريحه رمى هانز صنارته في الماء وأخرجها وقد علقت بها سمكة فريدة. قال عمي إن هذا النوع من السمك انقرض من بحار الأرض منذ زمن بعيد. لقد اصطاد هانز حفورة حية! مرت ساعات على إبحارنا دون أن نصل برا فبدأ القلق يساور عمي. كان يريد أن يستأنف هبوطه إلى الأعماق، وبدأ يخشى أن نكون قد سلكنا طريقا خاطئة.
مواجهة المخاطر
تابعنا إبحارنا صامتين. رمى عمي في البحر معولا مربوطا إلى حبل ليقيس عمق الماء. كان طول الحبل ثلاثة وخمسين مترا، ولكنه لم يصل إلى القاع. وحين رفعنا المعول وجدنا على حديده آثار أسنان. لم يكن يستطيع أن يترك مثل هذه الآثار إلا تمساح عملاق مرعب أو ما هو في قوته من الوحوش! احتطنا للأمر بتفحص بنادقنا. فقد كنا نشعر بالخطر يحدق بنا من كل جانب، لكن لا نرى شيئا.
أنهكتني المراقبة فنمت، لكن سرعان ما أيقظتني صدمة قوية رفعت الطوف ورمته مسافة تزيد على ثلاثين مترا. أشار هانز إلى مكان قريب منا، فإذا كتلة هائلة داكنة ترتفع فوق الماء وتهبط، وكأنها في هيئتها حوت عملاق غريب. أشار عمي إلى سحلية بحرية هائلة مخيفة وإلى تمساح ذي أسنان مرعبة. ثم صاح: “وهذا حوت عملاق مرعب! أنظرا كيف يضرب الماء بذيله!”
مواجهة الكائنات الغريبة
بدت علينا جميعا الدهشة مما رأينا، فإن أصغر واحد من الحيوانات التي شاهدناها قادر على شطر الطوف إلى شطرين. ثم برز من البحر حيوانان أشد هولا: سلحفاة هائلة، وأفعى طولها عشرة أمتار تدفع برأسها فوق الأمواج. كانت الوحوش كلها تتجه نحونا، فأمسكت بندقيتي ووقفت متأهبا. اقتربت الأفعى، أما سائر الوحوش فقد توارت في الماء. وكنت أوشك والتمساح على إطلاق النار حين أوقفني هانز.
لم يكن الوحشان يهاجاننا، بل إنهما انقضا، الواحد منهما على الآخر، يضربان الماء ويبرزان من بين زبد الأمواج. أتيح لنا الآن أن نرى الوحشين رؤية واضحة. كان لأحدهما خطم حوت ورأس سحلية وأسنان تمساح. كنا نشهد رأي العين قتالا بين حيوانين من حيوانات ما قبل التاريخ هما الإكتيوصور والبليز يوصور!
كان الإكتيوصور يزيد على الثلاثين مترا طولا. وكان فكاه الهائلان مرعبين، أما البليز يوصور فكان مدرعا بترس عظمي، وذا عنق يمتد فوق الأمواج مسافة عشرة أمتار. راح الوحشان المرعبان يتقاتلان قتالا ضاريا، مستخدمين أسنانهما وديليهما وكادت الأمواج الهائلة التي أثاراها تؤدي إلى انقلاب طوفنا.
تقائلا فترة تزيد على الساعتين، ثم غطسا كلاهما في الماء. وبرز بعد هنيهة رأس البليز يوصور الجريح يضرب الماء والهواء ويتلوى ويلتف يمنة ويسرة. ثم أخذت قوته تخور شيئا فشيئا إلى أن سكنت حركته سكونا تاما. انتهت المعركة بموت أحد الوحشين، فالتقطنا أنفاسنا. كان وجود الوحش الآخر تحت الماء، قريبا منا، يخيفنا، لكن لم نكن، في تلك اللحظة، في خطر داهم.
رحلة الإبحار المتواصلة
انقضت خمسة أيام على إبحارنا. وقرابة ظهر اليوم سمعنا صوتا مزمجرا ظننت أول الأمر أنه صوت أمواج تتكسر على صخور أو أنه صوت شلال يتدفق. تسلق هانز سارية الطوف فرأى نافورة هائلة من المياه ترتفع من البحر. وظننا أن الذي رأيناه هو وحش بحري عملاق آخر! وتبينّا في البحر في الثامنة من مساء اليوم نفسه جسما منبسطا يبلغ الكيلومتر طولا. وكانت نافورة المياه تسقط فوقه. فدب فينا الذعر.
صاح هانز فجأة: “هذه جزيرة!”
قلت: “ولكن، ما هذه النافورة؟”
أجاب عمي: “إنها حمة، مثل تلك التي نجدها في إيسلندة.” هدأ روعي وبدت النافورة ساحرة. كان النور يتلالأ فوق الماء مشكلا قوس قزح. رسونا في الجزيرة ونزلنا فاهتزت الأرض تحت أقدامنا. كانت حرارة الأرض محرقة. وكان ماء الحمة يخرج من الأرض وهو يغلي فيملأ الجو بسحب البخار. لا بد أن مثل تلك الحرارة ناتجة من نيران تتأجج في باطن الأرض. كنت واثقا من أن الأعماق الملتهبة لم تعد بعيدة عنا. لكن عمي غضب مني حين فاتحته بمخاوفي. فلزمت الصمت إذ لم أعد واثقا من أني على صواب في أي من الأمور.
لاحظت، قبل أن نترك الجزيرة، أننا على بعد ألف وثانين كيلومترا من ميناء غراوين الذي أبحرنا منه في هذا البحر. لا بد أننا الآن في مكان من باطن الأرض يقع تحت إنكلترة. كانت الرياح في اليوم التالي قوية فازدادت سرعة الطوف. ثم تكاثفت السحب واسودت السماء. وبدا الهواء مشحونا بالكهرباء وكأن في الأفق عاصفة هوجاء. وزادت العاصفة المرتقبة في غضب عمي. فإنه لم يرد أن يؤخره عن هدفه شيء.
العاصفة العاتية
أردت أن أنزل الشراع والسارية قبل أن تبدأ العاصفة لكن عمي رفض ذلك، وقال: “فلتحملنا الرياح معها، لعلنا نصل إلى الطرف الآخر من هذا البحر المترامي الأطراف!” جاء جواب الرياح سريعا، فقد اشتدت حتى أصبحت إعصارا، تقذف بالطوف وترميه في كل اتجاه. فتشبثنا أنا وعمي بسارية الطوف، أما هانز فقد أمسك بذراع الدفة بعزم واطمئنان.
وبدا كأن الكهرباء في الجو تعبث بشعره وتترك حول رأسه نورا غريبا. أخذت الرياح تدفع الطوف بسرعة مخيفة، وهطلت الأمطار العاصفة والتمعت البروق، ونزلت الصواعق، وقصفت الرعود، وتساقط برد عظيم. وراح كل ما هو معدني في الطوف يلتمع بوميض كهربائي. حتى رؤوس الأمواج بدت وكأنها ألسنة من لهب.
بدا الأمر وكأن العالم كله ينهار في انفجار مخيف. وبقينا أياما ثلاثة تحت رحمة العاصفة، وقد ربطت نفسي إلى السارية، وأيقنت أننا غارقون لا محالة. ثم سقطت فوق الطوف كرة من نار أصابت الشراع وجانبا من السارية فأطارتهما في الهواء. كانت كرة النار بيضاء وزرقاء، قطرها حوالى خمسة وعشرين سنتيمترا. راحت تقفر بين أكياسنا وصناديقنا مدومة في قفزاتها. ومست في إحدى قفزاتها كيس بارود ولم يحل دون انفجار الطوف ومن عليه إلا أعجوبة من الأعاجيب.
فحاولت أن أزيح قدمي فلم أستطع، فأدركت أن كرة النار قد نشرت حقلا كهربائيا تسبب في مغنطة كل ما هو حديد فوق الطوف، وأن المسامير في حذائي العالي قد علقت بصفيحة من حديد الطوف فشددت قدمي بقوة مبعدا إياهما عن النار في آخر لحظة. ثم انفجرت كرة النار وانتشرت ألسنة اللهب حول الطوف كله. ثم غرق كل ما حولنا في الظلام. فرمينا أنفسنا على أرض الطوف نلتقط أنفاسنا ونستعيد روعنا. كانت الرياح لا تزال تهب، ولكن كان التعب قد نال منا فلم نعد نبالي. وكل ما وعيته في ذلك الوقت أننا كنا ننطلق بسرعة كبيرة، وأننا لا بد قد عبرنا من باطن الأرض الجانب الذي يقع تحت فرنسا.
الشاطئ الصخري
أخيرا، وجدنا أنفسنا مرميين على شاطئ صخري ونحن في حالة بائسة من الإعياء والدوار. ولو لم يسرع هانز إلى نجدتي لكانت الأمواج الغاضبة قد مزقتني فوق الصخور تمزيقا. كذلك أسرع هانز إلى عمي وأنقذه، ثم عاد إلى حطام الطوف ليخلص ما يقدر عليه من أمتعتنا.
استلقينا ثلاثتنا في بقعة رملية من الشاطئ وغرقنا في نوم عميق. استيقظنا، وإذا بالعاصفة قد هدأت تماما. وأحسنا أننا أخذنا قسطنا من الراحة، بل كان عمي يشعر بالابتهاج بعد أن عبرنا البحر. قال: “الآن نستأنف الهبوط إلى باطن الأرض” وقد أثار ذكر الهبوط في نفسي هما شديدا، فإني كنت شديد الحنين للعودة إلى هامبورغ وغراوين.
أنجز هانز جمع ما يقدر على تخليصه من أمتعتنا. كنا قد فقدنا بنادقنا، ولكن البارود كان سالما وجافا، وكذلك الفتيل. وكان لا يزال معنا أيضا البوصلة وأجهزة أخرى وأدوات وحبال. وأنقذنا الجزء الأكبر من زادنا وبقي معنا منه ما يكفي لأربعة أشهر أخرى. وجلسنا بعد الفطور نحدد موقعنا ونخطط للخطوة التالية.
قال عمي: “هانز يصلح الطوف لكن لا أظن أننا سنحتاج إليه. لا أظن أننا سنسلك في عودتنا الطريق نفسها.” ورحت أفكر فيما قاله لي وفي السبب الذي دعاه إلى إبداء ذلك الرأي.
البحث عن الاتجاه
لما كانت العاصفة قد دفعتنا في اتجاه جنوبي شرقي فقد اتفق الرأي على أننا الآن في مكان ما تحت البحر الأبيض المتوسط. نظرنا في البوصلة لنحدد موقعنا فأصابنا ارتباك وحيرة. نظرنا ثانية! لقد عدنا، وفقا لما تشير إليه إبرة البوصلة، إلى الجانب من البحر الذي انطلقنا منه، فاستنتجنا، آسفين، أن الرياح لا بد قد غيرت اتجاهها في أثناء العاصفة وجرفتنا إلى حيث بدأنا.
أحس عمي في أول الأمر بالدهشة ثم بالغضب. فأرغى وأربد. رجوته أن نعود إلى سطح الأرض، لكن لم يكن من سبيل إلى إقناعه. أما هانز فكان يطيع ما يأمر تامة. فلم يكن أمامي، في هذه المرة أيضا، غير الرضوخ.
كنت أنا وعمي، في أثناء انشغال هانز في تصليح الطوف، نخرج لاستكشاف المناطق المجاورة. مشينا على الشاطئ الذي كانت تغطيه هياكل عظمية لحيوانات منقرضة. وجدنا كذلك دروع سلاحف هائلة وسرعان ما عثرنا في أكوام العظام على بقايا لكل نوع من أنواع الحيوانات المنقرضة.
فجأة، قال عمي بصوت مرتجف: “انظر يا آكسل! هذه جمجمة بشرية!” فلم يكن ذهولي يقل عن ذهول عمي.
الاكتشافات المروعة
أصابتنا، بعد خطوات، صدمة أشد هولا. فقد رأينا فوق الرمال جسد بشري من عصر ما قبل التاريخ. كان الجسد لا يزال كما هو، يتوهم الناظر إليه أن فيه حياة! لقد شاهدنا عظام دينوصورات، وشاهدنا الحيوان نفسه حيا. وها نحن نرى جسد بشري من عصر ما قبل التاريخ، فهل نرى إنسانا حيا منهم؟
تابعنا سيرنا، فوصلنا بعد حوالى الكيلومتر إلى غابة عظيمة. رأينا في الغابة أشجارا ونباتات تعود إلى عالم انتهى منذ ملايين السنين. غير أنها لم تكن أشجارا ونباتات حضراء، فقد كانت، لافتقارها إلى ضوء الشمس، مائلة إلى اللون البني الباهت. تابع عمي توغله في الغابة عبر الأجمات. رأينا شيئا يتحرك بين الأشجار. وقفنا ننعم النظر، فإذا بنا نرى من وراء الأغصان قطيعا من فيلة ما قبل التاريخ، فيلة المستودون العملاقة، وقد أخذت تمد خراطيمها إلى أوراق الأشجار فتقطعها وتلتهمها.
همس عمي: “تعال! لنخرج من هنا ..” قلت: “إذا هاجمتنا هذه الفيلة فسيكون في ذلك نهايتنا!” أومأ عمي برأسه مومئا على كلامي. ثم فجأة، بدا عليه الانفعال، وقال: “أنظر هناك!”
الخطر يقترب
نظرت، فلم أصدق ما رأت عيناي. رأيت رجلا مستندا إلى جذع شجرة، وقد أخذ يراقب قطيعه من فيلة المستودون. لم يكن يقل عن أربعة أمتار طولا .. أطول من الفيلة نفسها. وكان رأسه في حجم رأس ثور البيسون، تتدلى منه لبدة من الشعر المجدول تصل إلى وسط ظهره. وكان يحمل في يده غصن شجرة.
كان ذلك مكانا محفوفا بالمخاطر، فأسرعنا بالخروج منه وما إن خرجنا من الغابة حتى اتجهنا إلى الشاطئ ركضا. ثم أخذنا نبحث عما يدل على أننا قريبون من ميناء غراوين. لكن لم نجد شيئا من ذلك. وبينما كنت أسير على الشاطئ لمحت شيئا يلتمع في الرمل التقطته، فإذا هو حنجر صدي وقد استدللنا من الصدأ أنه لا بد ترك في الرمل منذ زمن طويل. قال عمي: “هذا خنجر إنسان سبقنا إلى هذا المكان! لعلنا نجد هنا ما يرشدنا إلى الطريق التي توصلنا إلى باطن الأرض.”
بحثنا بين الجروف الصخرية، ووجدنا، أخيرا، نفقا مظلما. على مدخل النفق رأينا كتابة رونية محفورة في الصخر. قرأ عمي: “آ.س.” ثم صاح مبتهجا: “إنه آرني ساكنوسم!” عرفنا، مرة أخرى، أننا نسلك الطريق الصحيحة. قال عمي: “لا أستطيع أن أفسر كيف وصلنا شمالا. فقد كنت واثقا أننا اندفعنا في اتجاه جنوبي شرقي. لكن ما يهم الآن أننا هنا، في المكان الصحيح!”
العودة إلى هانز
عدنا إلى هانز، وأعددنا أنفسنا لاستئناف الرحلة. ثم ركبنا ثلاثتنا الطوف وأبحرنا به بمحاذاة الشاطئ إلى أن وصلنا الموضع الذي يقع فيه نفق آرني ساكنوسم. فنزلنا إلى البر. كنت متلهفًا لاستكشاف النفق، لذا ما إن أضاء عمي مصباحه الكهربائي حتى وجدت نفسي أمشي في المقدمة.
سرعان ما وجدنا أنفسنا نجتاز مدخل النفق. لكن ما هي إلا مسافة قصيرة حتى وجدنا طريقنا مسدودة بصخرة هائلة. استبد بي الغضب وقلت: كيف وجد ساكنوسم طريقه عبر هذا النفق؟
أجاب عمي: “لا بد أن هذه الصخرة قد سقطت بعد عبوره”.
قلت في حماسة: “فلننسفها، إذا، بالبارود”.
تناول هانز معوله ونقر في الصخرة نقرة حشاها بالمواد المتفجرة. ثم قمت أنا وعمي بمد الفتيل. وأنهينا استعداداتنا في منتصف الليل.
استيقظنا باكرًا في صباح اليوم التالي، ونحن على أتم الاستعداد للقيام بمهمتنا. وتقرر أن أقوم أنا بإشعال الفتيل على أن الحق بعمي وهانز المنتظرين على الطوف. ونقوم ثلاثتنا، في أثناء احتراق الفتيل، بدفع الطوف بعيدًا، حتى نكون، لحظة الانفجار، بعيدين عن كل خطر.
الانفجار ونتائجه
أشعلت الفتيل، وانتظرت حتى تأكدت من حسن اشتعاله. ثم جريت إلى الطوف، واندفعنا به مبتعدين عن الشاطئ إلى أن كان بيننا وبينه مسافة آمنة، فتوقفنا. وما هي إلا لحظات حتى وقع الانفجار. فحدقنا في مكان الصخرة فرأينا حفرة لا قرار لها، وبدا لنا، فجأة، أن البحر تحول إلى موجة واحدة هائلة راحت تتقاذف الطوف تقاذفًا جنونيًا. فسقطنا على ظهر الطوف وقد اختفى حولنا كل أثر للنور وسمعنا وسط الظلام زمجرة مياه. لقد فجرنا الصخرة التي تسد مدخل حفرة توصل إلى باطن الأرض. أما الآن وقد زالت الصخرة فقد فتحت الطريق أمام مياه البحر لتندفع إلى باطن الأرض حاملة إيانا معها!
كنا نندفع مع المياه المزمجرة إلى باطن الأرض. فتمسكنا أحدنا بالآخر، وبالطوف. رحنا نهبط ونهبط بسرعة عاصفة وسط ظلام دامس. وتمكن هانز أن يضيء مصباحًا فرأينا أننا فقدنا كل ما نحمل ما عدا بوصلة واحدة وشيئًا من الزاد. كان الانحدار شديدًا، لا نشعر معه بأنفسنا إلا ونحن نندفع مع المياه وندور حول أنفسنا دورات عنيفة. وحين انطفأ المصباح أغمضت عيني واستسلمت لمصيري. وكان الانحدار يزداد شدة وتزداد معه سرعتنا اندفاعًا. وبدا الوقت طويلاً، لا نهاية له. ثم شعرنا بصدمة مفاجئة وتوقف الطوف عن الحركة أو كاد.
الخروج من الكارثة
لقد اصطدمنا بحاجر مائي يتفجر من الأرض، وراحت المياه تتساقط فوقنا، فشعرت أننا غارقون، لا محالة. لكننا علونا الماء، وساد المكان صمت بدا غريبًا بعد هدير المياه وصخبها.
سمعت عمي يقول: “إننا نرتفع!”
أضاء هانز مصباحًا، فرأينا أنفسنا نعلو مع الماء في ممر ضيق. وبدا أن النجاة مستحيلة. كانت درجة الحرارة تشتد كلما ازددنا ارتفاعًا. وسرعان ما بلغت حرارة المياه تحتنا درجة الغليان. كانت جدران الممر أيضًا تلتهب حرارة، وبدا لي على نور أن الصخور تتحرك. ثم حدث انفجار قوي، وأخذت الجدران تهتر.
التفت إلى عمي في ذعر، ففاجأني أن أجده هادئًا.
قلت له بتوسل: “الأرض تهتر”.
أجاب: “لا تخف يا آكسل! فهذا ليس زلزالًا. إننا في فوهة بركان ثائر! هذا خير ما يمكن أن يحدث! سيحملنا البركان الثائر معه إلى سطح الأرض!”
النجاة في فوهة البركان
لم نكن قادرين على غير الاستسلام للبركان وهو يرتفع بنا. كان تحت الماء الذي يحملنا صخور ملتهبة. ولو أتيح لنا أن نصل سطح الأرض فسوف تندفع الصخور الملتهبة من حولنا وتنقذف في كل اتجاه.
في الصباح كان الهواء قد ازداد سخونة، وسرعتنا ازدادت اندفاعًا. ورأيت على جوانب الممر أنفاقًا تقذف دخانًا ولهبًا.
ورأيت الطوف يعوم على محمل من الحمم. بلغت درجة الحرارة حدًا لا يطاق، وأخذ الطوف يدور دورانًا شديدًا وسط عاصفة من الرماد الحارق، وأحاطت بنا ألسنة اللهب من كل صوب. أحسست أن النهاية قد دنت، وغبت عن الوعي.
عندما عدت إلى وعيي، فتحت عيني ونظرت حولي. كنا ثلاثتنا، عمي وهانز وأنا، مطروحين على حافة بركان. وكنا كلنا مصابين بجروح عديدة وكدمات، ولكن لم تكن إصابة أي منا بالغة. لم أكن لأصدق أننا مستلقون فوق سطح الأرض ننعم بأشعة الشمس اللطيفة.
سألت عمي قائلًا: “أين نحن؟”
أجاب: “ربما أرشدتنا البوصلة إلى موقعنا”.
فحصت البوصلة، وقلت: “إذا كانت البوصلة تعمل بانضباط، فنحن في القطب الشمالي”.
العودة إلى الريف
تلفتنا إلى الريف من حولنا فرأينا أشجار زيتون وتين، ورأينا كروما. وأحسسنا بشمس قوية. لسنا في إسلندة حتمًا! وقررنا أن ننحدر في سفح البركان ونبحث عن قرية قريبة. كنا متعبين وساخنين، وكانت ثيابنا ممزقة. وسرنا لنجد جدول ماء، فشربنا منه بنهم واغتسلنا.
بينما نحن عند الجدول مر أحد الأولاد. ولما رآنا شرع في الهرب. لكن هانز أسرع إلى الإمساك به. وقام عمي إليه يسأله بالألمانية ثم بالفرنسية دون أن يبدو على الفتى أنه فهم شيئًا. فسأله عمي بالإيطالية، وعندها أجاب الفتى قائلاً: “ستر مبولي”. إذاً، نحن في جزيرة ستر مبولي الإيطالية في البحر الأبيض المتوسط. لقد ارتحلنا من بركان في جزيرة إيسلندة إلى بركان في جزيرة في البحر الأبيض المتوسط. ما أغربها من رحلة عبر باطن الأرض!
الوصول إلى الشاطئ
توجهنا إلى الشاطئ، فظن الناس هناك أننا ناجون من سفينة غارقة فأعطونا طعامًا وثيابًا، وأرسلونا بعد يومين إلى بلدنا. كنا في طريق عودتنا نجلس جلسة استرخاء في القوارب أو في القطارات نفكر بسر البوصلة. ولكننا نسينا ذلك كله حين وصلنا هامبورغ.
كانت غراو بن شديدة السعادة بعودتنا سالمين. وكانت أخبار رحلتنا الغريبة قد بدأت تنتشر في أرجاء الوطن، وسرعان ما أخذت تنتشر في أرجاء العالم كله. وتوافد العلماء من شتى أقطار الأرض للقاء العالم الشهير الأستاذ لايد نبرك ومساعده. وسرعان ما أحس هانز الهادئ الرصين بالحنين إلى وطنه، فودعناه آسفين أشد الأسف لفراقه. أخيرًا، توصل كل منا إلى مبتغاه، وانتهت الأمور إلى خيرنا جميعًا. ولم يبقَ عالِم إلا سر البوصلة.
كشف السر
كنت، ذات يوم، في مكتبي، فأمسكت البوصلة وتأملت فيها، فإذا بالجواب واضح أمام ناظري. أسرعت إلى عمي وقلت له: “انظر يا عمي. إبرة البوصلة تشير إلى الجنوب لا إلى الشمال. إن كرة النار التي سقطت علينا يوم العاصفة عكست كل ما كان على الطوف من حديد، وبدلت قطبي إبرة البوصلة، وجعلتها تشير إلى الجنوب لا إلى الشمال!”
صاح عمي مبتهجًا: “أعظم يا آكسيل! إن هذا التفسير من البساطة بحيث لم يخطر ببالي من قبل.”
أما وقد انكشف السر الأخير من أسرار رحلتنا فقد دخل الرضى قلب عمي وغدا رجلًا قانعًا وادعًا، فأسعدني ذلك سعادة لا حد لها. وعقدت قراني على غراوبن، كما كان اتفاقنا، وعشنا ثلاثتنا عيشة رضى وسعادة.
معرض الصور (قصة رحلة إلى باطن الأرض)
لا تنسي فك الضغط عن الملف للحصول علي الصور
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث