قصة جحا والتجار الثلاثة

في قصة جحا والتجار الثلاثة، تعرف على كيف استطاع جحا بمكره وذكائه التغلب على التجار الماكرين في قصة مليئة بالمغامرات والمواقف الطريفة.
عناصر القصة (جدول المحتويات)

كان يا ما كان، في قديم الزمان، رجل يدعى جحا يعيش في بلاد العرب. كان جحا معروفًا بسذاجته وحيله الذكية التي كان يستخدمها لإظهار الحكمة. في أحد الأيام، قرر جحا شراء معزة ليحصل منها على اللبن الطازج. ذهب إلى السوق حيث التقى بتاجر أمين عرض عليه معزة سمينة، ولكن أثناء مداولته للشراء، بدأ ثلاثة تجار ماكرين يتلاعبون به.

أوهمه التجار الثلاثة بأن المعزة التي يعرضها التاجر الأول غير مفيدة واقترحوا عليه شراء معزتهم الهزيلة. نجحوا في إقناعه بشراء المعزة الرديئة وعاد بها إلى منزله. لكن سرعان ما اكتشف جحا وزوجته أن المعزة لا تدر لبنًا وكانت مصدر إزعاج. شعر جحا بالغضب وقرر أن ينتقم من التجار الثلاثة.

في اليوم التالي، حمل جحا معزته الهزيلة إلى السوق وربط كيسًا من النقود الذهبية تحت بطنها، ثم تظاهر بأن المعزة تدر نقودًا ذهبية بدلاً من اللبن. حين رأى التجار الثلاثة ذلك، طلبوا منه شراء المعزة مرة أخرى مقابل مبلغ ضخم. وافق جحا وباعهم المعزة بما يعادل عشرة أضعاف السعر الأصلي.

في المنزل، خطط جحا لمقلب جديد. دفن وجبة دسمة في حفرة أمام البيت، واستقبل التجار الثلاثة بحفاوة عندما جاءوا لمساءلته عن الحيلة السابقة. باستخدام رفش مزعوم بأنه سحري، استخرج جحا الطعام المدفون أمام أعينهم وأقنعهم بأن الرفش يمكنه أن يجلب الطعام من الأرض. التجار المدهشون اشتروا الرفش السحري بسعر مرتفع، ولكن لم يحصلوا على أي طعام عند استخدامه.

لاحقًا، خدع جحا التجار مرة أخرى بأرنب مزعوم يستطيع إيصال الرسائل. باعهم الأرنب بثمن باهظ، لكنهم اكتشفوا بعد ذلك أن الأرنب لا يملك أي قدرة سحرية. في تلك الأثناء، خطط جحا لمقلب آخر، وزار السوق واشترى معزة جديدة حقيقية.

ولكن القدر كان له ترتيب آخر، إذ تم القبض على التجار الثلاثة من قبل الشرطة بسبب الغش والاحتيال. شاهد جحا التجار في السجن وهم يحاولون استخدام مفتاح مزعوم لفك الأقفال، لكن المفتاح كان مجرد حيلة من جحا.

في النهاية، عاد جحا إلى منزله سعيدًا مع معزته الجديدة، متعلمًا دروسًا قيمة حول الثقة والحيلة، بينما بقي التجار الثلاثة في السجن، يتمنون لو لم يحاولوا خداع جحا. وهكذا، عاش جحا وزوجته في سلام، يشربان اللبن الطازج من معزتهم الجديدة، محتفلين بانتصار الذكاء والطيبة على المكر والخداع.

قصة جحا والتجار الثلاثة مكتوبة

الناس في بلاد العرب، من المحيط إلى الخليج، يروون نوادر وحكايات كثيرة عن جحا – العجوز البسيط الساذج. لم يكن جحا في سعة من العيش ولا على درجة المعية من الذكاء. ولكنه دائما كان يتدبر، بشكل أو بآخر، وسيلة يظهر بها الحكمة للحكماء والاستغباء للمنحرفين والمخائلين.

شراء الماعز

مرة اعتزم جحا شراء معزة يستمتع هو وزوجه بلبنها طازجا أو رائبا أو يحضرون منه جبنا لذيذا. انطلق جحا إلى السوق مع جراب نقوده. وكان اليوم أربعاء، والسوق تعج بالتجار على اختلاف بضائعهم – خضراوات وفواكه وقماش وأحذية وبكارج وطناجر وحلويات وفطائر وجمال وخراف ومعز. وفي رحمة المتسوقين اختار جحا تاجرا توسم فيه الأمانة. فعرض عليه هذا معزة سمينة مؤصلة، وحدد له سعرها. ملس جحا ذقنه وراح يتأمل المعزة متمتما. لقد كان جاهلا بأمور المعز، وما كان لديه من سبب ليرتاب بالتاجر.

لقاء التجار الثلاثة

وهنا قاطع التاجر تمتمته قائلا: فكر على مهلك يا صاح، فلا داعي للتسرع. وفيما كان جحا يناقش التاجر كان يراقبه باهتمام ثلاثة رجال تبدو عليهم معالم الشراسة. كان الرجال يتسكعون حول فاكهاني قريب يأكلون العنب ويتفلون بذوره – أحدهم طويل نحيل بارز عظام الوجه تتدلى عليه ثيابه كالغسيل الرطب، والثاني بدين غليظ الشاربين، والثالث قليل نزق ما انفكت عيناه ترقبان السوق ببريق.

مؤامرة التجار الثلاثة

كان النحيل منهم يمسك بيده حبلا ربطت في نهايته معزة هرمة عجماء بادية عظامها تحت إهابها الأبقع، فلكأنها مثال البؤس والتعاسة ومره المزاج! وبينما كان جحا قائما يمسك ذقنه ويتفحص المعزة الممتازة التي عرضها عليه التاجر الأمين، سمع صوت الرجل النحيل: پشت، پشت! محاولا اجتلاب انتباهه. فتلفت جحا نحو الرجال الثلاثة الذين ابتسموا له بغاية الاستلطاف، ولوحوا له أن يتقدم وينضم إليهم. بادر النحيل منهم جحا هامسا: عليك أن تتوقى الحذر فيما تشتري. تلك المعزة هناك تبدو جيدة في الظاهر فقط. المعزة لا يحكم عليها بمظهرها. وتدخل البدين من الرجال مكملا: ثم إنها عالية الثمن، مسمنة على الحبوب للسوق؛ وإطعامها باهظ التكلفة. وأضاف النحيل قائلا: وهي شحيحة اللبن، بل وينقطع لبنها في بضعة أيام. إنها لا تصلح إلا الطبخ.

وبصوت واحد إنضم ثلاثتهم يقولون بحماس ظاهر: هذا لا يجوز. إنه الغش بعينه. إنها جريمة! وبعد هدأة استهجانهم ذاك، أضاف النزق منهم، دالا على معزتهم بإشارة رشيقة من يده، قائلا: نحن نعرف مبتغاك، فليس لك خير من هذه المعزة. وتدخل النحيل مقاطعا، حين توقفت المعزة الهزيلة عن مضغ سويقات من القش وراحت تحدق حواليها بأسى، ليقول: إنها لا تبدو رائعة كما ينبغي، لكن ليس من الحكمة الحكم على الأمور بظواهرها. وهنا انضم البدين إلى الحديث متابعا: إن كنت تبتغي من المعزة اللبن، فهذه معزتك، ولا غيرها.

إقناع جحا

وعاد النزق يكمل حديثه قائلا: إن ما نقوله ثلاثتنا لا نبتغي منه سوى مصلحتك. فنحن نشعر معك، لأنا مثلك من غير أهل الثراء، ويعز علينا أن نراك تهدر دراهمك. وأكملوا ثلاثتهم الكلام قائلين: هذه المعزة لقطة، فلسنا نحقق في بيعها لك أي ربح. فكأننا في واقع الأمر نعطيكها تقدمة. وهكذا نجح المخاتلون الثلاثة في بيع معزتهم العجفاء إلى جحا؛ وعاد بها هذا إلى بيته.

اكتشاف الخدعة

وما إن رأت زوجة جحا المعزة التي ابتاعها زوجها حتى صاحت به: ما هذا الذي جئت به؟ هل حقا اشتريت هذه المعزة، ودفعت فيها مالا؟ فطمأنها جحا إلى أن المعزة، رغم مظهرها، رائعة حقا – وأنه أخذ من التجار الثلاثة كلمة شرف بذلك! وراح يحدثها بسذاجته المعهودة قصته معهم كاملة. ولم يمض طويل وقت حتى تحقق جحا من أنه كان ضحية سهلة لمخاتلة التجار الثلاثة. فالماعزة العجوز ما درت ولا نقطة لبن. بل لقد كانت مصدر إزعاج لا يطاق – مرة تأكل الغسيل المنشور، ومرارا تقلق راحة الجميع بثغائها الليل بطوله. وحين أقدمت على عض حماة جحا في كاحلها صار لا بد من التخلص منها.

إعداد جحا للوجبة

وفي تلك الأثناء خرج جحا إلى مساحة البيت وراح يحفر برفشه قرب المدخل حفرة كبيرة. وما إن أنهت زوجته الوجبة الدسمة حتى رتبها جحا في أوعيتها داخل الحفرة، وطمرها بعناية ممهدا التراب فوقها بحيث لا يبدو للحفرة أثر. ثم أخذ جحا ينتظر ضيوفه أمام البيت متظاهرا بعزق مشائل الزهر في الفناء الخارجي ونزع الأعشاب منها. ولم يطل انتظاره، إذ رأى التجار الثلاثة يهرعون نحوه مسرعين. وكان الغضب والتعب باديين عليهم؛ فكان البدين المشورب يتوسط زميليه مستندا إليهم، وهو يلهث كقاطرة بخارية قديمة.

وفاجأ جحا الرجال الثلاثة بترحابه الزائد قائلا: أهلا بالأصدقاء، إنكم تعبون ولا شك. وتحتاجون إلى وجبة شهية منعشة قبل أن نبحث أي عمل. هلموا نستمتع بما يتيسر في هذا المكان الظليل. وطابت الفكرة للمخاتلين الثلاثة، فتبادلوا النظرات راضين بالوجبة المجانية قبل أن يحاسبوا جحا على الحيلة التي انطلت عليهم. أهلا بكم قال جحا مكررا بينما تناول رفشه وراح يحفر قرب المدخل. ثم تابع حديثه بهدوء، وكأنه يستجيب لنظراتهم المستغربة: يبدو أنكم على غير علم بقدرات رفشي السحري. كنت أظن الجميع يعرفون ذلك!

مفاجأة الطعام السحري

واستمر جحا يحفر ويحكي عن إمكانيات رفشه العجيب، وكيف إنه ينحف مالكه بوجبة فخمة في أي وقت من النهار – فما عليه إلا أن يختار بقعة ويحفر. ولشد ما كانت دهشة التجار الثلاثة وهم يشاهدون، بأم العين، استخراج جحا لأوعية الطبخ الحامية تفوح منها رائحة الفراخ المبهرة والأرز المفلفل والكباب الشهي والسلطة الطازجة. وهجم الرجال على الطعام كقطيع كلاب على حمل، فالتهموا كل شيء حتى ورقات الخس الأخيرة دون أن ينبسوا ببنت شفة. لكنهم من حين لآخر ظلوا يسترقون النظر إلى الرفش الذي أسنده جحا إلى الجدار بحرص على مقربة منه.

واعتدل جحا في جلسته وهو يراقب ضيوفه السعداء بوجبتهم الشهية المجانية، ثم قال وكأنه يتابع حديثه السالف: حقا إنه لشيء رائع، هذا الرفش! ولم يخف التجار تشوقهم، فقالوا بصوت واحد: إنا راغبون في هذا الرفش، وبودنا أن نبتاعه، فكم تريد فيه؟ فاصطنع جحا تنهدة متناقلة وأردف: حسنا، قد أقبل التخلي عن هذا الرفش الجواد إذا كان السعر مغريا. وكان تلهف التجار على الرفش من الشدة بحيث إنهم تراضوا سريعا مع جحا على الصفقة، وانصرفوا فرحين يدللونه وكأنه وليد جديد. وفي اليوم التالي وردت أخبار إلى جحا أن التجار الثلاثة حفروا ما يكفي لطمر سفينة كبيرة عبر شوارع البلد، معطلين حركة المرور إلى السوق – طبعا دون أن يجود عليهم الرفش بشيء!

تجهيز المقلب الجديد

لم يضع جحا وقتا – إعدادا لمقلب جديد! فقد قصد السوق وعاد بزوج من الأرانب. وسلم جحا أحد الأرانب إلى زوجته طالبا منها أن تضعه في قفص في فناء الدار، ودس هو الأرنب الآخر في عبه. وتوجه إلى زوجته قائلا: أنا ذاهب إلى الحفل لأداء بعض الأعمال. وأتوقع العودة مع ضيوفي اليوم أيضا. وأريد منك أن تعدي لنا وجبة ممتازة كما بالأمس. وقف جحا في وسط حفله يراقب الأرض بانتظار وصول التجار الثلاثة. ولم يطل انتظاره. فما هي إلا سويعات حتى رآهم في طرف الحفل أشد اهتياجا من المرة السابقة؛ وقد تغبرت رؤوسهم وتطينت ملابسهم جراء الحفر الذي واصلوه طوال الليل.

استقبال الضيوف من جديد

واستقبلهم جحا مرحبا ومتجاهلا ما حدث، فناداهم عن بعد: أهلا بالأصدقاء! كيف أحوالكم؟ واندفع الرجال نحوه مزمجرين، والنحيل منهم يلوح بالرفش مهددا. لكن جحا ظل رابط الجأش وتابع مخاطبتهم قائلا: منظركم رهيب منفر أيها الرفاق. هنالك سوء تفاهم بسيط على ما يبدو. تعالوا نبحث الأمر على غداء شهي كما بالأمس، وكل شيء سيسوى في حينه. كان التاجر النزق يريد قتل جحا على الفور، لكن فكرة الوجبة الشهية ونداء معداتهم الجوعى كانا كافيين لترطيب الجو. فهدأ صاحبنا من هياجه وقال بلهجة تهديدية مخففة: حسنا، شرط ألا تأتينا بمزيد من أحابيلك هذه المرة.

الأرنب الرسول

وأوما جحا موافقا – وهو يخرج الأرنب من عبه. وتمتم جحا بصوت مسموع: توفيرا للوقت، سأطلب من أرنبي هذا التوجه بسرعة لإبلاغ زوجتي بدعوتكم كي يكون الغداء جاهزا عند وصولنا. ثم همس بكلمات غير مسموعة في أذن الأرنب قبل أن يطلقه. وانطلق الأرنب على التو كالسهم، فرحا بحريته، عبر السهول والتلال. وتابع جحا تمتمته بصوت أعلى أمام استغراب التجار، قائلا وهو يعود بهم إلى البيت: إنها حقا الوسيلة الأسرع لبعث الرسائل. وكان هذا كافيا لاستثارة اهتمام التجار بالأرنب رغم أن أمارات الغضب لما تفارق ملامحهم.

وتزايد استغراب التجار حينما وصلوا منزل جحا فوجدوا أن الزوجة قد أعدت لهم حقا وجبة أخرى شهية. وانقض الرجال الجائعون على الطعام فما تركوا إلا أطباقا خاوية نظيفة. واسترحى التجار فوق البسط يتلمظون استطيابا ورضى رغم مظاهر الإرهاق البادية عليهم. وحين دخلت زوجة جحا لرفع الأطباق بادرها مستفسرا: أين هو ذاك الأرنب يا عزيزتي؟ هل وضعته في القفص؟ فأومت أن نعم. وتابع جحا قائلا: أظن أن ضيوفي الأفاضل يتوقون لرؤيته. سنتناول القهوة أولا، ثم نقوم لنلقي نظرة عليه.

اهتمامات التجار

وهنا تعاظم اهتمام التجار بذلك الأرنب الذكي الذي يستطيع إيصال الرسائل. إنه سيكون فائق المنفعة لهم، يرسلونه من السوق يوميا لإشعار زوجاتهم بموعد العودة لتناول العشاء، أو يبعثونه لواحدهم الآخر لإنداره باقتراب الزبائن الغاضبين فيتجنبهم علما أن لديهم الكثير من هؤلاء الزبائن. وهكذا ما إن شاهد الرجال الأرنب المستكن في قفصه يقضم جزرات من حوله حتى تقدم التاجر البدين من جحا دون تردد يسأله: ما هو الثمن المطلوب في هذا الأرنب؟ وتنهد جحا مصطنعا الجدية ليجيب: لا يخفاكم أنه من الصعب التخلي عن أرنب كهذا يتمتع بمواهب فائقة. لكني للأصحاب قد أفعل ذلك مقابل ثمن مغر. وبعد مشاورة فيما بينهم نقد التجار جحا ثمنا مغريا حقا، وأسرع البدين منهم إلى القفص ففتحه وتناول منه الأرنب بعناية بالغة.

وخطر للنحيل من التجار أن هاتوا نجربه للتو! سأطلب منه إخبار زوجتي أن تعد عشاء لثلاثتنا اليوم الساعة السادسة مساء. فوافقه الآخران دون اعتراض. وهنا أمسك التاجر النحيل بالأرنب وهمس الرسالة في أذنه، ثم أطلقه باتجاه منزله. وانطلق الأرنب في غمامة من الغبار ينهب الأرض نهبا – وما هي إلا لحظات حتى توارى عن أنظارهم عبر التلال البعيدة.

العودة إلى المنزل

وجد التجار الثلاثة في مسيرة العودة نحو منزل التاجر النحيل فبلغوه في الوقت المحدد، وقد أخذ منهم الجوع مأخذه. وسارع التاجر النحيل إلى المطبخ يتنسم أطايب ما أعدته زوجته. وأخذته الدهشة حينما لم يجد شيئا. ولم تكن دهشة زوجته، لعودته باكرا، على غير عادته، بأقل من دهشته هو. فصاح بها موبخا: أين العشاء يا امرأة؟ فأجابته مستغربة: عشاء؟ أما كنت تنوي العشاء في السوق كعادتك؟ فرد الزوج غاضبا: تعليماتي يحب أن تنفذ، وتعليماتي وصلتك لكي تعدي لنا العشاء، هنا، الساعة السادسة – يعني الآن! فأجابته الزوجة ساخرة: تعليماتك؟ لا بد أنك أبلغتنيها في منامك! إنك ما أبلغتني قط مثل هذه التعليمات.

ولم يزدد التاجر النحيل إلا حدة وهو يصر: التعليمات وصلتك. لا تنكري، لقد أرسلناها بالتأكيد! وعلا صراخ الزوجين واحتد كلاهما في مجابهة الآخر حتى تجمع المارة في الشارع وأطل الجيران من نوافذ بيوتهم المقابلة. وفي غرفة الجلوس كان رفيقا التاجر ينتظرانه بفارغ الصبر. وبلغ مسامعهما ترداد الزوجة بسخرية أشد: تعليماتك! من هو الذي حملها إلي؟ خدمك أم الرياح؟ أم جني علي بابا يا ترى؟ والزوج يرد محتدا: لا تجيبيني بهذه النبرة الساخرة! إنه الأرنب! – ألم يبلغك الأرنب رسالتي؟ وكادت الزوجة أن يغشى عليها وهي تردد: رحماك يا رب! رحماك يا رب! لقد أيقنت أن زوجها قد أصيب بمس من الجنون! وبدأ التاجر النحيل يستعيد هدوءه، وهو يكرر متلعثما: نعم، أرسلنا أرنبا.

خطة جحا الجديدة

ولم يتوان جحا في تدبير أمره لمجابهة الموقف المستجد. فقد خاطب امرأته قائلا: أنا خارج لفترة، وأتوقع أن يحضر رفاقي الثلاثة عن قريب. أخبريهم أني غائب! واستفسرت الزوجة: وإن سألوني أين يجدونك، فماذا أقول؟ جحا: وهو يغادر بوابة البيت: قولي لهم إني في السجن. لكن جحا لم يبتعد. فقد دار حول المنزل وجلس تحت نافذة المطبخ بانتظار التجار الثلاثة. وما كان عليه أن ينتظر طويلا!

غضب التجار الثلاثة

فأتى التجار الثلاثة الباب بعنف وغضب، وإذ تعوقت زوجة جحا في الجواب اندفعوا عبره عنوة إلى داخل البيت. وسأل الرجال الزوجة بحدة: أين هو زوجك، يا امرأة؟ فردت الزوجة قائلة: إنه في السجن. وافترت شفتا الرجل النحيل عن ابتسامة صفراوية وهو يقول: السجن كثير عليه. وأكمل النزق: إنه مدين لنا بالكثير. وردت الزوجة قائلة: ولكن ليس في هذا المنزل من المال شيء. وهنا انبرى البدين من التجار يقول، وهو يتناول بكارجا نحاسيا: إذن، نبدأ بهذا. بينما راح النزق يلف سجادة الأرضية.

وبينما التجار الثلاثة يجردون البيت من كل ما هو ذو قيمة فيه، انفتح الباب ودخل جحا كالعائد ظافرا من موقعة، فحيا الرجال قائلا: أهلا بالرفاق، هل أساعدكم بشيء؟ وتطلع التجار نحوه مستغربين، فقال بدينهم: ولكن المفروض أنك في السجن! فرد جحا: أدري ذلك؛ لا تذكرني بمعاناة السجن. لحسن حظي أني أملك هذا المفتاح السحري. إنه لن يعجز عن فتح أي قفل في العالم. فقط كان علي أن أنتظر غفلة الحارس. وهنا أخرج جحا من جيبه مفتاحا كبيرا – لم يكن سوى مفتاح بوابة بيته ذاته.

محادثة المفتاح السحري

وتابع جحا دعايته وهو يقلب المفتاح قائلا: إنه لمفتاح رائع حقا. فتدخل التاجر النزق قائلا: إحدى بدعك مجددا يا جحا – لقد شبعنا منها! وانبرى البدين متحديا: جربه أمامنا. ووافقه النحيل متابعا: نعم، جربه – إن كان حقا رائعا فجربه – وتلفت حوله فلم ير إلا بوابة الدار، فأكمل: جربه في الباب! وسر جحا بذلك الاختيار، إذ كان من الطبيعي أن يفتح الباب بمفتاحه دون عناء. وتابع جحا بجدية مصطنعة لإضفاء جو من المصداقية على كلامه قائلا: لكن بصراحة، إن فاعلية هذا المفتاح سباعية – يعني أنه لن يصلح إلا لخمس مرات بعد.

تهديد التجار

وتبادل التجار الثلاثة النظرات، بادر النزق منهم جحا بالقول: إذن أنت هارب للتو من السجن. ماذا لو اتصلنا بصديقنا رئيس الشرطة وأعلمناه بمكان وجودك؟ وتابع النحيل قائلا: أو إنك تريدنا أن نسكت عنك؟ وتدخل ثالثهم البدين شارحا: ولكن سكوتنا له ثمن! وتطلع جحا إليهم واحدا بعد الآخر متصنعا التوسل والاستعطاف، وهو يقول: أي شيء، أي شيء ولا السجن. أعطيكم ما تريدون ولا تشوا بي إلى رئيس الشرطة. قال التاجر النزق تعطينا المفتاح، ونحفظ سرك عن الجميع. فما كان من جحا إلا أن ناولهم المفتاح بتردد ظاهر وسرور خفي. وغادر التجار الثلاثة فرحين بالمفتاح العجيب كإنجاز حققوه في أمسيتهم تلك.

شراء ماعزة جديدة

كان اليوم التالي يوم أربعاء. فقال جحا لزوجته: اليوم أذهب إلى السوق وأشتري لنا معزة حلوبا حقا هذه المرة. وفي طريق العودة سأمر على الحداد لأشتري قفلا جديدا لهذه البوابة. وانطلق جحا باكرا مشيعا بدعوات التوفيق من زوجته. ودخل جحا في مسارب السوق الضيقة نحو مرابط المعز حيث اشترى معزته الأولى. وعلى مقربة من المكان شاهد جمهورا حاشدا من الناس يزعقون ويتدافعون.

اعتقال التجار

وقف جحا في مؤخرة المحتشدين يتحرى ما يجري، فما رأى شيئا وحين استفسر ممن حوله، أجابه أحدهم: إن رئيس الشرطة ورجاله قد اعتقلوا بعض التجار. وأضاف آخر: كان ينبغي أن يسجنوهم منذ زمن بعيد. لقد دأبوا على الغش والاحتيال دون وازع. فكأنهم لا يكنون للقوانين احتراما ولا حرمة. وفي تلك اللحظة أخذ الناس يفسحون جانبا لمرور رئيس الشرطة وسجنائه. ولم يكتم جحا فرحته وعدم استغرابه إذ لم يكن المعتقلون سوى التجار الثلاثة إياهم. وفي أثناء مرورهم لحظ النزق منهم جحا، فتبسم له وراح يدق على جيبه بإحدى يديه وكأنه يقول: السجن لن يطول ما دام المفتاح في حوزتي!

فرحة جحا

اشترى جحا معزة تسر الناظرين واستضاف بعض الأصدقاء لشرب القهوة في مقهى السوق احتفالا بذلك. وفي طريقه إلى الحداد لشراء القفل الجديد مر بالسجن فرأى المخاتلين الثلاثة مستندين بقهر وحزن إلى قضبان شباك في الطابق العلوي منه، وفي يد النزق منهم مفتاح القفل القديم لمنزله. فتبسم جحا راضيا، وانزوى بسرعة في زقاق جانبي قبل أن يراه أحد منهم.

معرض الصور (قصة جحا والتجار الثلاثة)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى