قصة كنوز الملك سليمان
ملخص قصة كنوز الملك سليمان
في بلاد بعيدة حيث المغامرات لا تنتهي، عاش رجل يدعى “ألن كواترمان”، صياد ومغامر شجاع. ذات يوم، بينما كان في رحلة بحرية، التقى برجلين إنكليزيين: السير هنري كورتس والكابتن جود. اكتشف ألن أن السير هنري يبحث عن أخيه جورج، الذي اختفى في رحلة بحث عن كنوز الملك سليمان الأسطورية. عزم الثلاثة على الانطلاق في مغامرة خطيرة للوصول إلى تلك الكنوز.
بدأت الرحلة بمشقة، فقد ساروا عبر الصحارى القاحلة وتسلقوا جبالًا شاهقة. في الطريق، انضم إليهم رجل حكيم من قبيلة الزولو يُدعى “أمبويا”. لكن المفاجأة الكبرى كانت أن أمبويا كان في الحقيقة الأمير “إجنوزي”، الوريث الشرعي لعرش شعب الكوكوانا، الذي اغتصب عمه الملك طوالا حكمه.
عند وصولهم إلى مملكة الكوكوانا، رأى الثلاثة بعينهم مدى القسوة التي يحكم بها الملك طوالا شعبه. كان الملك يحتفل بحفلات مخيفة يقتل فيها الأشخاص الذين لا يرضى عنهم. وفي إحدى الليالي، قرر الملك التضحية بفتاة جميلة تُدعى “فولاطا”، لكن الكابتن جود وقف بشجاعة لحمايتها. في تلك اللحظة، حدث شيء غريب ومدهش، إذ ظهر خسوف للقمر، مما جعل الناس يظنون أن أصدقاء ألن قادرون على التحكم في السماء. خاف الملك طوالا وتراجع، ولكن ابنه الشرير سكراجا حاول مهاجمة السير هنري، وانتهى الأمر بمقتله.
بعد هذا الحدث، أعلن إجنوزي، بمساعدة ألن ورفاقه، عن نفسه ملكًا شرعيًا لشعب الكوكوانا. وقف المحاربون إلى جانبه في معركة حاسمة ضد جيش طوالا. بخطة ذكية، تمكن إجنوزي من هزيمة عمه وأصبح الملك الجديد. وبذلك وعد شعبه بعهد جديد خالٍ من الظلم والقتل العشوائي.
بعد تتويج إجنوزي ملكًا، قرر ألن ورفاقه متابعة هدفهم الأصلي: العثور على كنوز الملك سليمان. أرشدتهم الساحرة الشريرة جاچول إلى جبل الكنز. وعندما وصلوا إلى غرفة مليئة بالماس والذهب، شعرت جاچول بالغيرة وحاولت إغلاق الباب الصخري عليهم لتتركهم حبيسي الكهف. لكن فولاطا، التي كانت قد أصبحت جزءًا من المجموعة، تدخلت وقاتلت الساحرة، مما أدى إلى موت جاچول وإغلاق الباب الصخري على جسدها.
على الرغم من الرعب واليأس، اكتشف ألن ورفاقه مخرجًا سريًا وقادهم إلى الحرية. عندما خرجوا أخيرًا، وجدوا إنفادوس بانتظارهم، ورغم أنهم فقدوا الثروة الهائلة، نجوا بحياتهم.
وفي طريق العودة إلى ديارهم، حدثت معجزة. في واحة نائية، وجد السير هنري أخاه جورج، الذي كان قد ضاع منذ زمن طويل بعدما أصيب بكسر في ساقه. بفضل لمّ الشمل، انتهت الرحلة بأمان، وعادوا جميعًا إلى ديربان. ورغم التحديات والمخاطر التي واجهوها، فقد أصبحوا جميعًا أثرياء بفضل الماس الذي أخذوه معهم من كنوز الملك سليمان.
وهكذا، عاد ألن إلى حياته الطبيعية، لكن هذه المغامرة غيرت حياتهم جميعًا، وجعلتهم أبطالًا خالدين في حكايات بلاد الكوكوانا.
قصة كنوز الملك سليمان مكتوبة
لعل من الغريب أن رجلاً مثلي، بلغ الخامسة والخمسين من عمره، ولم يسبق له أن كان يوماً كاتباً، يجد نفسه منكّباً على كتابة قصة. عشت في جنوب إفريقيا حياة حافلة بالإثارة، قضيتها في الترحال والصيد واستغلال المناجم. القصة التي سأرويها لكم غريبة، وقد آن الأوان للشروع بها.
اسمي ألن كواترمان، من مدينة ديربان في جنوب إفريقيا. كنت قبل ثمانية عشر شهراً على متن سفينة بخارية، في طريق عودتي من رحلة صيد. وكان بين المسافرين رجلان إنكليزيان.
الرجل الأول كان السير هنري كورتس، وهو أحد أضخم من عرفت من الرجال، وكان ذا شعر أشقر ولحية كثيفة. أما الثاني فهو الكابتن جون جود، ضابط بحري أنيق، حليق اللحية، يضع على عينه اليمنى نظارة أحادية. وقد علمت فيما بعد أنه لم يكن ينزع تلك النظارة إلا عند النوم، وينزع معها أيضاً طقم أسنانه الاصطناعية!
كان مقدراً لي أن يكون بيني وبين هذين الرجلين معرفة وثيقة، وأن يشاركاني في أعظم مغامرة خضتها في حياتي!
اللقاء الأول
التقيت بالرجلين على العشاء في أول ليلة من ليالي الرحلة البحرية. وحين عرفت بنفسي، بدا الاهتمام على وجه السير هنري، فمال نحوي وقال: “يا سيد كواترمان، سمعت أنك كنت في العام الماضي شمالي الترانسفال. فهل اتفق أن قابلت رجلاً يدعى نقل؟”
أجبت: “نعم، لقد رافقني أسبوعين، ثم اتجه صوب الداخل.”
سألني السير هنري بقلق: “أتعلم أين كانت وجهته؟”
ترددت قليلاً قبل أن أجيب: “تناهى إلي شيء من ذلك…”
نظر السير هنري والكابتن جود أحدهما إلى الآخر، ثم التفت السير هنري إلي وقال: “يا سيد كواترمان، سأطلب معونتك. فالمعروف باسم نقل هو أخي الوحيد، جورج.”
سر جورج
لم أستطع إخفاء اندهاشي، ثم شرع السير هنري في شرح الأمر قائلاً: “منذ خمس سنوات، وقع بيني وبين أخي خصام، كالذي يقع بين الإخوة. بعد ذلك، توفي والدي دون أن يترك وراءه وصية، فآلت ممتلكاته كلها إلي باعتباري الابن الأكبر. ولم ينل أخي شيئاً. وكنت، بطبيعة الحال، راغباً في إعطاء أخي نصيبه من الإرث، لكن حاقة الكبرياء التي خلفتها الخصومة منعتني من ذلك.”
تنهد السير هنري وتابع قائلاً: “اتخذ أخي اسم نقل دون أن يعلمني بالأمر، وجاء إلى إفريقيا يراوده حلم بالثروة. ومنذ ذلك الحين، لم أسمع شيئاً عنه. فجئت أنا والكابتن جود على أمل العثور عليه.”
قلت: “سمعت أنه متجه إلى كنوز سليمان.”
صاح الرجلان بدهشة: “كنوز سليمان! ما هي تلك الكنوز؟”
أسطورة كنوز سليمان
أشعلت غليوني وقلت: “لا أعرف عنها إلا ما قيل لي عن موقعها. كنت لا أزال شاباً يافعاً حين حدثني صياد عجوز عن أسطورة كنوز الملك سليمان. ذكر لي أنها تقع في مجاهل الصحراء الكبرى الممتدة وراء جبال سليمان، وأن رجال قبائل الزولو التي تعيش في تلك البقاع يعرفون سير الحجارة البراقة.” أضحكتني الحكاية آنذاك، ثم نسيت أمرها.
نظرت إلى الرجلين نظرة تأمل.
لقاء البرتغالي جوزيه سلفستر
على أي حال، فقد اتفق أن قابلت، بعد عشرين عاماً من ذلك الوقت، في قرية ستاندا، رجلاً برتغالياً اسمه جوزيه سلفستر، كان عازماً على عبور الصحراء. وقد ذكر لي سلفستر أنه سيكون، بعد عودته من رحلته، أغنى رجل في الدنيا.
بعد أسبوع، رأيت الرجل يدخل مخيمي زاحفًا، وقد بدا عليه الوهن الشديد. فقمت على خدمته ومداواته، لكنه كان على مشارف الموت. وحين أحس بدنو أجله، أعطاني خريطة عتيقة مشيرًا إلى أنها ترسم الطريق إلى كنوز الملك سليمان، وأن أسرته احتفظت بها مدة ثلاثمئة عام. لقد حاول الرجل سلوك هذا الطريق، لكنه انهزم أمام قسوة الصحراء.
ولا أزال أحتفظ بتلك الخريطة.
عرض الخريطة والقرار بالرحلة
دعوت السير هنري والكابتن جود إلى خيمتي، وأخرجت الخريطة البالية، ورحنا نتأملها نحن الثلاثة. وضع السير هنري إصبعه على الخريطة وبدأ يتتبع المسار المرسوم بدءًا من نهر “كالوكوي” الذي يشق الصحراء، وصولًا إلى النقطة الواقعة بين قمتي جبل “سبأ” التوأمين، وأخيرًا إلى طريق سليمان الذي يؤدي إلى مغارة الكنوز.
سألني السير هنري: “أتظن أن أخي ذهب إلى هناك؟”
أجبته بثقة: “بل أجزم بذلك. فقد ذكر لي الدليل الذي رافقه وجهته.”
وقف السير هنري وقال بحزم: “يا سيد كواترمان، أنا ماضٍ للبحث عن أخي، سواء أصدقت أسطورة الكنوز أم لا. أترافقني؟”
قلت بجدية: “قد نهلك في تلك الرحلة، لكن إن كنت مستعدًا للمخاطرة، فأنا كذلك.”
الاستعداد للرحلة
عندما رست السفينة في ديربان، أخذت صديقي الجديدين إلى بيتي، وشرعنا في الاستعداد لمغامرتنا الكبرى. اشترينا مؤنًا وبنادق وذخيرة. وقبل يوم واحد من موعد انطلاق الرحلة، جاء رجل من أهل البلاد يطلب مقابلتي. كان رجلاً طويل القامة ذا بشرة أغمق قليلًا من بشرة قبائل الزولو.
رفع الرجل نبوته تحيةً، وقال: “اسمي أمبويا. سمعت أنك ستقود بعض البيض شمالًا. أصحيح ما سمعت؟”
كنا قد أخفينا الغاية الحقيقية من رحلتنا، فنظرت إليه نظرة ارتياب وسألته: “لماذا تسأل؟ وما الذي يعنيك في الأمر؟”
أجابني الرجل بهدوء: “الأمر، أيها الرجل الأبيض، هو أنني أرغب في السفر معكم.”
أمبويا ينضم إلى الفريق
حيرني أسلوبه المترفّع في الحديث ورصانة شخصيته. بدا لي متميزًا عن رجال الزولو العاديين. فقلت: “لا نعرف عنك شيئًا.”
ردّ أمبويا: “أنا واحد من أفراد قبيلة الزولو، لكنني لست منهم. قدمت من الشمال طفلاً، وتنقلت في هذه البقاع لسنين عديدة. والآن، أشعر بالتعب، وأرغب في العودة إلى الشمال.”
ترجمت كلماته للسير هنري والكابتن جود. وقف السير هنري قبالته، وبدا له أمبويا، بملامحه القوية وثوبه المصنوع من جلد النمر، وعقده المكون من مخالب الأسد، رجلاً ذا عزم ومهابة.
قال السير هنري بإنكليزية واثقة: “أتوسم فيك خيرًا. سأخذك معي، وستكون مرافقًا لي.”
تمتم جود ضاحكًا: “هذان الرجلان يليق أحدهما بالآخر. ألا ترى ذلك؟ كلاهما طويل وحازم.”
بدا على أمبويا أنه فهم ما دار حوله من حديث، فقال بابتسامة: “شكرًا على موافقتكم.”
تمت الاستعدادات، وشرعنا في صباح اليوم التالي في رحلتنا الخطرة.
الدخول إلى الصحراء
غادرنا ديربان في نهاية شهر يناير. وبحلول منتصف مايو، كنا قد قطعنا مسافة تزيد على ألف وستمائة كيلومتر. رغم الإنهاك الذي أصابنا، حافظنا على معنوياتنا العالية.
أخيرًا، وصلنا إلى حافة الصحراء، ووقفنا نتأمل الرمال الممتدة أمامنا. كانت الشمس تتجه نحو المغيب والسماء صافية بشكل ساحر. استطعنا أن نرى في الأفق البعيد خيالات زرقاء، خلفتها جبال سليمان.
قلت مشيرًا إلى الأفق: “ذلك هو الجدار الذي يحيط بكنوز الملك سليمان.”
قال السير هنري بصوت خافت: “أخي هناك.”
سمعنا صوت أمبويا من خلفنا يقول: “لعلي أجد أنا أيضًا أخًا لي فوق تلك الجبال. هنالك أرض غريبة الأطوار، أرض أناس بواسل وطريق أبيض طويل.”
التحذير من أمبويا
نظرت إلى أمبويا بارتياب، فقد بدا أنه يعلم أكثر مما يفصح به. لاحظ ارتيابي وسألني مطمئنًا: “لا تخف مني، سأخبرك بكل ما أعلم إذا قدر لنا عبور الجبال.”
قضينا اليوم التالي في الراحة التامة، استعدادًا للرحلة عبر الصحراء. انطلقنا مع طلوع القمر الذي أضاء المكان بفيض من نوره، حيث كان علينا السفر ليلاً لتجنب حرارة الشمس المحرقة. سرنا في هدوء وصمت، كالأشباح التي تطأ الأرض برفق، حتى انبلج الصباح وارتفعت الشمس مغلفة الصحراء بوهجها الحارق.
بحثنا عن ملجأ يحمينا من حرارة الشمس القاسية. مرت الأيام والليالي على هذا الحال؛ سفر في الليل وراحة في النهار. ولكن، وصلنا إلى مرحلة كان فيها الماء الذي نحمله على وشك النفاد.
البحث عن الماء
تملكني الخوف وقلت: “علينا أن نجد ماءً!”
شرعنا نبحث عن بئر الماء التي تشير إليها خريطة سلفستر. بعد بحث يائس، تتبعنا آثار أقدام محفورة حديثًا في الرمال، حتى وجدنا مجموعة من البشر. كنا على وشك الهلاك من العطش، فاندفعنا نحو الماء بشغف، ثم ملأنا مطراتنا وقربنا، وانطلقنا مجددًا في طريقنا.
تسلق جبال سليمان
أخيرًا، اقتربنا من جبال سليمان، مخلفين الصحراء وراءنا. بدأنا في تسلق المنحدرات البركانية لقمة جبل “سبأ” اليسرى. وهنا نفد الماء مرة أخرى، لكننا وجدنا بعض ثمار البطيخ البرية. ورغم أنها لم تكن لذيذة، فإنها أنقذت حياتنا.
تابعنا طريقنا نحو القمة، حتى وصلنا إلى بقاع مغطاة بالثلوج. وقفنا على قمة جبل شاهق، وقد أنهكنا التعب والجوع. ولكن المنظر الذي انكشف أمام أعيننا كان مذهلًا، فقد رأينا غابات كثيفة تمتد في الأسفل، ونهرًا عظيمًا يشق طريقه عبر سهل واسع.
اكتشاف طريق سليمان
على مقربة منا، رأينا ظبيًا ينعم بدفء الشمس. أخيرًا، وجدنا طعامًا! صوبنا بنادقنا وأطلقنا النار بدقة، وبعد تناول العشاء أحسسنا بالحياة تعود إلى أجسادنا.
فجأة، صاح السير هنري: “انظروا! ذاك هو طريق سليمان!”
نظرت أنا وجود إلى حيث أشار السير هنري، فرأينا الطريق غير بعيد عنا. نزلنا المنحدر حتى بلغنا الطريق، وقد بدت لنا وكأنها منحوتة من صخر أملس. قررنا أن نسلك هذا الطريق.
لقاء الغرباء
بعد بضعة كيلومترات، توقفنا عند نهر للراحة. الجميع استراحوا ما عدا جود، الذي كعادته في الأناقة نزل إلى النهر ليغتسل، ثم شرع في تنظيف سترته بعناية فائقة. بعد ذلك، أخرج موسى حلاقة وبدأ يحلق ذقنه. كنت أراقبه بتكاسل.
فجأة، لمع شيء قرب رأس جود. كان ذلك الشيء رمحًا!
في هذه اللحظة، رأينا عددًا من الرجال ذوي البشرة النحاسية، يرتدون ثيابًا مصنوعة من جلد النمر، ويضعون فوق رؤوسهم أغطية من الريش الأسود. تقدم نحوهم محارب كبير في السن، وهو من رمى الرمح.
المواجهة مع المحاربين
بادرتهم بلغة الزولو قائلاً: “السلام عليكم!”
أجابني قائدهم بلغة قريبة من الزولو، مما سهل علي وعلى أمبويا فهمه. قال وهو يشير إلى أمبويا: “وعليكم السلام. من أنتم؟ ولماذا وجوهكم بيضاء بينما وجه هذا الرجل نحاسي مثلنا؟”
لقد كان محقًا في ملاحظته، فأجبته: “نحن أغراب مسالمون.”
ردّ القائد بحدة: “أغراب؟ في مملكة كوكوانا، الأغراب محكوم عليهم بالموت! إنه قانون الملك.”
ردة فعل المحاربين على جود
بدا الاضطراب على جود عندما شعر بالموقف، فمد يده إلى طقم أسنانه الاصطناعية، كما اعتاد أن يفعل كلما ارتبك. حرك الجانب العلوي من الطقم داخل فمه ودفعه إلى جانب حنكه. فجأة، صرخ المحاربون التياهون بفزع وارتدوا إلى الخلف!
همس السير هنري بانفعال: “إنها أسنانك الاصطناعية يا جود! انزعها من فمك فورًا.” أسرع جود بإخراج طقم أسنانه وأخفاه في كمه، وكان الفضول قد بدأ يتغلب على خوف المحاربين.
قال كبيرهم باندهاش: “كيف تفعل ذلك أيها الغريب؟”
ضحك جود كاشفًا عن فم خالٍ من الأسنان، مما زاد من صدمة الرجال. ثم أعاد الطقم إلى فمه بحركة ذكية وسريعة، وكشف مرة أخرى عن صفين بديعين من الأسنان.
ظهر الرعب على وجه قائد المحاربين وهو يقول بتلعثم: “لا شك أنكم من الجن! كيف يمكن أن ينبت للرجل شعر على جانب واحد من وجهه، وله عين شفافة، وساقان بيضاوان، وأسنان تختفي وتظهر من جديد؟ عفوكم، يا سادة!”
استعراض القوة
لقد أنقذت هيئة جود الفريق، وكان ذلك ضربة حظ عظيمة. أسرعت بالرد بصوت حازم: “نحن آتون من النجوم! سأريكم ما نحن قادرون على فعله. سأريكم كيف نصدر ضجة قاتلة.”
فهم أمبويا ما أعنيه، فأسرع وأعطاني بندقيتي. ثم انحنى إجلالاً وقال مخاطبًا إياي: “إليك، يا سيدي، الأنبوب السحري.”
في تلك اللحظة، رأيت ظبيًا قريبًا وسهل المنال، فصوبت بندقيتي وأطلقت النار، ليسقط الظبي صريعًا.
قلت للقائد: “ترى أني أعني ما أقول.”
فرد كبير القوم متلعثمًا: “ونحن مصدقون.”
تقديم أنفسهم
ثم قال القائد: “اسمعوا، يا أبناء النجوم. أنا إنفادوس، ابن كافا الذي كان ذات يوم ملك شعب كوكوانا. وهذا الشاب هو سكراجا، ابن الملك طوالا الأسود المرعب.”
قلت بحزم: “وإن يكن! خذنا إلى طوالا، لكن لا تحاول خداعنا. إن حاولت ذلك، فسيدمرك شعاع العين الشفافة، وستنغرز في جسدك الأسنان الطائرة، وستنطق بنادقنا السحرية بأصوات قاتلة. فاحذر!”
لقاء إنفادوس وسكراجا
أثرت هذه الكلمات في إنفادوس، فانحنى بعمق وقال بصوت همهمي: “كوم! كوم!”، وقد فهمت لاحقًا أن هذه الكلمة تعني الاحترام الموجه للملوك لدى شعب الكوكوانا. في تلك اللحظة، لاحظت وجه سكراجا، ابن الملك، وكان مليئًا بالغضب.
تابعنا مسيرتنا عبر الطريق البيضاء الطويلة. وخلال المسير، سألت إنفادوس عن باني تلك الطريق.
تاريخ الطريق البيضاء
أجاب إنفادوس: “لا يعلم أحد من بنى الطريق أو متى بنيت. لقد كانت موجودة منذ آلاف السنين، عندما اندفع شعبنا من الشمال مثل العاصفة واستقر في هذه الأرض. لم يكن بإمكان شعبنا مواصلة التقدم بسبب الجبال الشاهقة التي تحيط بنا. هذا ما تحدثت به جاچول الساحرة العجوز.”
ثم أشار بيده إلى الأرض المحيطة وقال: “استقر شعبنا هنا وأصبح قويًا. اليوم، إذا استدعى الملك طوالا محاربيه، يغطي ريش رؤوسهم السهل بأسره.”
قصة الملك طوالا
سألت إنفادوس عن الملك طوالا، فبدا الحزن على وجهه وهو يجيب: “عندما توفي والدي، تولى الحكم من بعده أخي إيموتو. كان إيموتو ملكًا صالحًا، وكان له ابن يُدعى إجنوزي. لكن عندما بلغ إجنوزي الثالثة من عمره، حلت بالبلاد مجاعة كبيرة، وبدأ الشعب بالتذمر.
في تلك الفترة، قالت جاچول، الساحرة المرعية، إن إيموتو لا يصلح للحكم. فجلبت طوالا، وهو أيضًا أخي، وأظهرت للشعب علامة الحية المقدسة التي تحيط بخصره، وصاحت: ‘هذا هو ملككم!'”
قصة إجنوزي ومقتل إيموتو
صمت إنفادوس للحظة ثم تابع كلامه قائلاً: “قتل طوالا أخاه إيموتو، ونصب نفسه ملكاً.”
سأل السير هنري: “ما الذي حل بالصبي إجنوزي؟”
أجاب إنفادوس: “أخذته الملكة وفرت به إلى خارج البلاد. لم يسمع أحد شيئاً عنهما بعد ذلك. لا بد أنهما ماتا.”
كان أمبويا يستمع باهتمام، وارتسم على وجهه تعبير غريب.
وصلنا في نهاية حديثنا إلى القرية التي يعيش فيها إنفادوس. أرسل من ينبئ بوصولنا، فوجدنا آلافاً من محاربي الكوكوانا في انتظارنا. كان على رأس كل منهم ريش أسود، وحول خصرهم أطواق. وحين مررنا أمامهم، رفعوا رماحهم وحيوّنا بالتحية الملكية: “كوم!”
أقمنا في القرية ليلة مريحة. وفي صباح اليوم التالي، تابعنا مسيرتنا عبر الطريق العظيمة إلى “لو”، مركز ملك طوالا الرئيسي. على الطريق، رأينا الكثير من المحاربين يسبقوننا مسرعين. أخبرنا إنفادوس أنهم يتوجهون إلى “لو” للاشتراك في العرض العسكري السنوي للجيش.
الوصول إلى مدينة “لو”
لم أرَ في حياتي مثل هذا العدد من الجنود! عندما تراءت لنا مدينة “لو”، مقر الملك، بدت كبيرة يخترقها نهر، وخلفها جبال شاهقة.
قال إنفادوس: “الطريق العظيمة تنتهي عند تلك الجبال المليئة بالكهوف التي تُعرف باسم الساحرات الثلاث. بين تلك الجبال فجوة سحيقة تحرسها الأرواح. حكماء الأيام الغابرة توجهوا إلى هناك ليجلبوا ما جاؤوا من أجله.”
سألت بلهفة: “ما الذي جاؤوا من أجله؟ الحجارة البراقة؟”
أجاب إنفادوس: “لا أستطيع الإجابة. عليك أن تسأل جاچول العجوز.”
التفت إلى أصدقائي وقلت لهم: “كنوز الملك سليمان في تلك الجبال!”
أسرع أمبويا يقول: “الماس هناك، لا شك في ذلك.”
سألته بحدة: “ما الذي يجعلك واثقاً مما تقول؟”
ضحك أمبويا وقال: “رأيته في نومي، أيها الرجل الأبيض!” ثم استدار ومضى.
لقاء الملك طوالا
وصلنا إلى “لو”، وأُخذنا إلى ساحة واسعة أمام قصر الملك. هناك، رأينا آلاف المحاربين واقفين دون حراك، وكأنهم تماثيل. خرج الملك طوالا من قصره، فإذا به رجل ضخم يضع على جسده جلد نمر. خلفه خرج ابنه سكراجا، وتبعتهم عجوز نحيفة تلتف بعباءة من فرو، تلك كانت الساحرة جاچول.
ضجت الساحة بتحية ملكية: “كوم!” ثم ساد المكان صمت تام، كصمت الأموات، حتى أسقط أحد المحاربين درعه.
صاح طوالا في هياج شديد: “اقتلوا هذا المحارب!” كشر سكراجا عن أسنانه، ورفع رمحه ليقذفه نحو المحارب المنكود الحظ، فأرداه قتيلاً. يا له من حاكم شرير!
مواجهة مع طوالا
التفت طوالا إلينا بوجهه الوحشي وقال: “ما الذي يمنعني من قتلكم أيضاً، يا أبناء النجوم؟”
رفعت بندقيتي بسرعة البرق وقلت له: “هذه تمنعك!” ثم صوّبت بندقيتي نحو ثور قريب وأطلقت النار.
فجأة، كشفت جاچول عن عباءتها، فبدت عجوزاً شمطاء. راحت تدور حولنا، قائلة بصوت غريب: “أشتم رائحة دم! أيها الرجال البيض، لقد جئتم بحثاً عن الماس. لكن من أنت يا ذا الهامة العالية؟”
التفتت إلى أمبويا وتابعت بصوت نافذ: “أنا أعرفك… اخلع عباءتك.”
لم تحتمل جسدها الهزيل الجهد الذي بذلته، فسقطت أرضاً.
ملكية أمبويا وكشف الحقيقة
بدا على طوالا الاضطراب وهو يقول: “اذهبوا في سلام.”
قلت لإنفادوس ونحن في الكوخ الذي خصص لنا: “يبدو أن طوالا ملك شرس وظالم.”
أحنى إنفادوس رأسه وقال: “إنه ظالم حقاً يا سادتي. الليلة ستشهدون احتفالاً مروعاً، حيث تختار جاچول، أثناء الاحتفال، أشخاصاً ليتم قتلهم. سيكون من بين هؤلاء من يخافهم الملك أو من يريد الاستيلاء على شيء منهم. لا أحد هنا يأمن على حياته، فقد ضل الشعب تحت حكم طوالا الوحشي.”
سأل جود: “لماذا لا يطيحون بحكمه؟”
أجاب إنفادوس: “سيحل محله ابنه سكراجا، وقلبه أشد سواداً من قلب أبيه. يا ليت إيموتو أو ابنه كانا على قيد الحياة!”
فجأة، انتصب أمبويا وقال بصوت هادئ وعميق، موجهاً كلامه إلى إنفادوس: “إجنوزي لم يمت. انظر، سأريك يا عمي.” ثم ألقى عنه جلد النمر، فكشف حول خصره وشماً على شكل حية زرقاء.
حدق إنفادوس مذهولاً، ثم انحنى على الأرض وهتف: “كوم! كوم! أنت ابن أخي. أنت الملك!”
أمسك أمبويا بعمه قائلاً: “انهض يا عمي. ما صرت ملكاً بعد. لكن، هل لك أن تساعدني أنت وهؤلاء البيض البواسل على الإطاحة بذلك الطاغية؟”
صحنا جميعاً: “سنساعدك!” ووعد إنفادوس بتجنيد عشرين ألف محارب لهذه الغاية.
التفت إجنوزي إلينا وقال: “إذا ساعدتموني، ما الذي أقدمه لكم؟ الحجارة البراقة؟ سأقدمها لكم.”
رد السير هنري قائلاً: “سنساعدك، يا أمبويا، ولا شأن للماس في ذلك. فأنت تعلم أننا جئنا هنا بحثاً عن أخي. فهل رآه أحد من أهل البلاد؟”
أجاب إنفادوس: “لم تطأ قدما رجل أبيض أرضنا. لو حدث ذلك، لعرفت.”
أمال السير هنري رأسه حزناً وقال: “يا لأخي المسكين. لقد ضاعت مشقات رحلتنا هباءً.”
احتفال الموت المخيف
في تلك الليلة، حضرنا احتفال الموت المروع. اصطف آلاف المحاربين في الساحة المغمورة بضوء القمر، وبدأت الساحرة جاچول ترقص رقصة مرعبة، وهي تدور في الساحة وتقول بصوت يشبه فحيح الأفعى: “أشتم رائحة شرير.”
أشارت إلى أحد الرجال وأرسلته إلى الموت. استمرت في رقصتها، وهي تشير بيدها إلى واحد تلو الآخر، وكل من تشير إليه يُقتل. أخيراً، اتجهت نحونا في رقصتها.
أصيب جود بالذعر وصاح: “ستجرب ألاعيبها علينا!”
لكنها لمست إجنوزي وقالت: “الشر يملؤه. اقتلوه!”
سددت بندقيتي نحو صدر طوالا وصرخت: “ابتعدوا وإلا قتلت طوالا!”
صاح طوالا في ذعر: “أبعد أنبوبك السحري عني، فالرقص انتهى!”
عدنا إلى كوخنا غير مصدقين أننا نجونا. في تلك الليلة، جاء إنفادوس برفقة ستة من زعماء البلاد. أراهم إجنوزي وشم الحية الملكي، ففحصوه بإمعان.
الحاجة إلى دليل على الملكية
أخيراً، تكلم أكبرهم قائلاً: “البلاد تئن تحت حكم طوالا الوحشي. لكن كيف لنا أن نثق أن هذا الرجل هو ملكنا الحقيقي؟ فوسم الحية غير كافٍ. لن نقاتل طوالا إلا إذا رأينا آية.”
نقلت إلى أصدقائي ما قاله الزعيم، فهتف جود: “لدي ما يطلبون!”
ثم أخرج من بين حاجياته تقويماً وقال: “لاحظت أن خسوفاً للقمر سيقع غداً مساء في هذا الجزء من الأرض. أخبرهم أننا سنحجب القمر غداً! أنا واثق تماماً من توقيت الخسوف، فقد دققت في حساباتي مراراً.”
خطة حجب القمر
التفت إلى الزعماء وقلت لهم: “سيكون لكم ما تريدون. غداً سنحجب القمر. سيعم الظلام الحالك الأرض، ويكون ذلك آية على أن إجنوزي هو ابن الملك!”
قال إنفادوس: “هذه آية دامغة. غداً، وبعد ساعتين من غياب الشمس، يبدأ حفل رقصة العذارى، وفيه ترقص الفتيات، ويختار طوالا أجملهن لتقديمها قرباناً إلى الأرواح. فلتحجبوا القمر يا سادتي، فتُنقذوا حياتها. عندئذٍ سيصدق الناس دعواكم.”
رقصة العذارى
في مساء اليوم التالي، حضرنا حفل رقصة العذارى السنوي. كانت الفتيات يرتدين أكاليل من الزهور على رؤوسهن، وكان المشهد بديعاً في ضوء القمر. أخيراً، أشار طوالا إلى صبية جميلة وقال: “فولاطا أجملهن! فولاطا تموت.”
رفع سكراجا رمحه عالياً، ولم يحتمل جود الموقف، فقفز منتصباً أمام فولاطا المذعورة وصاح: “قف!”
في تلك اللحظة، بدأ الخسوف يظهر على القمر، فأطلقتُ صيحة ورفعت يدي مشيراً إلى السماء وقلت: “انظروا! نحن البيض أبناء النجوم، قادرون على حجب القمر. اتركوا فولاطا!”
الفزع يعم
ضج الجمهور بصيحة اندهاش وذهول، وعندما رأوا الظلمة تزحف على وجه القمر، دبّ الفزع في قلوبهم وتراكضوا في كل اتجاه. فجأة، رأينا سكراجا، مدفوعاً بالخوف أو الهياج، يرمي نفسه نحو السير هنري، وهو يلوح برمحه ويصيح: “قتلتم القمر!”
نشب بين السير هنري وسكراجا قتال قصير، انتهى بمقتل سكراجا. اعتقد الناس أن ظل الشيطان سيبتلع القمر بالكامل، وفرّ طوالا مع الفارين. لم يبقَ معنا إلا إنفادوس، فولاطا، والزعماء الستة.
الاستعداد للمعركة
قال إنفادوس: “لقد أعطينا الإشارة التي طلبناها. فلنمضِ الآن إلى مكان نجمع فيه رجالنا.”
تركنا “لو” تحت جنح الظلام الحالك، وجمعنا المحاربين فوق تلة منبسطة نضوية الشكل. خططنا لمواجهة جيش الملك في ذلك المكان. وعندما أشرقت الشمس، خاطب إجنوزي رجاله قائلاً: “أنا الملك الشرعي. من منكم يؤيدني؟”
فارتفعت الرماح وضجت الحناجر بالتحية الملكية: “كوم!”
الهجوم الأول
بدأ الهجوم الأول، وتدافعت أمواج المقاتلين في كرّ وفرّ على سفوح التلة. دافع مقاتلونا ببسالة، مما اضطر رجال طوالا إلى التراجع. ومع ذلك، رأينا خلف المتقهقرين صفوفاً من الجنود تتقدم لدخول المعركة. أدركنا أننا بحاجة إلى خطة حاسمة لليوم التالي، وإلا فإن الهزيمة ستكون محتمة.
الخطة الحاسمة
أعدّ إجنوزي خطته وقال بصوت واثق: “سأسحق طوالا هذا اليوم!” ثم شرح خطته.
كانت الخطة تقضي بأن يقود إنفادوس فرقة إلى عنق الوادي الضيق بين طرفي التلة النضوية الشكل. سيحاول طوالا إرسال قواته للقضاء على إنفادوس ورجاله، لكن ضيق الممر سيمنع اشتباك عدد كبير من المحاربين. في هذه الأثناء، ستكون فرقنا الأخرى رابضة على سفوح التلة، لتهاجم العدو من الجانبين وتوقعهم في الفخ.
وختم إجنوزي كلامه قائلاً: “سيكون يومنا هذا عظيماً!”
المعركة الحاسمة
إن سرد ما حدث في الموقعة الحاسمة يتجاوز طاقتي. حاربت إلى جانب إنفادوس ورجاله في مواجهة جنود طوالا الذين هاجموا عنق الوادي. كل ما أذكره من تلك اللحظات الرهيبة هو أن الأرض كانت تهتز تحت قدمي، وأن أزيز الحراب كان يتوالى من حولي كوميض خاطف.
معركة الحسم ونهاية طوالا
تعالت صيحات الفزع من أعدائنا، فرفعت رأسي لأرى المقاتلين ذوي الريش الأسود ينقضون من الجانبين، وسرعان ما حوصر رجال طوالا. بدا واضحاً أن المعركة لن تدوم طويلاً؛ فقد أُخذ طوالا على حين غرة، فانهار رجاله وولوا الأدبار.
كان على إجنوزي أن يقرر مصير طوالا، الذي وقع أسيراً. قال طوالا ساخراً: “أيها الملك، ما أعددت لي من مصير؟”
أجاب إجنوزي: “المصير نفسه الذي أعددته لأبي.”
أشار طوالا إلى السير هنري وقال بغضب: “أطالب بحقي في أن أموت كمحارب. لقد قتل ذلك الرجل ابني – سأقاتله.”
وقفنا نراقب بينما تبادل العملاقان الضربات العنيفة. وتعاظمت حماستنا المشوبة بالقلق. أغمضت عيني غير قادر على متابعة المشهد المخيف. انتهى الصراع أخيراً بسقوط طوالا المريع. وهكذا أصبح إجنوزي ملكاً بلا منازع!
عهد جديد لشعب الكوكوانا
بايع شعب الكوكوانا ملكهم الجديد. وأعلن إجنوزي عن نهاية حفلات الموت التي كان يُقتل فيها المختارون من قبل السحرة، وقال إنه لن يُقتل أحد إلا بعد محاكمة عادلة.
ثم أعلمنا إجنوزي برغبتنا في كشف سر كنوز الملك سليمان. فرد قائلاً: “يعتقد شعبي أن المجوهرات مدفونة في غرفة سرية في قلب الجبل. ولن يقودكم إلى هناك إلا جاچول – لقد أبقيت على حياتها لهذه الغاية.”
الوصول إلى كنوز سليمان
بعد أيام، وصلنا إلى نهاية طريق سليمان. كانت جماعتنا تتألف منا نحن الثلاثة، إنفادوس، الصبية فولاطا، التي أصرت بعد إنقاذنا لها على مرافقتنا، وجاچول الشريرة الناقمة. لن أنسى ما حييت مشهد جبال الساحرات الثلاث والفجوة السحيقة بينها.
هتفت قائلاً: “أتدرون سر هذه الفجوة؟ إنها حفريات ماس. لقد رأيت ذلك في أماكن أخرى.”
على حافة الفجوة، ارتفعت ثلاثة نصب عملاقة للأرواح التي تحرس مدخل كنوز الملك سليمان. نظرت إلينا جاچول بنظرة ماكرة، ثم دخلت بشق ضيق في جانب الجبل.
قالت بصوت يشبه الفحيح: “سأريكم الحجارة البراقة.”
تبعنا جاچول جميعاً، باستثناء إنفادوس الذي بقي ليقيم لنا مخيماً. سرنا طويلاً في قلب الجبل، حتى توقفت جاچول أمام جدار صخري. قامت بدفع الجدار بحركات سرية، فانفتح باب عظيم أمامنا.
اكتشاف الكنوز
دخلنا الباب لنجد أنفسنا في ممر آخر، وفي نهايته باب خشبي منقوش. تملك فولاطا الخوف وامتنعت عن تجاوز الباب، فعادت إلى الخارج، بينما دخلنا نحن. أشعل السير هنري قنديله، فظهرت أمامنا غرفة مليئة بالصناديق الحجرية. كان بعضها مليئاً بالقطع الذهبية، وأكثرها مليئاً بالماس. شعرت بأن صوتي خانني عندما قلت: “نحن أغنى رجال الأرض!”
راحت جاچول تدور في القاعة بمشيتها العرجاء، ثم قالت: “هذه هي الحجارة البراقة التي تحبون. كلوا منها واشربوا!” ثم بدأت بالانسلال بعيداً.
الخيانة واللحظات الأخيرة
لم نعر كلامها اهتماماً، ولم نلحظ النظرة الشريرة في عينيها. فجأة، سمعنا صوت فولاطا تصرخ: “الجدار ينغلق! النجدة! لقد طعنتني!”
أسرعنا إلى الممر، لنجد فولاطا وجاچول تتصارعان، بينما كان الباب الصخري ينغلق ببطء. كان جرح فولاطا بليغاً، وسرعان ما سقطت على الأرض. في تلك اللحظة، حاولت جاچول الهروب كالحية من الشق الضيق قبل أن ينغلق الباب بالكامل، لكنها أخفقت. أغلق الباب الصخري فوق جسدها، وحدث ذلك كله في ثوانٍ معدودة.
الشعور باليأس بعد موت فولاطا
بدا السير هنري حزينًا وهو يقول: “مسكينة فولاطا! ومساكين نحن، فقد دفنا أحياء.”
وكان على حق. لم يكن هناك من يعرف سر فتح الباب الصخري إلا جاچول، وها هي قد ماتت تحته. حاولنا كثيرًا العثور على الآلية التي تحرك الباب، ولكن دون جدوى.
قلت أخيرًا: “لا بد أن الباب ينفتح من الخارج، وإلا لما خاطرت جاچول بحياتها زاحفة تحت الحجر الساقط.”
لا يمكن للكلمات أن تصف الرعب الذي دب فينا طوال ذلك اليوم. سرعان ما انطفأ القنديل، وغرقنا في ظلام دامس، في غرفة مليئة بالجواهر التي لا فائدة منها. أدركنا حينها معنى كلمات جاچول عندما دعتنا إلى “أكل الجواهر وشربها!”
اكتشاف باب الهروب
بعد وقت طويل حسبناه دهراً، لاحظنا أن الهواء لا يزال نقياً. بدأنا نبحث عن مصدر الهواء بشكل محموم، فوجدناه في زاوية بعيدة من زوايا القاعة. أشعلت عود ثقاب من القليل الذي تبقى معنا، فإذا بنا نكتشف بابًا خفيًا. دفعنا الباب، وأضاءنا عود ثقاب آخر، ليتبين لنا وجود درج يتجه نحو الأسفل.
قال السير هنري بحزم: “أنا أنزل أولاً!”
نزل السير هنري وتبعه جود، ثم تبعتهم بعد أن ملأت جيبي بالماس. بدأنا رحلة يائسة في الأنفاق الملتوية، ونحن نتخبط في ظلامها وقد نال منا اليأس والإرهاق. أخيرًا، رأينا شعاعًا من ضوء النهار. ضاق النفق تدريجيًا وأصبح ترابيًا لا صخريًا. حشرنا أنفسنا بصعوبة وجاهدنا حتى خرجنا إلى الخلاص، لنتدحرج على منحدر من التراب الناعم والرطب.
العودة إلى الحياة
رأينا إنفادوس يندفع نحونا وهو يصيح: “آه، يا سادتي، ها أنتم تبعثون أحياء!”
لم نتمكن بعد ذلك من العثور على قاعة المجوهرات مجددًا. أخيرًا، ودعنا أصدقاءنا في مملكة كوكوانا، وتركنا بلادهم الجميلة.
العثور على جورج كورتس
الآن أحدثكم عن الجانب الأغرب في حكايتي. فقد أرانا إنفادوس ممرًا جبليًا مختصرًا نسلكه في طريق عودتنا من بلاد كوكوانا. وما إن سرنا بضعة كيلومترات في ذلك الممر حتى وجدنا واحة. وعند تلك الواحة، وجدنا رجلاً أبيض!
صاح السير هنري بفرح غامر: “يا إلهي! هذا أخي!”
وكان حقًا أخاه. رآنا الرجل، فصاح ملوحًا بيده، وأسرع نحونا معتمدًا على عصا. تعانق الأخوان عناقًا حميمًا، وقد زال ما كان بينهما من خصام.
قال جورج كورتس: “حاولت أن أجتاز الجبل، لكني كسرت ساقي، فلم أستطع متابعة السير أو العودة من حيث أتيت!”
خاتمة القصة
هنا تنتهي قصتي. اجتزنا الصحراء بسلام، رغم أنه كان علينا مساعدة جورج كورتس طوال الوقت. وأخيرًا وصلنا إلى بيتي في ديربان. تركني أصدقائي وعادوا إلى إنكلترا.
لكني سأراهم قريبًا، فقد تسلمت رسالة من السير هنري يطلب مني الذهاب إليه في إنكلترا. وقد تم فحص الجواهر التي حملتها معي من كنوز الملك سليمان في لندن، وتبين أنها من أفضل أنواع الماس. لقد أصبحنا جميعًا من الأثرياء!
معرض الصور (قصة كنوز الملك سليمان)
لا تنسي فك الضغط عن الملف للحصول علي الصور
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث