قصة حول العالم في ثمانين يوما
ملخص قصة حول العالم في ثمانين يوما
فيلياس فوغ هو رجل غامض يعيش في لندن ويشتهر بدقته وتنظيم حياته بشكل مدهش. في أحد الأيام، وبعد نقاش حول مدى صغر العالم بفضل التكنولوجيا الحديثة، راهن أصدقاءه في نادي الإصلاح على أنه يمكنه السفر حول العالم في ثمانين يوما فقط. وإذا لم يستطع، سيفقد عشرين ألف جنيه.
في تلك الأثناء، يلتحق جان باسبارتو، خادم فرنسي، بخدمة فوغ. باسبارتو كان يبحث عن حياة هادئة ومستقرة، لكن سرعان ما يكتشف أنه وقع في خدمة رجل مغرم بالرحلات المجنونة.
ينطلق فوغ وباسبارتو في مغامرتهما من لندن إلى باريس ومنها إلى عدة مدن مثل بومباي وهونغ كونغ ويوكوهاما. خلال رحلتهم، يواجهان العديد من العقبات والمخاطر، بما في ذلك محاولة القبض على فوغ من قبل التحري فكس، الذي يعتقد أن فوغ هو سارق بنك إنجلترا.
في بومباي، ينقذ فوغ وباسبارتو امرأة هندية شابة تدعى أودا كانت ستُحرق حية مع جثمان زوجها المتوفى. تنضم أودا إلى الرحلة وتشعر بالامتنان العميق لمنقذيها.
في هونغ كونغ، ينفصل باسبارتو عن سيده بالخطأ ويقع في فخ تحري فكس الذي يخدره. لكنه يتمكن لاحقا من اللحاق بسيده وأودا في يوكوهاما.
عبر المحيط الهادئ إلى أمريكا، يواجه فوغ وباسبارتو معارك مع هنود حمر، وعواصف مدمرة، وأزمات في الوقت. في نيويورك، يفوتهم القطار إلى ليفربول، لكن فوغ يتمكن من إيجاد سفينة تنقلهم.
في منتصف المحيط الأطلسي، يقرر فوغ شراء السفينة بأكملها حتى يتمكن من الوصول إلى بريطانيا في الوقت المحدد. بعد عاصفة قوية ومناورات شجاعة، يصلون إلى كورك في إيرلندا ثم يتوجهون بالقطار إلى دبلن ويبحرون إلى ليفربول.
لكن، وفي اللحظة التي يصلون فيها إلى ليفربول، يقبض فكس على فوغ باسم الملكة. يُسجن فوغ لفترة قصيرة حتى يتبين أن اللص الحقيقي قد قُبض عليه قبل أيام. يُطلق سراح فوغ، لكنه يصل إلى لندن متأخرا خمس دقائق عن موعد الرهان.
يعود فوغ إلى منزله محبطا وخاسرا لجميع أمواله. لكن في لحظة محورية، يكتشف خادمه باسبارتو أن اليوم هو السبت وليس الأحد، مما يمنحهم يوما إضافيا. ينطلق فوغ بأقصى سرعة إلى نادي الإصلاح ويصل في اللحظة الأخيرة ليفوز بالرهان.
في النهاية، يتزوج فوغ من أودا ويكتشف أن الرهان لم يكن الأهم، بل التجربة والرحلة والمغامرة التي قادته إلى سعادته الحقيقية.
قصة حول العالم في ثمانين يوما مكتوبة
كان فيلياس فوغ رجلا غامضا، لا يعلم أحد عنه شيئا، إلا ما هو معروف من بعض العادات والحقائق البسيطة في حياته. لم يكن له أسرة، وكان ثريا يعيش في منزل واسع ولا يقوم على خدمته إلا خادم واحد. كان رجلا دقيقا في ممارسة عاداته، وقد علق على جدار في منزله جدولاً بمواعيد تلك العادات. وفي الجدول أنه يتناول الشاي والخبز المحمص في تمام الساعة 8:23 كل صباح. وفي تمام الساعة 9:37 يأتيه خادمه بماء الحلاقة المسخن إلى درجة محددة لا تتغير. أما في تمام الساعة 11:30 من كل يوم يترك البيت متجها إلى نادي الإصلاح. يصرف نهاره في النادي يقرأ. ثم، في تمام الساعة 6:10 يلعب الورق، ويعود بعد ذلك إلى بيته في وقت محدد ثابت من كل مساء.
رفاق اللعب يعتبرون فيلياس فوغ رجلا هادئا جذابا. ويعرفون أنه لا يسعى وراء المال، فما يكسبه في اللعب يوزعه على الجمعيات الخيرية. ولأن جملة هذه الحقائق البسيطة هي كل ما كان معروفا عنه، فإن ما بدأ رهانا عاديا أول الأمر كاد أن ينتهي بالرجل نهاية مأساوية.
في اليوم الثاني من شهر أكتوبر من عام 1872، التحق بخدمة فيلياس فوغ رجل فرنسي يدعى جان باسبارتو. ولقد تقلب باسبارتو في وظائف عدة، فكان إطفائيا في باريس، ومغنيا، وبهلوانا في سيرك. كان قويا لطيفا دائم الابتسام، فقابله الناس بالترحاب والرضى أينما حل. وكان قد مل الترحال والتنقل من حال إلى حال، ورغب في عمل يؤمن له الاستقرار والعيش الهادئ. وبدا له فيلياس فوغ رب العمل المثالي لتحقيق مثل هذه الغاية – ما كان أفدح خطأه!
بداية العمل
في اليوم الذي بدأ فيه جان باسبارتو العمل، توجه فيلياس فوغ في الحادية عشرة والنصف إلى نادي الإصلاح، كعادته كل يوم. أمضى النهار يقرأ، ثم انضم إلى رفاقه في السادسة وعشر دقائق ليلعب معهم الورق، كعادته أيضا. فوجدهم يتحدثون بانفعال عن سرقة ضخمة وقعت في مصرف إنكلترا. وقد شاهد كثيرون اللص وأعطوا وصفا دقيقا له ورصدت مكافأة لمن يساعد في القبض عليه، وأرسل رجال التحري يترصدون محطات القطارات والموانئ لمنعه من مغادرة البلد. راح اللاعبون يتحدثون، في أثناء لعبهم، عن الأماكن التي يمكن أن يختبئ فيها لص المصرف، وعن السرعة التي يستطيع بها مغادرة البلد والنجاة من مطاردة الشرطة.
قال أحدهم: “ما أوسع العالم لمن يريد أن يختبئ!” قال فيلياس فوغ معلقا: “نعم، لكن عندنا الآن تلغرافا وسككا حديدية وسفنا بخارية، وهي تقرب المسافات حتى ليبدو كأن العالم تضاءل حجما.” رد أحد رفاقه: “وإذا كنا قادرين على القيام برحلة حول العالم في ثلاثة أشهر، فلا يعني ذلك أن العالم قد تقلص.” قال فوغ: “لا نحتاج إلى ثلاثة أشهر! يكفي ثمانون يوما لندور حول العالم!” ضحك لاعب آخر وقال: “ثمانون يوما! مستحيل!” وقال ثالث: “وما أكثر ما يواجهه المرء من عثرات ومعوقات!” بدا الإصرار على وجه فيلياس فوغ وهو يقول: “لا! أعلم أن الرحلة ممكنة. أراهنكم بعشرين ألف جنيه على ذلك. ولأثبت لكم دعواي، أبدأ رحلتي الليلة! سأدور حول العالم في ثمانين يوما!”
أسرع رفاقه يقولون، الواحد بعد الآخر: “لا شك أنك تمزح!” “لا تستطيع بدء رحلتك هذه الليلة!” “سيكون الفشل حليفك!” رد فوغ بصوت هادئ: “سأقوم بالرحلة. السيد المحترم لا يمزح حين يكون الرهان باهظا. أتقبلون الرهان؟” قبل الرفاق الرهان، فقال فوغ: “اليوم الأربعاء، الثاني من أكتوبر. سأعود إليكم وأكون معكم هنا في نادي الإصلاح، في التاسعة إلا ربع من مساء يوم السبت، الحادي والعشرين من ديسمبر. والآن، يا سادتي، أستأذنكم.”
بداية الرحلة
عاد فيلياس فوغ إلى بيته، فاستدعى خادمه وقال له: “احزم لي حقيبة سفر صغيرة يا باسبارتو، فإننا مسافران إلى دوفر بعد عشر دقائق. سنقوم برحلة حول العالم.” تمتم باسبارتو في ذهول: “حول العالم! يا لحظي! طلبت حياة هادئة، فوقعت على رب عمل مغرم بالرحلات الجنونية!”
كان الرجلان في الساعة الثامنة جاهزين للسفر. وقد حمل فوغ معه جدولا بمواعيد رحلات بواخر العالم وقطاراته. كما أنه دس في الحقيبة رزمة ضخمة من الأوراق النقدية، وقال لباسبارتو: “حافظ على هذه الحقيبة، فإن فيها عشرين ألف جنيه.”
حجز فوغ مقعدين لباريس. ورأى في محطة القطار أصدقاءه من نادي الإصلاح ينتظرونه ليتأكدوا من سفره. فقال لهم: “أيها السادة، لكم أن تتفقدوا في جواز سفري عند عودتي. سترون أختام البلدان التي سأكون قد مررت بها. سألقاكم في التاسعة إلا ربع من مساء السبت، الحادي والعشرين من ديسمبر.”
مغامرة جديدة
بدأت رحلة القطار، فجلس فيلياس فوغ في مقعده الجانبي صامتا، بينما راح باسبارتو، وقد احتضن الحقيبة، يحدق مكتئبا في ظلام الليل. انتشرت أخبار رهان فيلياس فوغ انتشار النار في الهشيم. فتصدرت صورته صفحات الجرائد، وصار حديث الناس.
انتشار الأخبار
رأى بعضهم فيلياس فوغ رجلا مغامرا، ورأى آخرون أنه مهووس. سافر فوغ وباسبارتو من باريس إلى إيطاليا. وهناك ركبا السفينة البخارية منغوليا، التي تقلهما إلى بومباي على الشاطئ الغربي للهند. في مدينة السويس نزل باسبارتو إلى الشاطئ حاملا معه جواز سفر.
رآه رجل كان يقف قريبا من السفينة يراقب المسافرين. قال الرجل: “أتريد عونا، يا سيدي؟” أجاب باسبارتو: “أريد أن أختم هذا الجواز، هل تعرف الطريق إلى مكتب القنصل؟” نظر الرجل بعين فاحصة في الجواز، وتأمل الصورة، ثم قال: “هذا ليس جوازك. على صاحب الجواز أن ينزل بنفسه إلى الشاطئ ويذهب إلى مكتب القنصل.”
قال باسبارتو: “لن يرضى سيدي عن ذلك.” ثم أسرع إلى متن السفينة يبحث عن فيلياس فوغ. أما الرجل الغريب فقد أسرع إلى مكتب القنصل، وقال: “سيدي القنصل، اسمي فكس. أنا تحر من رجال سكوتلاند يارد أرسلت إلى هنا للبحث عن سارق مصرف إنكلترا. وأنا واثق أن اللص وصل السويس الآن. امنعه من السفر إلى أن أحصل على أمر بالقبض عليه!”
اشتباه وتحقيق
أجاب القنصل: “ولا أستطيع منعه من السفر ما دام جواز سفره قانونيا.” في هذه الأثناء دخل فيلياس فوغ ليختم جواز سفره، فراح فكس يحدق فيه. كان رجل التحري واثقا أنه وقع على الرجل المطلوب. فلن يدعه يغيب عن عينيه! لا بد أن يرسل برقية إلى لندن قبل إقلاع السفينة إلى بومباي.
في ذلك المساء وصلت إلى سكوتلاند يارد البرقية التالية: “السويس إلى سكوتلاند يارد، لندن. وجدت لص المصرف ويدعى فيلياس فوغ. أرسلوا أمرا إلى بومباي بالقبض عليه. التحري فكس.”
أزمة جديدة
سرعان ما امتلأت صفحات الجرائد بحكايات عن الرجل الغامض، فيلياس فوغ. وراح أعضاء نادي الإصلاح يتفقدون في صورته، ورأوا أن وجوه الشبه بينها وبين أوصاف لص المصارف أكيدة: فالرحلة حول العالم لم تكن، إذا، غير حيلة للتخلص من ملاحقة الشرطة له. وتحول فوغ في نظرهم من بطل إلى لص تطارده الشرطة!
لقاءات جديدة
على متن الباخرة منغوليا كان فيلياس فوغ يلعب الورق. وكان التحري فكس من بين المسافرين أيضا. وقد فرح باسبارتو بلقاء فكس ثانية وراح يحدثه عن سيده الشريف وعن رحلته حول العالم. وقد زادت هذه الأخبار في قناعة فكس أن فوغ هو لص المصارف. أما باسبارتو الطيب القلب فلم يكن يخطر له على بال أن التحري يطارد سيده.
وصلا بومباي، وكان أمامهما ثلاث ساعات ينتظران فيها القطار الذي ينقلهما في رحلة طويلة إلى كلكتا. فاغتنم باسبارتو الفرصة لتفقد معالم البلد. واتفق أن دخل معبدا، واشتبك مع كهنة ثلاثة هاجموه لأنه لم يستأذن قبل الدخول. فقاتلهم باسبارتو ببسالة وتمكن من الفرار. وعندما وصل محطة القطار أخبر فوغ بما حدث.
المؤامرة تتصاعد
وكان فكس لا يزال يراقبهما وينصت إلى أحاديثهما، في انتظار الأمر بالقبض على فوغ. قال فكس في نفسه: “لو قدرت على زج باسبارتو في السجن لما أثار من شغب في المعبد، سيكون على فوغ انتظار إطلاق سراح خادمه. وأكون أنا، في هذه الأثناء، قد تلقيت الأمر بالقبض عليه.”
انطلق القطار، وتخلف عنه فكس. فقد كان عليه أن يدبر أمر اعتقال باسبارتو. مضى القطار في طريقه عبر الهند. ثم فجأة، توقف، وطلب من المسافرين الذين أجفلهم ما حدث أن يتركوه. صاح باسبارتو: “انظر، يا سيدي! ما من خط حديدي أمامنا!”
عقبات مفاجئة
انقطع الخط الحديدي عند نقطة تبعد خمسين ميلا عن المحطة التالية! وكان على المسافرين أن يتدبروا أمورهم طوال تلك المسافة. فكر باسبارتو هنيهة، ثم انطلق نحو قرية مجاورة. وسرعان ما عاد بأنباء سارة، وهتف بانفعال: “لقد وجدت رجلا يملك فيلا وسيأخذنا إلى المحطة التالية!”
سرعان ما كانا يتأرجحان على ظهر الفيل في طريقهما إلى كلكتا. وبعد حين، سمعا أصواتا غريبة تأتيهما من بعيد. فأوقف صاحب الفيل فيله وأنصت. قال باسبارتو: “أهم قطاع طرق؟” ابتعدوا عن الممر دون ضجيج واختبأوا بين الأشجار يراقبون من بعيد. رأوا موكب جنازة ضخمة وسط قرع الطبول والعويل. إن أميرا من أمراء الهند قد مات، ويحمل جسده إلى حيث يحرق. وتؤخذ أيضا زوجته، وكان اسمها أودا، في حراسة عدد من الرجال.
سأل فوغ: “ماذا سيحل بها؟” همس صاحب الفيل: “تحرق حية مع جسد زوجها المتوفى.” قال فوغ: “أبدا! علينا أن ننقذها! فلنتبعهم!”
مؤامرة جديدة
تبعوا موكب الجنازة من مسافة لا تكشف أمرهم. ثم توقف الموكب قرب هيكل، فاختبأوا بين أشجار قريبة يراقبون. رأى الرجال يعدون كومة عالية من الحطب ويوسدون جسد الأمير فوقها. وعند هبوط الليل أدخل الحرس زوجة الأمير إلى الهيكل ثم اصطفوا حول جدرانه.
راح باسبارتو يفكر طوال الليل في خطة ينقذ بها أودا. وتسلل قبيل انبلاج الفجر إلى كومة الحطب، فتسلقها واختبأ بين الجذوع. وحين انتشرت أشعة الشمس في السماء اقتيدت أودا الجميلة، وقد أغمى عليها هلعا، إلى النار. أجبرها الحرس بعد ذلك على التمدد إلى جانب زوجها الميت. وارتفعت أصوات الحضور بالترانيم وعلا قرع الطبول. ثم أشعلت النار، فارتفعت ألسنة اللهب وتصاعد الدخان يشق الفضاء.
إنقاذ في اللحظة الأخيرة
استل فيلياس فوغ سكينه، وكان يوشك أن يندفع نحو النار، لكن فجأة، انتصب باسبارتو، من قلب النار والدخان، واقفا على قمة المحرقة. ارتمى الحرس وأهل الجنازة أرضا، وقد تملكهم الهلع. وسمع واحد منهم يصيح: “بعث الأمير حيا!” أمسك باسبارتو بأودا وشدها من بين ألسنة اللهب، واندفع بها مبتعدا عن الخطر. وقد ساعدهما فيلياس فوغ في اعتلاء ظهر الفيل وانطلقوا جميعا. وراحت طلقات البنادق تتطاير وراءهم وسط صياح الجمهور الغاضب. وأفلتوا بأعجوبة!
التفتت أودا إلى منقذيها، وقد زال خطر المطاردين، فشكرتهم، واغرورقت عيناها الجميلتان بدموع الفرح. وصلوا في ذلك المساء إلى المحطة التالية، وركبوا القطار المتجه إلى كلكتا. وراح فوغ يفكر في أمر أودا، وكان يعلم أنها لن تكون آمنة في الهند. فقرر أن يأخذها معه إلى هونغ كونغ حيث فهم منها أن لها هناك ابن عم يمكن أن يتولى أمر رعايتها. لكن عندما وصلوا إلى كلكتا أوقفهم شرطي.
مواجهة جديدة
قال فوغ في نفسه: “إذا اتهمت باختطاف أودا، فلن أقبل بإعادتها إلى حتفها.” لكنه فوجئ بأن الشرطي ألقى القبض على باسبارتو بتهمة إثارة الاضطراب في المعبد. دفع فوغ في المحكمة غرامة عن التهمة الموجهة إلى خادمه. وكان التحري فكس في الغرفة الخلفية للمحكمة، وحين علم بإطلاق سراح باسبارتو ثارت ثائرته. فالأمر بالقبض على فوغ لم يكن قد وصل بعد، ولن يكون بإمكانه إعاقة رحيله.
رحيل غير متوقع
وصل فوغ وخادمه وأودا إلى السفينة البخارية المسافرة إلى هونغ كونغ في اللحظة التي كانت تهم فيها بالرحيل. وأمضى فيلياس فوغ وأودا أوقات الرحلة سعيدين، فقد أحب فيها لطفها وسحرها وأحبت فيه ثقته وعطفه وسعيه إلى إنقاذها.
أصابت الدهشة باسبارتو عندما وقعت عينه على فكس مرة أخرى. بدأ الشك يساوره في أن فكس جاسوس أرسله نادي الإصلاح ليراقبهما، لكنه لم يعلم فوغ بشكوكه. هبت عليهم في الطريق عواصف هوجاء، ومع ذلك وصلوا إلى هونغ كونغ قبل إقلاع سفينتهم التالية الكارنتك، والمتجهة إلى يوكوهاما في اليابان، بست عشرة ساعة. أسرع فوغ يبحث عن ابن عم أودا، فوجد أنه ترك هونغ كونغ وارتحل إلى هولندا ليقيم فيها إقامة دائمة.
قرار غير متوقع
قال فيلياس فوغ لأودا: “عليك أن تأتي معنا إلى أوروبا.” أما باسبارتو فقد راح يتجول في المدينة، وفاجأه أن التقى فكس، فسأله: “أأنت مسافر إلى اليابان أيضا، سيدي؟” أجاب التحري: “نعم، أنا مسافر إلى هناك.” وذهبا معا ليحجزا أماكن في السفينة المسافرة إلى يوكوهاما. وهناك علما أن السفينة ستبحر قبل الوقت المحدد.
قال باسبارتو: “سيسر سيدي لتقريب الموعد. أنا ذاهب فورا لإعلامه.” قال التحري الخبيث: “أمامنا وقت طويل. تعال نشرب فنجانا من الشاي.”
كشف الحقائق
أخيرا أخبر فكس باسبارتو، وهما على مائدة الشاي، أنه تحر، وقال له: “سيدك هو لص المصارف الهارب. ساعدني في القبض عليه وسأتقاسم معك الجائزة المحددة لذلك.” صاح باسبارتو بغضب: “هراء! إن سيدي من أشرف الرجال وأشدهم أمانة: لن أخون أبدا مثل هذا الرجل العظيم! أبدا!” قال فكس لباسبارتو المخلص: “أنت لا تعرف شيئا عن سيدك. على كل حال أريد أن نظل أصدقاء. هيا نشرب فنجانا آخر من الشاي!”
غافل فكس الخادم الأمين ووضع في فنجانه مخدرا. وما هي إلا لحظات حتى غرق باسبارتو في نوم عميق. انسل فكس بهدوء، وهو يقول في نفسه: “ستبحر الكارنتك الآن دون فوغ وخادمه! ليت الأمر المنتظر يصل! عندها ألقي القبض على فيلياس فوغ وتكون الجائزة من نصيبي!”
رحلة جديدة
انتظر فوغ وأودا عودة باسبارتو وعندما لم يعد، أسرعا إلى رصيف الميناء. ولم يجداه هناك أيضا. وجدا بدلا منه فكس الذي أعلمهما أن السفينة قد أبحرت. قال فوغ: “في هذه الحال، سأبحث عن سفينة أخرى تأخذنا!”
سرعان ما وجد فوغ قبطان سفينة صغيرة تعهد بأخذه إلى شانغهاي، ومن هناك يمكن أن يركب سفينة مبحرة إلى يوكوهاما. قال فوغ لفكس: “أنت أيضا تأخرت عن الكارنتك، أترغب في المجيء معنا؟” وافق فكس بسرور، وقال في نفسه: “لا أزال قادرا على مراقبة لص المصارف، والفضل في ذلك له وحده!”
أرسل فوغ من يبحث عن باسبارتو في أنحاء المدينة، ولكن عبثا كان يحاول. ولم يقل فكس شيئا. كان على فوغ وأودا، عندما أصبحت السفينة جاهزة للرحيل، أن يرحلا بغير الخادم الأمين. وقد أحزنهما ذلك كثيرا.
واجههما في يومهما الثاني في البحر طقس عاصف، وضرب البحر إعصار. ارتفعت أمواج هائلة وراحت تضرب السفينة، تميل بها في كل اتجاه وتكاد تمزقها. ثم هدأت الريح قريبا من شاطئ الصين. ضيعوا وقتا ثمينا، وكانوا لا يزالون بعيدين مئة ميل عن شانغهاي. وما إن لاحت لهم شانغهاي حتى بدت في عرض البحر سفينة بخارية تتجه ناحيتهم. صاح قبطان السفينة الصغيرة: “تأخرنا! فتلك سفينتكم المتجهة إلى يوكوهاما!”
الوصول إلى شانغهاي
صاح فوغ آمرا: “أرسل لها إشارات!” أبطأت السفينة الكبيرة، فاقتربت منها السفينة الصغيرة وتوقفت بمحاذاتها. وصعد فوغ وأودا وفكس إلى متن السفينة الكبيرة. ولوحوا بأيديهم للقبطان الشجاع مودعين. قالت أودا بحسرة: “ليت باسبارتو كان معنا!” على أن أحدا منهم لم يكن يعلم أن باسبارتو كان هو أيضا في طريقه إلى اليابان. فإنه رغم إحساسه الثقيل بالمخدر، تمكن من جر نفسه إلى رصيف الميناء، فحمله البحارة ورموه في قلب الكارنتك لحظة إبحارها.
وضعه البحارة في قمرته حيث استغرق في النوم. وعندما عاد إليه وعيه، فتش عن سيده، فلم يجده على متن السفينة. فأدرك أن فكس خدعه، وأحس بيأس شديد. إن تصرفه هو الذي جعل سيده يتخلف عن السفينة. إذا لم يتمكن سيده من الوصول إلى لندن في الوقت المناسب، وكان أن خسر الرهان، فتلك غلطته لا غلطة سيده!
نزل إلى الشاطئ في يوكوهاما وحيدا، لا مال عنده. تجول في الطرقات يفكر في طريقة يكسب بها مالا يمكنه من العودة إلى لندن. ثم رأى ملصقا جاء فيه: “العرض الكبير مهرجون! بهلوانات! مشعوذون! هذا المساء!” قال في نفسه: “غاية الطلب: سأعمل بهلوانا!” ودخل إلى المسرح مباشرة. قال رئيس البهلوانات: “نعم، إننا بحاجة إلى رجل قوي، يحمل الهرم البشري. عليك أن تستلقي على ظهرك، وأفراد طاقمنا يقومون بتشكيلة الهرم فوق جسدك.”
العرض الكبير
بدأ العرض في الساعة الثالثة. دخل خمسون بهلوانا المسرح قفزا على قرع الطبول. استلقى باسبارتو على ظهره، وراح البهلوانات يتسلقون فوق جسده، بعضهم فوق بعض. تعالت هتافات الجمهور واشتدت أنغام الفرقة الموسيقية صخبا عندما أخذ الهرم البشري يرتفع ويرتفع. كان باسبارتو، وهو مستلق على ظهره، قادرا على أن يرى أرجاء المسرح. وهناك، في إحدى المقصورات، رأى فوغ وأودا!
صاح باسبارتو بفرح عامر: “سيدي!” ودفع الرجال المعلقين فوقه فانهار الهرم البشري، وتساقط الرجال بعضهم فوق بعض. وهب باسبارتو يركض في المسرح سعيا إلى سيده وأودا. امتلأ المسرح ضجيجا، وطارد البهلوانات الغاضبون باسبارتو، ولكن فوغ الذي سره العثور على خادمه، هدأ من روع الغاضبين بحفنة من المال.
العودة معاً
اتجه الثلاثة نحو رصيف الميناء ليركبوا السفينة البخارية التي ستعبر المحيط الهادئ (الباسيفيكي) إلى أميركا. وقد أخبر فوغ خادمه كيف وصل هو وأودا وفكس إلى اليابان. وحكى باسبارتو كيف أضاعها وزعم أن السفينة تحركت مبكرة قبل أن يدرك هو أن سيده ليس عليها. ولم يذكر شيئا عن التحري.
أبحرت السفينة البخارية في موعدها إلى سان فرانسيسكو. وقال فيلياس فوغ: “لا بأس بما نحن عليه! إذا تابعنا على هذا المنوال فسوف نكون في نادي الإصلاح في الوقت المناسب!” أحس باسبارتو بالسعادة، فقد عاد إلى سيده وأودا، ولا يزال السيد فوغ قادرا على كسب الرهان. وأخيرا بدا أنهم تخلصوا من فكس.
مصير فكس
وكان سعيدا أيضا أنه لم يخبر سيده بأمر التحري. لا شك أن التحري كان مخطئا في ما توهم فلم يكن من داع لإقلاق سيده. كانت بشاشة باسبارتو قد عادت إليه وهو يتنزه على ظهر السفينة. فجأة لمح في إحدى الزوايا التحري فكس! فانهال عليه ضربا ولكما حتى أوقعه أرضا. وقال له بصوت كالزئير: “ذاك جزاء فعلتك القذرة! إذا حاولت أن تكرر فعلتك فسأدق عنقك!”
توارى فكس عن الأنظار طوال المدة المتبقية من الرحلة البحرية. وبعد أحد عشر يوما دخلت السفينة ميناء سان فرانسيسكو. في الليلة نفسها استقلوا القطار متجهين إلى نيويورك التي تبعد ثلاثة آلاف وسبعمئة وتسعين ميلا. سينقلهم القطار من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي خلال سبعة أيام. وكان لا يزال أمامهم ثمانية عشر يوما.
الرحلة إلى نيويورك
رأى فوغ أن الأمور تسير سيرا حسنا. والتقى في القطار السيد فكس فأدهشه ذلك وسره. أما باسبارتو فلم يندهش ولم يسر! تابع القطار في الليل هديره واندفاعه، فعبر جبال الروكي وأنهارا صاحبة. ثم أخذوا يجتازون السهول الكبرى. فجأة توقف القطار حين كانت قطعان الجواميس الأميركية تمر من فوق خط السكة الحديدية. بدت القطعان نهرا أسمر لا آخر له.
تأفف باسبارتو من التأخير. أما فوغ فبدا كعادته ثابتا رابط الجأش لا يزعزعه شيء. أقام ساعات يلعب الورق بهدوء، كأنه ليس في سباق مع الزمن. وعندما شرع القطار يتحرك أخيرا، أخذ الثلج يتساقط. عاد القلق يساور باسبارتو، لأنه كان يعلم أنه إذا تكاثف الثلج سينقطع خط القطار وتفشل الرحلة.
مواجهة الجسر المتهاوي
في اليوم الثالث، توقف القطار ثانية، وبشكل فجائي. فذهب باسبارتو يستطلع الأمر. سمع رجل الإشارة يقول: “لا، لن تجتاز النهر. فالجسر لن يتحمل القطار!” لم يكن سائق القطار من الأشخاص الذين توقفهم العقبات فقال: “إذا انطلقنا بأقصى سرعة فستعبر الجسر وكأننا نطير فوقه!” عاد السائق بالقطار القهقرى، ثم انطلق مندفعا به إلى الأمام بقوة متسارعة. راحت المحركات تزعق والقطار ينتفض، فإذا السرعة ستون ميلا في الساعة، فثمانون، فمئة! وبدا كأن الدواليب تكاد لا تلمس السكة. وكلمح البصر اجتاز القطار الجسر، لكن ما إن وصلت العربة الأخيرة الضفة الأخرى للنهر حتى تداعى الجسر وتهاوى في خضم النهر الصاخب.
الهجوم الهندي
في اليوم التالي، داهمهم الخطر مرة ثانية. فقد هاجمهم فريق من الهنود الحمر فملأوا الجو بصيحاتهم ورصاص بنادقهم. راح حوالي المئة منهم يجرون بخيولهم بمحاذاة القطار، وتسلق نفر منهم القطار. رد الركاب على طلقات البنادق برصاص مسدساتهم. قفز زعيم المحاربين الهنود إلى القاطرة، ورمى السائق ومساعده أرضا فاقدين وعيهما. ثم حاول أن يوقف القطار بأن أدار دولابا، لكن المحرك ازداد سرعة، فقد أدار الزعيم الدولاب في الاتجاه المغاير!
شجاعة باسبارتو
صاح فوغ، وهو يتجه نحو باب العربة: “لا بد من إيقاف القطار!” قال باسبارتو: “لا، يا سيدي! ليس أنت! أنا أوقفه!” تسلل باسبارتو من العربة دون أن يراه الهنود الحمر، ثم زحف إلى أن وصل إلى القاطرة، فعمل على فصلها عن سائر عربات القطار التي أخذت سرعتها تهدأ رويدا رويدا. عندما اقتربت العربات من محطة القطار، رأى الهنود الحمر على رصيف المحطة جنودا، فخافوا وولوا الأدبار. تبين في المحطة أن القاطرة، وفيها السائق ومساعده، تابعت اندفاعها إلى أن ابتلعتها المسافات. وكان باسبارتو ومسافران آخران مفقودين.
بكت أودا وهي تقول: “لقد أخذهم الهنود الحمر!” قال لها فوغ: “سأنقذ رجلنا الشجاع والمسافرين الآخرين.” ثم انطلق هو ونفر من الجنود في إثر الهنود الحمر. كان المسافرون، وبينهم أودا وفكس، ينتظرون في محطة القطار. فجأة سمعوا صوت صفارة، ثم رأوا القاطرة عائدة. أخبرهم السائق أنه حين عاد هو ومساعده إلى وعيهما كان زعيم الهنود قد فر. فشغلا المحرك وعادا بالقاطرة إلى المحطة. والآن سيستأنف القطار رحلته إلى نيويورك حالما يصعد الركاب إلى عرباتهم.
ليلة باردة وانتظار طويل
توسلت أودا قائلة: “أتتركون السيد فوغ والمسافرين الآخرين؟ أرجوكم لا تتركوهم!” أجاب السائق: “يلحقون بنا في قطار الغد.” رفضت أودا الرحيل، وانتظرت في المحطة. وبقي معها أيضا فكس الذي كان يخشى أن يفلت لص المصارف من بين يديه.
العودة مع المخطوفين
كانت تلك ليلة طويلة باردة. وعندما أشرقت الشمس على الأرض المغطاة بالثلوج والجليد، سمعت أودا صوت طلقات نارية. وبعد حين، رأت جماعة من الرجال يقتربون. فإذا هم فيلياس فوغ والجنود والرجال المخطوفون! ما كان أسعد أودا بعودة فوغ وباسبارتو إليها! وقد سمعت أخبار المغامرة التي أبدى فيها صديقاها شجاعة كبيرة. لكن فوغ أغضبه كثيرا سفر القطار دونهم. وقال: “أنا متأخر أربعا وعشرين ساعة. علي أن أكون في نيويورك في الحادي عشر من ديسمبر. فالسفينة البخارية تبحر إلى ليفربول في الساعة التاسعة من ذلك المساء!”
البحث عن وسيلة بديلة
سمع رجل كان يقف هناك كلام فوغ، فعرض أن يأخذهم في مزلجة شراعية، تتزلق على محمل فولاذي. أسرع فوغ يبدي موافقته سعيدا بهذا العرض. وسرعان ما كانت الرياح الجليدية تحملهم جميعا، ومعهم فكس، منزلقة انزلاقا سريعا فوق الجليد. وفي إحدى المدن وجدوا قطارا يوشك أن يتوجه إلى نيويورك، فركبوه. وخاطب فوغ السائق بكلمات، صاح السائق بعدها في مساعده قائلا: “انطلق بأقصى سرعة!” وراح القطار يطوي السهول والمدن والقرى طيا. أخيرا وصل نيويورك بعيد الحادية عشرة من مساء الحادي عشر من ديسمبر. لقد وصلوا متأخرين، فالسفينة البخارية كانت قد أبحرت إلى ليفربول!
خطة جديدة
لكن فوغ لا يقبل الهزيمة. أسرع إلى رصيف الميناء فوجد سفينة شحن تتأهب للإبحار. سأل القبطان: “إلى أين أنت متجه؟” أجاب القبطان: “إلى بوردو في فرنسا.” قال فوغ: “أكافئك مكافأة مجزية إذا أخذتني إلى ليفربول.” قال القبطان: “أنا مسافر إلى بوردو، فأخذكم إلى بوردو.”
بعد ساعة، كان فوغ وصديقاه، ومعهم فكس، يبحرون من نيويورك. غير أنه لم يكن في نية فوغ السفر إلى فرنسا. وأعد لذلك خطة. تكلم سرا مع البحارة، ودفع لهم مبالغ مجزية فرضوا أن يطيعوا أوامره. كان عليه أولا أن يحتجز القبطان، فاحتجزه في قمرة، وتولى هو قيادة السفينة.
مواجهة العاصفة
سارت الأمور على ما يرام إلى أن هبت عاصفة هوجاء، فأمر فوغ بإنزال الأشرعة. ودفع إلى موقد المحرك مزيدا من الفحم للحفاظ على سرعة السفينة. وراحت الأمواج العاتية تضرب السفينة الصغيرة في جو كالح قاتم مكفهر. لم يكن يفصل فيلياس فوغ عن الموعد المضروب في لندن إلا خمسة أيام، ومع ذلك كان لا يزال في وسط المحيط الأطلسي. وجاء مهندس السفينة بأنباء سيئة. قال: “الفحم يوشك أن ينفد. علينا أن نبطيء السرعة!” أجاب فوغ: “لن نبطيء الآن. انطلق بأقصى سرعة!”، ثم أمر بإحضار القبطان إلى منصة القيادة. فجاء القبطان مهتاجا وكأنه نمر من السلسلة التي تقيده.
تفاوض مع القبطان
صاح مهتاجا: “أيها القرصان! لقد سرقت سفينتي!” قال فوغ: “سرقت؟ أرغب في شراء سفينتك.” زمجر القبطان قائلا: “لن أبيعها!” تابع فوغ كلامه: “لكن، علي أن أحرقها!” دب الفزع والذهول في القبطان وقال: “تحرقها! لكنها تساوي خمسين ألف دولار!” أجاب فوغ بهدوء: “أدفع لك ستين ألف دولار.” وكانت تلك صفقة لا يستطيع القبطان رفضها. فوافق، واشترك في السباق القائم لإبقاء السفينة في السرعة القصوى. وعندما نفد الفحم، نزعوا عن السفينة كل ما يقدرون على نزعه وأطعموه للنار. وفي مساء العشرين من ديسمبر كانوا جنوبي إيرلندا.
الوصول إلى إيرلندا
لم يبق لفيلياس فوغ إلا أربع وعشرون ساعة عليه أن يصل خلالها إلى لندن ليكسب الرهان. رسوا في ميناء كورك، ثم أخذوا قطارا سريعا إلى دبلن، ومن هناك ركبوا سفينة إلى ليفربول. أحس فوغ بالأمان حين وطئت قدماه أرض الشاطئ في ليفربول. كان يعلم أن بإمكانه أن يصل لندن في ست ساعات، وكان لا يزال لديه تسع ساعات. في تلك اللحظة، أحس فيلياس فوغ بيد ثقيلة تسقط على كتفه. وسمع صوت فكس يقول: “باسم الملكة ألقي القبض عليك!” رفع باسبارتو قبضته، لكن عددا من رجال الشرطة أمسكوه، ووضع فوغ في زنزانة خاصة في دائرة الجمارك.
الكشف عن الحقيقة
حكى باسبارتو المسكين لأودا الحكاية كلها. رأى أن اللوم يقع عليه في كل ما حدث. ليته أعلم سيده بأمر فكس! جلس فيلياس فوغ في زنزانته يعد الثواني الضائعة. لم يكن يريد أن يصدق أنه سيفشل في اليوم الأخير من مغامرته. وفي الساعة الثانية والدقيقة الثالثة والثلاثين انفتح باب الزنزانة واندفع منه باسبارتو وأودا وفكس. قال فكس متلعثما: “سيدي، أنا مخطئ! فقد ألقي القبض على اللص الحقيقي منذ ثلاثة أيام! أنت طليق يا سيدي!” نهض فيلياس فوغ ببطء. مشى بهدوء نحو فكس، محدقا في عينيه، ثم وجه إليه لكمة عنيفة خاطفة طرحته أرضا. صاح باسبارتو بفرح: “ضربة موفقة، يا سيدي!”
العودة إلى لندن
استأجر فوغ قطارا خاصا، انطلق به إلى لندن بأقصى سرعة. لكن، حين كان القطار يدخل المحطة، كانت الساعة تشير إلى التاسعة إلا عشر دقائق. فقد دار حول العالم، لكنه تأخر في العودة خمس دقائق. لقد خسر الرهان. اتجه المسافرون الثلاثة منقبضي القلب إلى بيت فوغ. لم يصدر عنهم إلا كلمات قليلة. كانوا يعلمون أن فوغ قد خسر كل ماله.
حديث القلب
ذهب باسبارتو الذي كان يضع اللوم على نفسه، إلى غرفة أودا، وقال لها: “أرجوك يا سيدتي، حاولي أن تخفي عن السيد فوغ. فإنه لا يقبل مني نصحا.”
تحدث فيلياس فوغ إلى أودا عن اهتمامه بمستقبلها. فقالت له: “لو لم تنقذني لكنت كسبت وقتا.” أجاب فوغ: “المهم أنك نجوت. لا يهمني ما يصيبني. فأنا وحيد، لا أسرة لي ولا ولد.” تنهدت أودا وقالت: “شيء مؤسف. فالمتاعب يسهل احتمالها حين تجد من يشاركك فيها.” قال فوغ: “هذا صحيح.” أسرعت أودا تقول بلهفة: “وإذا، دعني أشاركك همومك. تزوجني!” أحس فوغ بسعادة عامرة وقال: “سأكون أسعد الناس.” ثم استدعى باسبارتو، وطلب منه أن يعد ترتيبات الزواج.
مفاجأة يوم الزواج
سر باسبارتو، وقال: “متى يكون الزواج، يا سيدي؟” فأجاب فوغ: “غدا، الاثنين!” جرى باسبارتو إلى رجل الدين ركضا، وقال له لاهثا: “هل يمكنك أن تقيم غدا زواج السيد فيلياس فوغ؟” أجاب رجل الدين: “لا، أيها الشاب. غدا الأحد، وليس الاثنين. فاليوم السبت.” أحس باسبارتو بقلبه يكاد يقفز من صدره، وقال: “اليوم السبت؟” تطلع رجل الدين في ذهول إلى باسبارتو وهو يقفز من الغرفة ويركض في الطريق. دخل الخادم الأمين غرفة فوغ لاهثا وهو يصيح: “أسرع، يا سيدي! كنا مخطئين! فاليوم السبت! لا يزال أمامك عشر دقائق لتكسب الرهان!”
اللحظات الأخيرة
تملكت الحيرة فوغ. لا يمكن أن يكون وقع في خطأ! فلقد حسب كل يوم. ثم أدرك أنه بارتحاله شرقا طوال الوقت كان عليه أن يضبط ساعته. كان عليه أن يؤخر ساعته ساعة كلما ارتحل مسافة خمس عشرة درجة، وأنه بدورانه حول العالم قد كسب أربعا وعشرين ساعة – يوما كاملا! فقفز يعمل بأقصى سرعة. في مساء السبت الحادي والعشرين من شهر ديسمبر اجتمع الأصحاب في نادي الإصلاح. لم يكن أحد، منذ زمن، قد سمع شيئا عن الرحلة أو عرف إن كان بطلها لا يزال حيا.
النصر في اللحظة الأخيرة
قال أحدهم: “الساعة الآن الثامنة والثلث. وصل القطار الأخير من ليفربول هذه الليلة. لن يتمكن من المجيء الآن.” قال آخر: “لا تتعجلوا الأمور، ففيلياس فوغ رجل دقيق جدا.” راحت الدقائق تمر بطيئة. وبدأ عقرب الثواني يعد الدقيقة الأخيرة. وفي اللحظة الأخيرة انفتح باب النادي على مصراعيه. قال فيلياس فوغ: “ها أنا ذا، أيها السادة.” دار حول العالم في ثمانين يوما خائضا كل أنواع المخاطر. ربح سباقه مع الزمن. ربح الرهان. وخير من ذلك كله أنه التقى أودا. كان فيلياس فوغ أسعد إنسان في العالم!
معرض الصور (قصة حول العالم في ثمانين يوما)
لا تنسي فك الضغط عن الملف للحصول علي الصور
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث