قصة عروس البحر الصغيرة
ملخص قصة عروس البحر الصغيرة
في أعماق البحر الأزرق، كانت تعيش عروس بحر صغيرة تتمتع بجمال أخاذ وفضول كبير تجاه عالم البشر. في يوم عاصف، شاهدت عروس البحر السفينة التي كان يبحر بها الأمير الوسيم. لكن مع اقتراب العاصفة، تحطمت السفينة وغرق الأمير. رغم مخاوفها، قامت عروس البحر بإنقاذه وأخرجته إلى الشاطئ، حيث وضعته على الرمال الدافئة قبل أن تعود إلى قصرها في البحر.
استيقظ الأمير بعد فترة من الزمن، لكن عروس البحر شعرت بالحزن لأنه لن يعرف أبداً أنها من أنقذته. عادت إلى البحر، ولكن قلبها كان مليئًا بالحنين. أخبرت إحدى أخواتها بالحادثة، وعندما علمت أنها تستطيع رؤية قصر الأمير، زاد شغفها. من ذلك اليوم، كانت تزور القصر سرًا، تتأمل الأمير من بعيد، وتود لو تصبح إنسانة ليكون لها مكان بين البشر.
سألت عروس البحر جدتها عن طريقة لتصبح بشرية، وعرفت أنها تحتاج إلى حب حقيقي. قررت أن تذهب إلى الساحرة، التي كانت تعيش في أعماق البحر، رغم مخاطر الرحلة. وطلبت الساحرة منها التضحية بصوتها العذب لتحصل على ساقين. بعد تفكير عميق، وافقت عروس البحر، واستعدت لتجربة حظها.
أعدت الساحرة شرابًا سحريًا حول ذيل عروس البحر إلى ساقين، لكن ذلك سيكون مؤلمًا. شربت العروس الشراب، وتحولت بنجاح، لكنها فقدت صوتها. وصلت إلى قصر الأمير، حيث أعجب الجميع بجمالها، لكنها كانت حزينة لأنها لا تستطيع التحدث. رغم ذلك، استمرت في إبهار الجميع برقصها.
مرت الأيام، وكان الأمير يزداد إعجابه بعروس البحر، لكنه كان يتذكر الفتاة التي أنقذته. وعندما علم أن الأمير ينوي الزواج من أميرة أخرى، انتاب عروس البحر شعور عميق بالحزن، فهي تعرف أن زواجه يعني موتها. ومع اقتراب الزفاف، علمت أن أخواتها قمن بقطع شعرهن لتأمين سكين سحرية يمكن أن تحررها. حاولت عروس البحر قتل الأمير لإنقاذ نفسها، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة ورمت السكين في البحر.
تحت ضوء الشمس، بدأت تتحول إلى زبد، وشعرت بوجود شيء غريب يحيط بها. في تلك اللحظة، ظهرت عذارى الهواء ليأخذوها إلى عالمهم. أخبروها أنهن لا يمتلكن أرواحًا، لكنهن يمكن أن يكتسبنها من خلال أعمال الخير. رغم حزنها لفراق الأمير، كان هناك بصيص أمل في المستقبل.
وفي النهاية، استمر الأمير في التفكير في الفتاة الجميلة التي أنقذته، بينما عروس البحر الصغيرة اختفت بين الغيوم، تنظر إلى الحياة الجديدة التي تنتظرها. تركت خلفها ذكرياتها وأحلامها، لكنها ستحيا من أجل الخير وتشارك في أعمالها حتى تكسب روحًا في يوم من الأيام.
قصة عروس البحر الصغيرة مكتوبة
في أعماق بحر من البحار البعيدة، وفي محيط من الماء الأزرق الصافي كالبلور، كانت تقوم مملكة عرائس البحر. وفي أعمق بقعة من ذلك البحر البعيد شيد قصر ملك عرائس البحر. كان قصراً بديعاً، جدرانه مرجان وشبابيكه كهرمان، وسقفه صدف مرصوف. وكان يعيش مع ملك عرائس البحر في ذلك القصر بناته الست الفاتنات وجدتهن. وكان لأصغر البنات عينان زرقاوان وبشرة ناعمة، كما كان لها، كسائر عرائس البحر، ذيل سمكة لا ساقان.
اعتادت أميرات البحر اتخاذ بعض ما يسقط من السفن العابرة زينة لحدائقهن، ما عدا الأميرة الصغرى فقد اكتفت بزرع أزهار حمراء وشجرة حمراء واحدة، ولم تزين حديقتها إلا بتمثال فتى يافع. كانت فتاة هادئة رقيقة تفرح بما هو بسيط وجميل.
على أن أكثر ما كان يفرح الأميرة الصغرى أخبار عالم ما فوق البحر. فكانت تتردد إلى جدتها، وتطلب منها أن تقص عليها أخبار البشر وسفنهم وحيواناتهم، وأن تصف لها أريج الأزهار، وطيور الأشجار. وكانت جدتها تقول لها: «حين تصبحين في الخامسة عشرة من عمرك يسمح لك، كما تقضي العادة، بالصعود إلى سطح البحر لتختبري بنفسك كل هذه الأمور…». كان لا يزال أمام الأميرة الكبرى سنة واحدة لتبلغ الخامسة عشرة من عمرها. وكان يفضل بين كل أخت وأخرى سنة واحدة من العمر. فكان على الأميرة الصغرى أن تنتظر ست سنوات كاملة لتصعد إلى عالم ما فوق البحر. وقد وعدت الأميرة الكبرى أن تصف لأخواتها كل ما تراه في رحلتها المنتظرة بعد عام.
مغامرات عالم ما تحت البحار
كانت الأميرة الصغرى تتطلع، في بعض الليالي إلى أعلى، فترى أنواراً خافتة شاحبة تصل إليها، عبر المياه الزرقاء الصافية، من القمر والنجوم. وتمر من فوقها أحياناً أشباح بعيدة، فتعرف أنها أشباح سفن أو حيتان. ويطيب لها أن تتخيل أن ما رأته سفن تحمل سكان عالم ما فوق البحر، وتتمنى أن تقابل هؤلاء السكان.
حل أخيراً موعد صعود الأميرة الكبرى إلى سطح البحر. وانتظرت أخواتها بشوق عودتها إليهن. وحين عادت، جلسن حولها يستمعن إليها وهي تصف لهن مدينة رأتها قرب الشاطئ. قالت: «رأيت منارات الأضواء، وأبراجاً عالية وقصوراً عظيمة، وسمعت موسيقى وغناء». فازداد شوق الأميرة الصغرى لرؤية ذلك العالم.
في العام التالي حل دور الأميرة الثانية. فصعدت إلى سطح البحر، وعادت فوصفت مشهد غروب الشمس الرائع، ومشهد الغيمات في الأفق وقد تلونت بألوان ذهبية وبنفسجية وحمراء. كذلك وصفت جمال أسراب الطيور وهي تنطلق في الفضاء. فازداد شوق الأميرة الصغرى لرؤية ذلك العالم.
شوق الأميرة الصغري
حين بلغت الأخت الثالثة من الخمسة عشرة صعدت إلى سطح البحر. وكانت أكثر شجاعة من أختيها الكبريين، فتركت البحر وسبحت في نهر عظيم، ورأت تلالاً وأشجاراً وبيوتاً وقلاعاً، ثم عادت لتحكي لأخواتها عن الشمس الساطعة التي لفحت وجهها، وعن صبيان يسبحون كما تسبح عرائس البحر، ولكن لا ذيول لهم كذيلهن.
لم تبتعد الأخت الرابعة كثيراً، فلم تجد ما تتحدث عنه غير السفن المبحرة والحيتان النفاثة. أما الأخت الخامسة فقد صعدت إلى سطح البحر شتاء، لذا تعرفت على أشياء جديدة، وعادت تتحدث عن جبال الجليد والعواصف، والغيوم السوداء التي تملأ الفضاء، وتصف البرق الخاطف الذي يشق سماء البحر والرعد المتصل.
بعد حين، ملت الأخوات الخمس الرحلة إلى سطح البحر، وأحببن البقاء في قصرهن، لكنهن كن، أحياناً، يصعدن معاً متشابكات الأيدي، فيغنين لبحارة السفن بأصواتهن العذبة الرقيقة. وكان البحارة يظنون أن غناءهن صوت انسياب الريح، فلا يلتفتون إليهن. أما عروس البحر الصغرى فكانت تبقى في قصر أبيها تنتظر دورها في الرحلة إلى عالم ما فوق البحر، بشوق شديد.
بعد انتظار طويل، جاء اليوم الموعود. فأسرعت عروس البحر الصغيرة إلى جدتها لتسرح لها شعرها وتضع التاج على رأسها الجميل. ثم صعدت تشق الماء شقاً حتى بلغت سطح البحر.
وصلت عند الغروب. وكانت الريح ساكنة والبحر هادئاً. رأت سفينة كبيرة تتهادى في الماء، وقد التمعت مصابيحها كلها في سماء ذلك المساء. وسمعت موسيقى وأغاني تنساب من تلك السفينة.
اقتربت عروس البحر الصغيرة من السفينة لترى ما فيها. ركبت موجة وتطلعت، فرأت حشداً من الناس حول أمير وسيم، والجميع يمرحون احتفالاً بميلاد الأمير. وفجأة انطلقت أسهم نارية ومفرقعات، فخافت عروس البحر الصغيرة وغطست في الماء. لكنها سرعان ما عادت إلى السطح لتلقي نظرة أخرى على الأمير الوسيم.
وبينما الأمير وجماعته يحتفلون، هبت عاصفة قوية. علت الأمواج، وأخذت تتلاعب بالسفينة وتقذفها من مكان إلى مكان. وفجأة ضربت السفينة ريح عاتية فقلبتها، واندفعت مياه البحر إلى داخلها فحطمتها تحطيماً.
حب الأمير: اللقاء الأول الذي غير حياتها
امتلأ البحر بقطع الخشب وبقايا السفينة المحطمة. وأخذت عروس البحر الصغيرة تبحث في الظلام عن الأمير. لقد خافت عليه من الغرق، لأن الآدميين كما أخبرتها جدتها، يموتون تحت الماء. لمعت السماء بالبرق، فرأت عروس البحر الصغيرة الأمير وقد أنهكه التعب وأشرف على العرق. أمسكته ورفعت رأسه فوق الماء، فاستسلم ليديها وعاد عن الوعي.
حين طلع الصباح، كان الأمير لا يزال غائباً عن الوعي. نظرت عروس البحر الصغيرة حولها، فرأت نفسها قريبة من شاطئ رملي بديع. فأخذت الأمير إلى الشاطئ ووضعته على الرمال الدافئة. ثم تلفتت حولها فرأت قصراً قريباً، فتركت الأمير وعادت إلى البحر وانتظرت في مكان قريب.
خرج من القصر بضع فتيات، فرأين الأمير ممدداً على الشاطئ، فخفن أن يكون ميتاً. لكن سرعان ما استعاد الأمير وعيه، فركعت إحداهن إلى جانبه وأسعفته واعتنت به.
أحست عروس البحر الصغيرة بالحزن العميق، فالأمير لن يعرف أنها هي التي أنقذت حياته. ولم تعد راغبة في متابعة رحلتها، فغطست في الماء وعادت إلى قصر أبيها.
استقبلتها أخواتها بالترحاب وسألنها عن رحلتها، فذكرت لهن أنها رأت سفينة وقصراً، لكنها لم تخبرهن قصة العاصفة والأمير. وأخذت تتردد وحدها إلى الشاطئ آملة أن ترى الأمير، لكن لا تراه. فتعود إلى حديقتها حزينة، وتقف أمام تمثال الفتى واضعة ذراعيها حوله وكأنها تضع ذراعيها حول الأمير.
لم تعد عروس البحر، أخيراً، قادرة على أن تخفي حزنها. فأخبرت إحدى أخواتها بالقصة كلها. أخبرتها قصة العاصفة وحطام السفينة والأمير. وكانت هذه الأخت تعرف من هو الأمير، وتعرف أين يعيش.
زيارة القصر
صعدت الأميرات الست معاً ليرين قصر الأمير. كان قصراً بديعاً، ذا نوافذ عالية وشرفات ومصابيح وسلالم رحبية عريضة وستائر ملونة. واستطعن أن يلمحن ما في داخل القصر من غرف واسعة وأثاث وثير ورسوم بديعة.
منذ ذلك اليوم، أخذت الأميرة الصغيرة تتردد إلى القصر، دون خوف، وتراقب الأمير من مكان قريب. وكانت، أحياناً، تراه يركب زورقاً صغيراً، وتسمع صيادي الأسماك من حوله يتحدثون عنه. فكانت تشعر بسعادة عظيمة لأنها تمكنت ذات يوم من إنقاذ حياته.
تمنت عروس البحر الصغيرة أن تتحول إلى بشر وأن تكون فرداً من سكان القصر. فقد لاحظت أنهم قادرون على أن يفعلوا أشياء كثيرة. كانت تسأل أخواتها أسئلة كثيرة، لكن لا تجد لديهن جواباً. فلجأت إلى جدتها التي كانت تعرف كل شيء عن عالم ما فوق البحر، وقالت لها: «ألا يموت سكان الأرض إلا إذا غرقوا؟»
فقالت الجدة: «لا، إنهم يموتون، كما نموت نحن. لكن حياتهم أقصر من حياتنا. نحن نعيش حوالي ثلاثمئة سنة، ونتحول حين نموت إلى زبد في البحر. أما أهل الأرض فلهم أزواج، وحين يموتون تصعد أرواحهم إلى عالم رائع بعيد».
قالت عروس البحر الصغيرة: «ليتني أتحول إلى بشر، ولو ليوم واحد! أعطوني روحاً كروحهم، وخذوا سنواتي الثلاثمئة!» ثم سألت بحزن: «جدتي، هل تعرفين طريقة أكتسب بها روحاً؟»
أجابت الجدة: «نعم، أعرف طريقة! فلو أحبك إنسان، تتحولين إلى بشر. لكن هذا لن يحدث. فالبشر لا يحبون ذيولنا. إن لهم سيقاناً يظنون أنها أفضل من ذيولنا».
زاد ذلك في حزن الأميرة الصغيرة. ولم يخفف من حزنها الحفلة الملكية البهيجة التي أقامها والدها. فتركت الحفلة في منتصفها وذهبت إلى مكانها المفضل وجلست تتحسر على نفسها. وكانت ترى أشباح السفن تمر عالية من فوقها، فتشتاق لرؤية الأمير الوسيم. قالت في نفسها: «على أن أفعل شيئاً. سأغتنم فرصة انشغال أخواتي بالرقص، وأذهب لرؤية الساحرة…».
رحلة إلى الساحرة
كانت تعرف أين تعيش الساحرة، غير أنها لم تكن قد ذهبت إلى هناك قط. فالرحلة شاقة. كان عليها أولاً أن تجتاز دوامة بحرية رهيبة، ثم مستنقعاً موحلاً خطراً. وحول قصر الساحرة، وراء ذلك المستنقع، كانت تقوم أشجار ذات أغصان طويلة رفيعة تتحرك. فإذا مر بالمكان أحد، امتدت تلك الأغصان إليه وأمسكت به.
خافت عروس البحر الصغيرة وكادت تعود إلى قصر أبيها، لكن حبها للأمير أعطاها شجاعة عظيمة. فجدلت شعرها الطويل ولفته حول رأسها، وتابعت طريقها تسبح بين الأشجار بخفة ورشاقة.
كان بيت الساحرة مبنياً من العظام، تحوم حوله حيوانات حلزونية ضخمة وقبيحة. وكانت الساحرة جالسة في بيتها تداعب ضفدعاً ضخماً. قالت الساحرة: «أعرف سبب زيارتك لي. فأنت تريدين أن تستبدلي بذيلك ساقين من سيقان البشر. أنت حمقاء! تأملين أن يحبك الأمير الوسيم إذا كان لك ساقان. على كل حال، سيكون لك ساقان».
صفقة مع الساحرة: التضحية بالصوت من أجل الحب
ضحكت الساحرة ضحكات عالية جداً أوقعت الضفدع الضخم أرضاً. ثم قالت: «اسمعي! سأعطيك شراباً سحرياً، تأخذينه معك إلى الشاطئ، وتجلسين على صخرة وتشربين، فينشق ذيلك إلى قسمين ويتحول إلى ساقين. سيسبب لك ذلك ألماً شديداً، وسيلازمك الألم ما حبيت. إذا كنت تتحملين الألم فإني أساعدك».
أجابت عروس البحر، وهي تفكر بالأمير: «نعم، إني أتحمل».
قالت الساحرة: «تذكري أنه ساعة تتحولين إلى بشر فلن تستطيعي التحول ثانية إلى عروس بحر، وأنه إذا لم يتزوجك الأمير فلن يكون لك روح، ويوم يتزوج الأمير فتاة غيرك تموتين وتتحولين إلى زبد، مثلك مثل سائر عرائس البحر».
قالت عروس البحر: «ومع ذلك سأجرب حظي».
فقالت الساحرة: «ما عليك الآن إلا أن تدفعي لي ثمن الشراب السحري. أريد منك أجمل شيء فيك. أريد صوتك العذب الرقيق!»
قالت عروس البحر الصغيرة: «تريدين صوتي! ولكن كيف يحبني الأمير إذا كنت بغير صوت؟»
أجابت الساحرة: «استعملي بهاءك ودلالك وسحرك». كانت عروس البحر تحب الأمير حباً قوياً فاضطرت أن تتخلى عن صوتها.
أعدت الساحرة قدراً كبيراً، أغلت فيه الشراب السحري حتى أصبح صافياً كالبلور. وقدمت منه لعروس البحر زجاجة. في تلك اللحظة أحست عروس البحر أنها عاجزة عن الكلام. تناولت زجاجة الشراب السحري وسبحت عبر العوالم المرعبة، فلم تحاول أغصان الأشجار الإمساك بها، ولا حاولت حيوانات البحر اعتراضها، فقد كانت جميعها خائفة من الشراب السحري في يدها.
وصلت إلى قصر أبيها، فوجدت الأنوار مطفأة والجميع نائماً. أرادت أن تودع أهلها فرداً فرداً، لكنها كانت عاجزة عن الكلام. التقطت زهرة من حديقة كل أخت من أخواتها لتذكرها الأزهار بيتها وأسرتها. ثم استدارت مسرعة وأخذت تسبح في اتجاه قصر الأمير.
التحول إلى بشر: الألم والتحديات الجديدة
وصلت القصر بعد أن هبط الظلام. فجلست على الدرج الرحابي، وشربت الشراب السحري. أحست بألم حاد وفقدت وعيها. وحين استعادت الوعي كان النهار قد طلع.
تطلعت إلى جسدها بقلق ولهفة، فرأت ذيلها قد تحول إلى ساقين رشيقتين. وأحست أن أحداً يرمي عليها رداء، فتطلعت، فإذا الأمير الوسيم واقف إلى جانبها. سألها الأمير عن نفسها وبلدها، فما قدرت على غير الابتسام.
أدخلها الأمير قصره، وقدم لها ثياباً جميلة. بدت عروس البحر الصغيرة رائعة في ثيابها الجديدة، وأبدى الجميع إعجابهم بمشيتها الرشيقة. لكنها كانت حزينة لأنها لا تقدر على الكلام. وحين أمسكت إحدى بنات القصر عوداً وغنت، ازدادت عروس البحر حزناً لأنها تذكرت صوتها العذب الرقيق الذي كان أجمل الأصوات.
لكن حين قامت فتيات القصر يرقصن، قامت عروس البحر الصغيرة تشاركهن رقصهن. فالتف الجميع حولها يشاهدون رقصها الساحر البديع. وكان أكثرهم حماسة الأمير نفسه، الذي اقترب منها وسألها أن تبقى، وأعد لها غرفة مجاورة تنام فيها، وصار يأخذها معه في نزهاته على ظهور الجياد، وفي رحلاته عبر الجبال والوهاد. كانت قدماها تؤلمانها طوال الوقت، كما تنبأت لها الساحرة، لكن ما كانت تشتكي أبداً.
كانت عروس البحر الصغيرة تتسلل خارج القصر كل ليلة بعد أن ينام الجميع، وتذهب إلى الشاطئ لتغسل قدميها في ماء البحر. وكانت تنظر في الماء وتتذكر أسرتها التي تعيش بعيداً في أعماق البحر. ذات ليلة، صعدت أخواتها الخمس من قلب البحر واقتربن من قصر الأمير، فوجدنها جالسة هناك فلوحن لها بأيديهن وأخبرنها عن حزنهن الشديد لفراقها، ورأين في عينيها دموعاً فصرن كل صباح يأتين لزيارتها. ومرة أحضرن معهن جدتهن، وأخرى اصطحبن معهن أباهن. وكن يلوحن لها، وكانت تلوح لهن، لكن لا تقول شيئاً.
الحزن والفراق
وكان الأمير، في كل يوم، يزداد إعجاباً بعروس البحر الصغيرة. كان يراها رائعة الجمال. لكنه لم يفكر قط في الزواج بها. قال لها ذات يوم: «أنت تذكريني بفتاة عرفتها، كانت عاصفة هوجاء قد حطمت سفينتي، وغبت عن الوعي. وحين استعدت وعني وجدت نفسي على شاطئ البحر إلى جانب الفتاة التي أنقذت حياتي. لن أنسى تلك الفتاة أبداً. إنها الفتاة الوحيدة في الدنيا التي أقدر أن أحب. ما أسعدني بك لأنك تذكريني بها!»
أحست عروس البحر الصغيرة بحزن عميق وقالت في نفسها: «إنه لا يعلم أني أنا التي أنقذت حياته وحملته إلى الشاطئ. إنه يظن أن إحدى فتيات ذلك القصر قد أنقذته، وهو حزين لأن تلك الفتاة قد تركت القصر ولم يعد يعرف أين يجدها».
سمعت عروس البحر ذات يوم أن الأمير يستعد للسفر إلى مدينة بعيدة ليقابل إحدى الأميرات. قال لها الأمير: «يريد مني والداي أن أتزوج تلك الأميرة. ولكنها لا تشبه الفتاة التي أنقذتني. فإذا كنت لا أجد تلك الفتاة فأنا أفضل أن أتزوجك أنت لأنك تشبهينها وتذكريني بها».
ازدادت عروس البحر حزناً، وتمنت أن يعود إليها صوتها لتخبره أنها هي التي أنقذت حياته. ركب الجميع سفينة توجهوا بها إلى المدينة البعيدة. وكانت عرائس البحر يصعدن كل ليلة لرؤية أختهن المسافرة، فيلوحن لها وتلوح لهن ولا تكلمهن، ولا تستطيع أن تخبرهن أنها حزينة.
الزواج المنتظر: صراع القلوب والمصير
وصلوا أخيراً إلى المدينة، فوجدوا سكانها كلهم منتشرين في الطرقات انتظارا للأمير. وحين رأوه، أخذوا يلوحون له بأيديهم ويهتفون. التفت الأمير إليهم، ورد التحية. فجأة، لمح بين الجموع وجه الفتاة الجميلة التي رآها على الشاطئ، وظن أنها أنقذته، فأسرع إليها، ونظر وقال لها: «أنت التي أنقذت حياتي!»
ثم التفت إلى عروس البحر، وقال: «ما كنت أحلم أن أرى هذه الفتاة مرة أخرى. أنت أحببتني أكثر من أي إنسان آخر، فلا شك أنك ستفرحين لأني وجدت فتاتي».
أحست عروس البحر الصغيرة بقلبها يكاد يتمزق. كانت تعلم أنها ستموت يوم يتزوج الأمير بفتاة غيرها. ومع ذلك، تظاهرت أنها سعيدة.
اكتملت الاستعدادات للزواج. وطلب الأمير من عروس البحر الصغيرة أن تكون وصيفة العروس، فتحمل لها ذيل ثوب العرس وتسير وراءها. وبعد الزواج، توجَّه الجميع إلى السفينة، وأقيم للعروسين فوقها خيمة حريرية رائعة.
عندما حل الظلام، أضيئت المصابيح الملونة، وبدأ الاحتفال بالعرس. أخذ الجميع يمرحون ويرقصون، فتذكرت عروس البحر الحفلة التي شاهدتها يوم التقت الأمير أول مرة. وبعد أن انتهت الحفلة ونام الجميع، صعدت عروس البحر إلى ظهر السفينة، وأسندت نفسها إلى سياجها، وأخذت تتأمل السماء. كانت تعلم أنها مع شروق الشمس ستموت.
فجأة، برزت أخواتها من الماء، وكن كلهن شاحبات مقصوصات الشعر. قلن لها في ذعر: «أخبرتنا الساحرة أن الأمير قد تزوج وأنك ستموتين. أعطيناها كلنا شعرنا ثمناً لهذه السكين السحرية. فإن قتلت بها الأمير، زال عنك أثر السحر، وتحولت ثانية إلى عروس بحر. أسرعي قبل أن تشرق الشمس».
نهاية مؤلمة: التضحية والفداء في سبيل الحب الحقيقي
تناولت عروس البحر الصغيرة السكين ودخلت على الأمير النائم في خيمته. نظرت إليه ورفعت السكين، لكنها لم تستطع أن تقتله، بل استدارت مسرعة ورمت السكين في البحر. وقعت السكين في الماء، فالتمعت بألوان براقة، وأسرعت عروس البحر الصغيرة إلى الأمير وألقت عليه نظرة أخيرة، ثم استدارت ونظرت إلى البحر، ثم إلى السماء ورمت بنفسها في الماء. وأخذت تتحول شيئاً فشيئاً إلى زبد.
كانت الشمس قد بدأت تشرق، فأحست عروس البحر بدفئها، وسمعت أصواتاً عذبة غريبة تتردد في السماء. وأحست بأيدٍ ترفعها إلى أعلى، ورأت حولها أنواراً ساحرة فريدة. شعرت أنها قادرة على الكلام، فقالت لمن حولها: «من الذي يرفعني؟ أين أنا؟»
أجابت الأصوات: «نحن عذارى الهواء، نأخذك إلى أخواتنا. ليس لكن، يا عرائس البحر، أرواح، ولا لنا. لكننا، نحن عذارى الهواء، نكتسب أرواحاً إذا قمنا بأعمال خير. إننا نرسل النسيم اللطيف لينعش الأطفال في البلاد الحارة، ونخزن العطر في الأزهار لإسعاد الناس، ونحاول أن نساعد المعذبين في الأرض. إذا شاركتنا في أعمال الخير ثلاثين عاماً، فقد تكتسبين روحاً».
على ظهر السفينة، كان الأمير وعروسه حزينين جداً، فقد اختفت الفتاة الجميلة التي لا تقدر على الكلام. أخذا يتأملان ماء البحر، وكأنهما عرفا أين ذهبت، ولم يريا عروس البحر الصغيرة وهي تعبر في السماء خلف إحدى الغيمات.
معرض الصور (قصة عروس البحر الصغيرة)
لا تنسي فك الضغط عن الملف للحصول علي الصور
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث