قصة خالد وعايدة

قصة خالد وعايدة تروي مغامرات فارس شجاع وصبية تتنكر في هيئة فتى، مليئة بالتحديات والشجاعة والحب في الصحراء الكبرى. اقرأ القصة كاملة.
عناصر القصة (جدول المحتويات)

في صحراء واسعة، حكمت قبيلة نائل بشجاعة وقوة، وكان شيخها محارب، رجلاً عادلاً ومحاربًا شجاعًا. ساعده في حكم القبيلة ابن عمه زاهر، وكانت علاقتهما قوية كالأخوين. لكن خلافاً حاداً نشب بينهما، مما دفع زاهر للرحيل والانضمام لقبيلة بني سعد، حيث استقبله أهلها بحرارة.

رزق زاهر وزوجته بطفلة أسمياها عايدة، لكنها كبرت متخفية في شخصية الفتى جندر بسبب العادات القبلية. أصبحت عايدة محاربة شجاعة، تفوقت في الفروسية والصيد. وفي المقابل، رُزق محارب بولدٍ اسمه خالد، نشأ ليصبح فارساً قوياً وذكياً. تولى خالد قيادة القبيلة بعد وفاة والده.

اشتاق خالد لمقابلة ابن عمه جندر، وفي زيارة لقبيلة بني سعد، تعرف على جندر، الذي كان في الحقيقة عايدة. أُعجب خالد بشجاعة جندر، لكن لم يكن يعرف أنها عايدة. من ناحية أخرى، وقعت عايدة في حب خالد من النظرة الأولى. بعد رحيل خالد من مضارب بني سعد، عادت عايدة إلى خبائها، منهارة بسبب مشاعرها.

عندما علمت أم خالد بحب ابنها لعايدة، سعت لتحقيق رغبته بالزواج منها. لكن عايدة، ورغم حبها لخالد، رفضت الزواج في البداية حفاظاً على كبريائها. قررت عايدة أن تجعل خالد يثبت جدارته، فطلبت منه قيادة حملة ضد أعدائهم في غرب المضارب. وافق خالد وانطلق في الحملة منتصراً.

بعد عودته المظفرة، تقرر موعد الزواج، لكن عايدة اختبرت شجاعة خالد مرة أخرى بصيد الأسود في التلال الصحراوية. أظهرت شجاعة فائقة، وتنكرت في زي فارس غريب لتبارز خالد. بعد معركة طويلة، اكتشف خالد حقيقة الفارس الغريب، وهي عايدة، التي أرادت إثبات أنها تستحق حب خالد وأنها شجاعة بقدر ما هو شجاع.

عاد الفارسان معاً إلى المضارب، ومعهم تأكيد حبهم لبعضهم البعض. استقبلهما القوم بحفاوة، حيث كانت الاستعدادات جارية للاحتفال بالزفاف. اجتمعت القبائل من كل حدب وصوب للاحتفال بهذا الحدث السعيد، حيث تكللت قصة الحب بين خالد وعايدة بالزواج، وسط أجواء من الفرح والموسيقى والاحتفالات. كان زواجهم رمزاً للوحدة والشجاعة، حيث تعلّم الجميع أن الحب الحقيقي يتطلب الصبر والإيمان بقدرات الشريك.

قصة خالد وعايدة مكتوبة

بين القبائل التي حكمت أجزاء شاسعة من الصحراء الكبرى اشتهرت قبيلة نائل كأعظم تلك القبائل بأسا وسطوة وثراء. وكان محارب، شيخ تلك القبيلة رجلا شديد المراس عادلا سمحا يرعى شؤون أفراد القبيلة كأنهم أهل بيته، ويكرم الضيف والمستجير كما تقتضيه تقاليد الأماجد.

وكان يساعد محاربا في إدارة شؤون القبيلة وزيره وابن عمه زاهر. فكانا كالأخوين في تقاربهما وصداقتهما وتفاهمهما. لكن خلافا حادا نشب بين الرجلين لم يجدا إلى حسمه سبيلا. وبعد نقاش طويل عقيم انصاع زاهر لمراد سيده وعاد كسيفا إلى خيمته.

لاحظت زوجة زاهر ما يعتريه من كآبة وضيق، فأخبرها بمرارة عن استهانة محارب بآرائه علنا. قال زاهر: ما كنت أطيق هذا من أي رجل سواه، لكني لا أستطيع رفع يدي على من أعزه كأخي وأحترمه كرأس قبيلي.

الانتقال إلى قبيلة بني سعد

ردت الزوجة: “أتركه يتيه بخواء حجته”. فقرر الزوجان أن صون الكرامة يقتضي هجر مضارب محارب والالتحاق بقبيلة بني سعد المجاورة. وفي صباح اليوم التالي قوض زاهر والأقربون من عائلته خيامهم وحملوا أرزاقهم وممتلكاتهم على ظهور الجمال والخيل وساقوا قطعانهم عبر الصحاري قاصدين مضارب بني سعد.

وبقدر ما كان أسف محارب شديدا على رحيل زاهر، كانت حفاوة بني سعد بزاهر وصحبه بالغة. فلم يطل بهم المقام حتى شعروا كأنهم بين أهليهم. وازدهرت أخوال زاهر وصحبه في موطنهم الجديد. وكانت فرحة الجميع عارمة حينما جاءتهم البشرى أن زوجة زاهر تنتظر مولودها البكر! وفي خضم هذه الأحداث حملت الأنباء أن زوجة محارب قد رزقت طفلا ذكرا، وأن محاربا يقيم الأفراح والليالي الملاح احتفاء بولي عهده الجديد.

حين نقل زاهر النبأ إلى زوجته، علق قائلا: “إن طفلنا القادم – ذكرا كان أم أنثى – هو نعمة من الله. لكن إن كان أنثى فلن ندع محاربا يتشفى بنا، وسنحرمه تلك اللذة فندعي أننا رزقنا مولودا ذكرا (!)” وصح ما توقعه زاهر، فرزقت زوجته مولودة أنثى أسمياها عايدة. ولكنهما أعلنا للجميع أنهما رزقا مولودا ذكرا اسمه جندر.

تألق عايدة كفارس

انتشرت أنباء جندر في أرجاء مضارب بني سعد، وجاء القوم من كل حدب وصوب يهنئون زاهرا وزوجه بميلاد ولدهم. وأكرم زاهر وفادة الوافدين باحتفالات دامت عدة أيام.

كانت عايدة صبية مدللة في خبائها فقط أما خارج الخيمة فكانت الفتى جندر – يدربه زاهر ورجال القبيلة الآخرون على فنون الفروسية والصيد ومهارات المسايفة والحرب. وحذقت عايدة هذه المهارات متميزة بشجاعة وموهبة نادرتين تجاوزت بهما كافة التحديات والمخاطر التي جبهها بها أبوها ليبلو جلدها وحذاقتها، حتى إنه رغم حداثة سنها، أصبحت من ألمع فرسان القبيلة وأنجبهم وأشجعهم، بخاصة في حلبات صيد الأسود.

حين شبت عايدة عن الطوق انخرطت في صفوف فرسان القبيلة. فكانت تخرج إلى ساحات النزال فوق جواد متوتب، يحميها درع من الجلد والفولاذ ويخفي شعرها الأسود الطويل وملامحها اللطيفة قونس خوذتها، فتقاتل مع أترابها من فرسان القبيلة، ولم يمض طويل وقت حتى برزت عايدة بين الأشجع والأحذق من فرسان القبيلة الماهرين.

خالد ولقاء عايدة

كانت في صميم المعركة تصول وتجول ناشرة الرعب في صفوف الأعداء تصرخ بسيف مسلول: “أنا جندر بن زاهر، فارس الصحاري بلا مناظر!”

خلال تلك الأثناء وعلى مدى غير بعيد عن زاهر وابنته عايدة، كان محارب ينشى ولده ليصبح فارسا مغوارا خليقا بولاية عهد أبيه كان اسم الفتى خالدا. وكان خالد قويا ذكيا حسن الطلعة، بارعا ومتميزا بين أقرانه، تتجلى في ملامحه كبرياء الفارس الذي لا يجارى. وكانت متعته القصوى ومفخرته إثبات مهاراته على المحك في ميادين الحرب والصيد.

دارت الأيام وما هي إلا سنوات حتى مرض محارب ومات، فخلفه خالد في زعامة القبيلة. وكان خالد موضع احترام قومه ومحبتهم وتقديرهم. وكانت أخبار ابن العم جندر وبأسه تبلغ أسماع خالد، فيتوق إلى لقياه لاختبار مهاراته ضده في منازلات حبية – إذ إنه الوحيد، فيما يقال، الذي يستطيع مجاراته بمهاراته الفائقة.

لكن خالدا ما كان يقدم على ملاقاة جندر في حياة أبيه، وهو يدرك ما يضمره والده من غل ومرارة لزاهر على هجره إياه. وراودت خالدا الرغبة مجددا في زيارة زاهر وابن العم جندر. وبرفقة والدته ورهط من الفرسان انطلق عبر الصحراء قاصدا مضارب بني سعد لتحقيق تلك الرغبة.

استقبل زاهر ضيفه وأتباعه ببالغ الحفاوة والتكريم. وفي بضعة الأيام التي أمضاها خالد في ربوع مضيفه لم تنقطع الاحتفالات والمآدب. وبالنظر إلى شهرة خالد كفارس صنديد، فقد نظم زاهر على شرفه عدة مباريات ومبارزات استعراضية للخيالة والفرسان. وفي إحدى هذه المبارزات التقى خالد عايدة للمرة الأولى، وكانت لا تزال متمنطقة بدرعها ولابسة الخوذة والقونس إثر اشتراكها في مباراة منها فحياها خالد بحرارة قائلا: “جندر يا ابن العم، كنت أنتظر هذه اللحظة من زمان، أهلا بك ومرحبا”.

الحب من النظرة الأولى

تجاذبا أطراف الحديث فترة انسحبت بعدها عايدة إلى سرادقها، معتذرة، لتغيير ملابسها. ورغم قصر اللقاء فقد اعترى خالدا شعور وداد عميق غريب يشده إلى ابن العم هذا – لكنه عزاه إلى ما بينهما من اهتمامات مشتركة بأمور الفروسية والصيد.

أما عايدة فكان أثر هذا اللقاء فيها أشد – لقد وقعت في شباك الحب من النظرة الأولى!

عادت عايدة إلى خبائها وقد أربكها هذا الشعور العارم المفاجئ بالفرح. وجافى النوم عينيها معظم الليل فظلت ساهدة ساهرة. وما إن أشرق الصباح حتى هرعت إلى والدتها قائلة: “أماه! إذا خالد غادر ديارنا دون أن يصطحبني كزوجته فسأموت حزناً”. وسرت أم عايدة بما سمعت، وقالت في نفسها ليس كخالد قرين كف لابنتي إن هو وافق على الزواج منها. وخاطبت ابنتها قائلة: “عليك ببعض الصبر يا بنية! لا تبوحي لخالد بحبك، بل دعيني أكاشف والدته بالموضوع مساء اليوم وأشرح لها القصة بكاملها. ويقيني أن بواسطتها سنستطيع تدبير زواجك من خالد. إن هذا هو عاية مناي يا عزيزتي، كما أن والدك سيسعد به حقاً”.

تخطيط أم عايدة

انتظرت أم عايدة الفرصة المناسبة لمكاشفة أم خالد بالأمر وحين سنحت الفرصة تكلمت مطولا وبصراحة، ثم قدمت عايدة إليها قائلة: “هذه هي ابنتي عايدة. لقد ظلت طوال صباها تؤدي دور الفتى جندر في ساحات الوغى وحلبات الصيد، وآن لها اليوم أن تستقر”. وذهلت أم خالد بما سمعت ورأت. ثم اقتربت من عايدة برفق قائلة: “دعيني أنظر إليك يا فتاتي”. فتقدمت عايدة نحوها برقة ودلال.

لقاء أم خالد مع عايدة

هتفت أم خالد بنشوة: “ما رأيت جمالا كهذا بين نساء العرب. أنت لؤلوة نادرة يا عايدة وما أتصور أن أي صبية أخرى يمكن أن تحمل إلى ولدي سعادة أعظم!” واختلت أم خالد بولدها وقصت على مسامعه حكاية عايدة وجندر. واستمع خالد مذهولا لا يصدق أن بطلا مرهوب الجانب يمكن أن يكون امرأة! لكن أمه راحت تؤكد له ذلك قائلة: “هذه هي الحقيقة يا ولدي. والأغرب أن عايدة امرأة فائقة الحسن والجمال – قمر تقصر عنه النجوم. أعلم يا ضناي أنك لست مضطرا للأخذ بنصيحتي وأنا المرأة العجوز، لكني على ثقة أن اتخاذك عايدة زوجة سيحمل لك كل ما تتمناه من سعادة. كما أني أؤكد لك أن طلبت يد عايدة من ابن عمك زاهر فإنه سيلبي طلبك بسرور”.

رفض خالد للزواج

جلس خالد ساهما واحما لفترة، وشواش أفكاره يقطب جبينه، ثم هب واقفا وصاح: “فلتغادر هذا المكان الآن إني لا أشعر بالارتياح لهذه التطورات. إن كل ما تقولينه عن جمال عايدة النادر لا يغير من حقيقة أنها نشأت نشأة غير عادية – أبعد من أن تجعلها زوجة مناسبة لي. هذه الفتاة المرباة على رجولية الفرسان تتحول الآن فجأة إلى عاشقة متيمة! ليست هذه هي الخلفية ولا هذا هو المزاج اللذين أتوفعهما في زوجة زعيم تستقطب احترام قبيلته. اسمحي لي أن أخالفك أماه! ليست عايدة بالمرأة التي أرغب الزواج منها!”

قال خالد هذا وانطلق بجواده إلى حيث ابن عمه زاهر. فودعه على عجل وغادر مضارب بني سعد – تاركا صحبه وحشمه يعدون عدة الرحيل ويلحقون به برفقة والدته. وكان هذا الرحيل المفاجئ صدمة لزاهر وعائلته، وبخاصة لعايدة التي شعرت أن خالدا تعمد إهانتها.

ردة فعل عايدة

في غمرة مشاعر الحب والغضب ممتزجين، لازمت عايدة الفراش كأن مرضا ألم بها، حتى إن والدها الذي اضطر إلى شن حملة مفاجئة ضد غزاة عابرين لم يطلب إليها مرافقته، بل تركها تنال قسطا من الراحة والنقاهة. لكن ما إن ابتعد والدها وفرسانه عن المضارب حتى ارتدت عايدة درعا وخوذة سوداوين وانطلقت بجوادها كالهبوب عبر بطاح الصحاري اللافحة نحو مضارب نائل وزعيمها خالد.

وصول عايدة إلى مضارب نائل

اتجهت عايدة نحو مضافة القبيلة متخفية بدرعها وقونس خوذتها حيث استقبلت بالحفاوة التقليدية، وقدم لها خيمة خاصة لتنزل فيها وتستريح. وفي اليوم التالي عقدت سلسلة مبارزات شارك فيها الفرسان والخيالة متحديا الآخر ليعرضوا ما يتميزون به من براعة في ضروب النزال ومقارعة السيوف والرماح والفؤوس. وكان يوما مشهودا جمع نخبة من ألمع فرسان المنطقة، فكانت مبارياتهم عاتية مديدة. لكن بطل الحلبة بلا منازع كان فارسا غريبا مجهولا حاز إعجاب الجميع – نظارة وفرسانا: عايدة!

مواجهة خالد وعايدة

كان خالد أشد المشاهدين اهتماما بما رأى – إذ عليه أن يقابل هذا البطل في اليوم التالي ليبلو مهاراته ضده. في صباح اليوم التالي مع خيوط الشروق الوردية كان خالد متهيئا بكامل عدته في طرف حلبة النزال يرقب حركات خصمه، الفارس الغريب، بعناية واهتمام. بدأت مبارزتهما ببطء – كل يريد سبر مهارات منافسه وتقصي نقاط ضعفه من حيث سرعة الهجوم وحراسة الدفاع. ثم حمي وطيس النزال: فولاذ يصطفق مجلجلا أو يطج مرتدا مخفت الصليل عن جلد الدرقة التحين، وخطى الفارسين الرشيقة السريعة تثير غمائم من العجاج الخانق حولهما.

استنفد الخصمان وسائلهما ومهاراتهما وطاقتيهما أو كادا دون أن ينال أحدهما من الآخر مأربا، لكن خالدا بطبيعته الأصلب عودا كرجل استطاع أخيرا أن يطرح منافسته أرضا بضربة من سيفه. وكان بوسعه، لو أراد، أن ينهي المبارزة لمصلحته. لكنه إجلالا لخصمه تراجع طالبا إعلان انتهاء المبارزة بالتعادل – لا غالب ولا مغلوب!

مفاجأة خالد

وفي اليوم التالي لمح خالد الفارس الغريب وهو يحاول مغادرة المضارب على صهوة جواده. فناداه قائلا: “أيها الند الجليل؛ الكياسة تمنعني أن أسألك هويتك، لكني أتحرق توقا لمعرفة ذلك”. فأجاب الفارس: “ألا تعرف ابنة عمك عايدة؟ ألا تذكر المرأة التي دست قلبها ورفضت حبها؟ وداعا”. وبهذه الكلمات همزت جوادها وانطلقت مبتعدة عن الخيام إلى بطاح الصحاري اللاهبة.

عاد خالد إلى سرادقه وكأن دوارا قد أصابه من اضطراب الأحاسيس التي انتابته. تكشف له عمق الحب الذي كان يتنامى في لاوعيه نحو عايدة – وها هوذا يفاجئه مستحوذا جارفا. التجأ خالد إلى أمه يبثها شجاه ولوعته. فقالت الوالدة: “صبرا يا بني، سأقصد أم عايدة، وستكون العاقبة خيرا إن شاء الله”. وجمعت أم خالد، على عجل، ثلة من الفرسان والخدم وانطلقت برفقتهم عبر الصحراء في إثر عايدة.

وفي مضارب بني سعد كان لأم خالد استقبال وترحيب بالغان في بيت مضيفتها أم عايدة. وبعد تبادل عبارات الترحيب التقليدية شرحت أم خالد الغرض من زيارتها متوسلة إلى مضيفتها تحقيق رغبة خالد بالزواج من عايدة. وردت المضيفة بضرورة انتظار عودة زوجها زاهر من حملته، لكنها أضافت: “على كل، سأفاتح عايدة في الموضوع، ويقيني أنها ستسر بعرض الزواج هذا”.

رفض عايدة للزواج

كان رد عايدة مفاجئا لكليهما. “لقد بارزت خالدا لأشفي غيظي منه إذ رفضني، وتابعت قائلة: إن عزة نفسي الآن لا تسمح لي بقبول الزواج منه”. عادت أم خالد إلى قبيلتها بالنبأ المخيب للرجاء، فكان صدمة هزت كيان خالد وكدرت خاطره. لكن ذلك لم يزده إلا تصميما على الزواج ممن أحب. أمام هذا الإصرار أشارت عليه والدته بانتظار عودة ابن عمه زاهر من حملته. وأكملت خطتها قائلة: “ثم اذهب إليه بجاهة من خيرة فرسانك وبصحبة حلفائك من شيوخ القبائل طالبا يد ابنته. وإن رد بأن جندر هو ولده الوحيد وأن لا بنات له، فصارحه بما لا يجهله. فإنه في هذا الموقف سيشعر حتما بجدية طلبك، ولن يرفضه”.

انتظر خالد عودة زاهر، فجمع خيرة محاربيه وحلفاءه من شيوخ القبائل المجاورة. حين أنبأهم بالمهمة دهشوا لمعرفة أن جندر المغوار هو الصبية التي سيخطبون. ولكنهم جميعا وافقوا على مرافقة خالد تعزيزا لمطلبه. سار شيوخ القبائل يصحبهم خيرة فرسانهم مع خالد نحو مضارب بني سعد تتبعهم الدواب المحملة بفاخر الهدايا. استقبلهم زاهر بحفاوة بالغة ظنا منه أنهم جاؤوا يهنئونه بانتصاراته على الأعداء في حملته الأخيرة، ولعلهم أيضا سيدعونه وعائلته إلى العودة مجددا للعيش في ربوع قبيلته نائل كما كانت الحال في الماضي.

طلب يد عايدة

استمرت الولائم والحفاوة ثلاثة أيام أغدق فيها زاهر بسخاء على ضيوفه موفرا لهم المتعة والراحة. في اليوم الرابع تقدم خالد من زاهر طالبا يد ابنته للزواج. رد زاهر بارتباك ظاهر: “أنت تدري يا ابن العم أن لا بنات عندي، فجندر هو ولدي الوحيد”. هنا صارحه خالد بما كان له مع عايدة – كيف وقعت هي في حبه بادئ ذي بدء وما جرى بينهما، إثر إحجامه، من نزال وعتاب، وكيف يتفطر قلبه هو الآن في هواها بحيث لا هناء ولا سعادة مستقبلية له بدونها.

تنهد زاهر وهو يقول: “إذن لقد انكشف سري. إنه ليخجلني استذكار ما فعلته لإخفاء حقيقة ابنتي عن أخي محارب وقبيلته. بيد أنه إذا كانت عاقبة هذا أن تتزوج ابنتي من ولد محارب فليس أسعد على قلبي من هكذا نتيجة. مبروك يا خالد، لقد قبلت بك زوجا لابنتي عايدة”. وكظمت عايدة حفيظتها أمام قرار والدها الذي تفرض التقاليد الانصياع له، معللة بأن خالدا ليس أسوأ من غيره من الرجال.

شرط عايدة

خاطبت عايدة أباها قائلة: “على خالد أن يثبت جدارته أولا ليسعد عروسه. أعداؤنا في غرب المضارب لا يفتأون يهددون مراعينا وأرزاقنا. فليجرد عليهم خالد حملة تكفينا شرهم إلى غير رجعة. ومتى عاد منتصرا فسيسعدني الزواج منه”. وحين علم خالد بالمهمة التي تطلبها منه عايدة قبل القيام بها دون تردد.

انتصار خالد واعترازه

وانطلق خالد بجيشه عبر الصحراء وبريق أسلحة فرسانه يبهر الأبصار، وخيولهم تكر وتصول كجلاميد صخر حطها السيل من عل. ولم يطل غياب خالد في حملته. وقد سبقته أنباء انتصاره الساحق السريع وبلائه هو شخصيا البلاء البطولي في تحقيق ذلك الانتصار. فكان استقباله في عودته مهرجانا زاهيا بالأفراح والعراضات، بهيجا بأنغام الصنوح والمزامير. وتحدد موعد الزواج بدر الشهر التالي. وبدأت الاستعدادات لجعله حدثا رائعا يدعى إليه وجوه القوم قاصيهم ودانيهم. وكان فرح خالد واعتزازه يفوقان الوصف.

يروق لعايدة ذاك الاعتزاز العامر في تصرفات خالد. فمثل هذا الزهو الغرار يخيفها. ألم يكن ذاك سببا في ازدرائه مرة بحبها؟ وهكذا راحت تقول في مجالسها: “إن الضيوف سيتوافدون على مضاربنا من كل حدب وصوب. وما نسمعه مؤخرا عن تعرض المسافرين لخطر الأسود الصارية يفترض على خالد تحرير الدروب من هذا الخطر قبل أن يداهم القادمين من ضيوفنا”. وبلغت هذه المقولة مسامع خالد فتحمس لها، إنه لا شيء أحب إليه من الخروج إلى الصيد، فكيف به إذا كان هذا الصيد هادفا! وأعد خالد رجاله من المتمهرين في القنص وانطلق بهم في البراري لإنجاز تلك المهمة.

عايدة ومغامرتها

وما إن غادر موكب خالد المضارب حتى تنكرت عايدة في قفطان فضفاض وعمامة وقناع. ثم انطلقت بجوادها في اتجاه موقع الأسود نحو التلال الصحراوية، تاركة وراءها سحابة عارمة من الغبار. وهناك في التلال، قصدت كهفا كانت لبؤتان شرستان تتخذانه مكمنا، وبينما هي تدنو من الكهف مشيا، سمعت هرير اللبؤتين قابعتين على حيد صخري فوقها على وشك أن تنقضا عليها. ولم تفاجأ عايدة بانقضاض اللبؤتين، إذ تراجعت بخفة وحذر فصاولتهما بمهارة وسرعة – في يمناها سيفها وفي يسراها خنجر، فقضت على كلتيهما كل بدورها في جولات لم تطل. ثم ولجت عايدة الكهف تنشد الراحة بانتظار وصول خالد وصحبه.

مواجهة خالد للفارس الغريب

وما هي إلا سويعات حتى أطل موكب خالد، ففوجئ الركب بجثتي اللبوتين ممددتين على الأرض قبالتهم. وكانت مفاجأتهم أشد حين طلع عليهم غريب من فجوة الكهف ليصرح في وجه خالد: “ارم سيفك يا هذا وانصرف من هنا إن كانت حياتك تهمك”. فترجل خالد ليجابه هذا التحدي، وأجاب: “أيها الغريب ترو، إنك لا تعرفني وتجهل بالتالي أن اسمي يدب الرعب في قلوب المشاكسين”.

وتشابك سيفا الخصمين واستعر العراك عنيفا بينهما. واستمر العراك محتدما ساعات طوالا تحت لهيب الحر الساطع، ولحظ خالد في عيني خصمه بريق عزم وتصميم رهيب رافقته ضربات متلاحقة كاد يعجزه ردها – ضربات من نوع لم يسبق أن شاهد لها مثيلا. وأخيرا، وقد تأكد له أن تحقيق أي نصر على هذا الغريب ينطوي على مغامرة غير محمودة، تراجع خالد خطوتين، وطلب إلى الغريب وقف العراك قائلا وهو يلهث: “لن يسفر هذا العراك العبثي عن شيء، فلتعتبره تعادلا، وليذهب كل منا في حال سبيله. لكن لي رجاء هو التعرف بهذا الخصم الذي كان لي شرف منازلته”.

الكشف عن الهوية

وهنا رفعت عايدة قناعها قائلة ببرود: “فليكن هذا هو الدرس الأخير لكبريائك يا خالد، كان لا بد من ذلك لتبرهن محبوبتك أنها لك كفؤ. فبدون ذلك ما كانت تستطيع الزواج منك”. وعاد الفارسان أدراجهما إلى المضارب متكافئي الاعتزاز فوق صهوتي جواديهما – يقرع أسماعهما وقع الحوافر وأزيز الريح. وعلى مشارف الخيام شاهدا دخان النيران الموقدة لإعداد مآدب الزفاف؛ ومن حواليهما رأيا أرتال القوم وافدين من كل حدب وصوب نحو أصوات طبول وأنغام صنوح تملأ الأجواء بهجة وحبورا.

معرض الصور (قصة خالد وعايدة)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى