قصة جزيرة الأحلام
ملخص قصة جزيرة الأحلام
في “جزيرة الأحلام”، يهرب الفتى بيتر بان إلى جزيرة غامضة لا يكبر فيها أبداً. تُرى الجزيرة في أحلام الأطفال، وتضم قراصنة وجنيات وأطفالًا ضائعين، وهي مليئة بالمغامرات. يعيش بيتر مع الأولاد الضائعين الذين سقطوا من عرباتهم ونسيتهم عائلاتهم. كانوا يحبون الألعاب والمغامرات، لكنهم يفتقدون دفء العائلة وحكايات المساء.
ذات ليلة، يزور بيتر بيت عائلة دارليغ ويقنع وندي وأخويها، مايكل وجون، بالذهاب معه إلى الجزيرة. يعلمهم الطيران بمساعدة الجنية تنكر بل، ويبدأون رحلة طيران شائقة عبر النجوم. ورغم متعة الرحلة، يشعر الأطفال بالتعب والجوع، ثم يصلون أخيراً إلى الجزيرة التي تبدو سحرية ومليئة بالحياة.
في الجزيرة، يواجه الأطفال تحديات عديدة، حيث يتحالفون مع بيتر ضد القراصنة الذين يقودهم القبطان هوك الشرير. هذا القبطان فقد يده بفضل بيتر، وأصبحت مفقودته مطمعًا للتمساح الذي يطارده في كل مكان. تميز القبطان بقبضته الخطافية وشخصيته المخيفة، وكان يثير الرعب في كل من حوله.
تنشب معارك مثيرة بين الأطفال والقراصنة، وتظهر شجاعة وندي التي أصبحت بمثابة “أم” للأولاد الضائعين. تحاول الجنية تنكر بل التخلص من وندي بسبب غيرتها، لكن بيتر يغفر لها في النهاية عندما تضحي بنفسها لإنقاذه من سم وضعه هوك في دوائه.
تستمر المغامرات ويضطر بيتر إلى خوض معركة أخيرة مع القبطان هوك، يتمكن فيها من دفعه إلى البحر، حيث يلتهمه التمساح. يعود الأطفال أخيرًا إلى بيتهم، ويجدون النافذة مفتوحة كأن عائلتهم كانت تنتظرهم دائمًا، وسط فرحة لم الشمل.
وهكذا، تستمر حكاية بيتر بان الذي لا يكبر أبدًا، يتجدد حضوره في الجزيرة ما دام الأطفال في العالم يحلمون بجزيرة الأحلام.
قصة جزيرة الأحلام مكتوبة
يروي هذا الكتاب قصة بيتر بان، الولد الذي لم يكبر قط. ذلك أنه هرب، حين كان لا يزال صغيرا، ليعيش في جزيرة الأحلام. يزور الأطفال تلك الجزيرة في أحلامهم. لكن عليهم أن يكونوا قادرين على الطيران. وما من شيء في تلك الجزيرة إلا ويمكن أن يتحقق. كان بيتر قادرا على الطيران. فكان إذا أحس بالوحدة أحيانا يطير عائدا إلى عالم البشر، ليستمع من خلف الشبابيك إلى حكايات المساء ترويها الأمهات لأولادهن قبل النوم. وكان يأمل أن يصطحب معه يوما، عند عودته، رفاقا يلعب معهم.
من الأماكن التي كان يحبها كثيرا في عالم البشر مكان قريب من إحدى الحدائق العامة، حيث كان يعيش السيد والسيدة دارلنغ وأولادهما الثلاثة وندي ومايكل وجون. كان للأولاد الثلاثة كلب يقظ ينام في جوار غرفة نومهم. فإذا استيقظ أحد الأولاد ليلا قفز إليه في الحال ليكون بين يديه، بل إنه كان يحمل مظلة في فمه ويرافق الأولاد إلى المدرسة خشية هطول الأمطار. لو كان ذلك الكلب قائما على الحراسة ليلة أن جاء بيتر بان يغري الأولاد بالرحيل، لما وقعت أحداث هذه القصة.
كانت السيدة دارلنغ امرأة بشوشة رضية الخلق، تحب أولادها حبا جما، وتكثر من تقبيلهم وضمهم إلى صدرها. أما السيد دارلنغ فكان قليل الابتسام، غير راض عن الكلب ولا عن وجوده في المنزل. اعتادت السيدة دارلنغ أن تروي لأولادها كل ليلة حكاية من حكايات المساء. وتغطيهم برفق بعد أن يناموا، ثم تضيء لمبة الليل الضعيفة، وتخرج وهي تتساءل قائلة: “بم تراهم يحلمون؟” لقد كانوا يحلمون بجزيرة الأحلام. ولو قدر لك أن تنظر آنذاك في أفكارهم لرأيت رسما للجزيرة بألوان رائعة. ولرأيت في الرسم بحيرة، وسفينة قرصان، وبعض طيور البشروس، وريفا مرجانيا.
جزيرة الأحلام
جزيرة الأحلام مكان آمن نهارا للعب تحت الطاولة أو بين قوائم الكرسي. أما ليلا، قبيل استغراق الأطفال في نوم عميق، فإن جزيرة الأحلام تبدو وكأنها عالم حقيقي. ويسعد الأطفال آنداك أن تكون لمبة الليل مضاءة. وقد حير السيدة دارلنغ أن أولادها كانوا يكثرون من الحديث عن ولد اسمه بيتر بان، ويقولون: “إنه يعيش مع الجنيات.” وكان السيد دارلنغ يقول: “لا أدري من وضع في رؤوسهم مثل هذه القصة السخيفة.”
ذات يوم، وجدت السيدة دارلنغ تحت شباك غرفة النوم أوراق شجر غريبة الشكل. قالت الفتاة الصغيرة وندي، وهي كبرى الأولاد: “لا بد أن بيتر قد خلفها وراءه، فهو ولد مهمل.” ردت الأم في استغراب: “لكن كيف يمكنه أن يتسلق إلى غرفة النوم العالية؟ لا بد أنك كنت تحلمين!”
لكن وندي لم تكن تحلم. فقد حدث في مساء اليوم التالي أن كانت الأم في غرفة نوم أولادها تستغل في التطريز، فأحست بنعاس شديد وراح النوم يغالب عينيها. وفجأة انفتحت النافذة وقفز منها إلى داخل الغرفة ولد يلبس ثوبا من أوراق الشجر! دخل وراء الولد ضوء صغير غريب راح يدور في الغرفة وكأنه كائن حي. وقد أيقظ ذلك السيدة دارلنغ وعرفت من فورها أن الفتى هو بيتر بان! وأطلقت صيحة خوف. جاء الكلب يهر، فارتد الولد إلى النافذة هاربا. وأسرع الكلب يقفل النافذة، لكن الولد كان قد خرج، ولم يبق منه داخل الغرفة إلا ظله. وقد أطبقت النافذة على قدم الظل ففصلتها. أسرع الكلب يلتقط قدم الظل في فمه ويحملها إلى سيدته. فتناولتها السيدة ولفتها بعناية ووضعتها في خزانة الأدراج.
لقاء وندي وبيتر
كان السيد والسيدة دارلنغ، بعد أسبوع من تلك الحادثة، مدعوين إلى حفلة عشاء في منزل مجاور. وكان السيد دارلنغ غاضبا من الكلب فربطه في ساحة المنزل. أخذ الكلب ينبح نباحا متواصلا فأحست الزوجة بالقلق وقالت: “لا ينبح هذا النباح إلا عند إحساسه بالخطر!” فقال زوجها: “هراء! أسرعي وإلا فاتنا العشاء.” وما إن أغلق باب المنزل حتى انطفأت لمبة الليل في غرفة نوم الأولاد. وظهر في الغرفة فجأة ضوء براق غريب راح يتنقل بين أدراج الخزانة، ثم استقر في إبريق ماء. ولم يكن ذاك الذي بدا ضوءا إلا جنية صغيرة اسمها تنكر بل.
اللحظة التالية بدا في النافذة بيتر بان نفسه. وسرعان ما قفز إلى داخل الغرفة وقال: “أخرجي من الإبريق يا تنكر! وأريني أين هو ظلي!” وينك هو الاسم الذي يناديها به أصدقاؤها. أخبرته تنكر بل بصوتها النغمي الرنان أن ظله في خزانة الأدراج. أخرج بيتر ظله، وأقفل الدرج ناسيا أن تنكر بل كانت لا تزال فيه. وجلس على الأرض يحاول أن يلصق ظله. جرب الماء ثم استعمل الصابون لكن الظل لم يلتصق، فأحس باليأس. وفي هذا الوقت استيقظت وندي، فقالت له: “ما الأمر؟” أجاب بيتر شاكيا: “لا أستطيع لصق ظلي!” قالت وندي: “أعطني إياه. سأخيطه لك.” ثم قامت وجلبت سلة أشغالها، وخيطت الظل.
سر بيتر سرورا بالغا بعودة ظله إليه، حتى نسي من فرحه أن يشكر وندي، وراح يصرخ: “ما أشد ذكائي وأعظم حذائي!” كانت وندي فتاة صغيرة لطيفة، فلم تنزعج من تصرف بيتر. بل إنها أرادت أن تهديه شيئا، فلم تجد أمامها إلا كشبان الخياطة فقدمته له. قدم لها بيتر، مقابل هديتها، زرا بلوطيا من أزرار معطفه. فوضعته وندي في سلسلة علقتها حول عنقها. وكان مقدرا لهذا الزر أن ينقذ حياتها!
حكايات بيتر
حدث بيتر صديقته الجديدة بأخباره كلها، وحكى لها كيف أنه هرب من بيته وهو صغير وعاش مع الجنيات. وذكر لها أن سنه لم تتغير منذ ترك بينه، وأنه يعيش الآن في جزيرة الأحلام مع الأولاد الصغار. الأولاد الصغار هم أولئك الذين وقعوا من عرباتهم في أثناء انشغال الكبار عنهم. ولما لم يسأل أحد عنهم أرسلوا إلى جزيرة الأحلام.
استفسرت وندي عن الجنيات، فقال لها بيتر: “حدث ذات يوم أن تحطمت ضحكة طفل إلى ألف جزء، فتحول كل جزء إلى جنية. لكن الأولاد هذه الأيام لا يؤمنون بالجنيات. وفي كل مرة يصرح طفل أنه لا يؤمن بالجنيات، تقع واحدة منهن ميتة.” هذا الحديث ذكر بيتر بتنكر بل التي كانت لا تزال محتجزة داخل الخزانة: أسرع يفتح الدرج، وخرجت تنكر بل مهتاجة غاضبة، وراحت تحوم في الغرفة كالنحلة الهاربة. ثم استقرت لحظة فوق ساعة الكوكو، فرأتها وندي وهتفت: “ما أجملها!” أما تنك فقد غارت من وندي وكرهتها. ولم يعجبها أبدا أن تقدم الفتاة هدية إلى بيتر.
استيقظ، في هذه الأثناء، كل من مايكل وجون. وأخذ بيتر يتحدث عن الأطفال الصغار الذين هو زعيمهم، ويروي أخبار مغامراتهم ومعاركهم مع القراصنة. سألت وندي: “أليس بين الأطفال الصغار بنات؟” أجاب بيتر بخبث: “لا، فالفتيات من الذكاء بحيث لا يقعن من عرباتهن. ليس عندنا أخوات أو أمهات يروين لنا حكايات ويصلحن ثيابنا.” هتفت وندي الطيبة القلب: “مسكين! أنا أعرف الكثير من الحكايات، وأصلح النياب أيضا. وكان ذلك هو ما يسعى إليه بيتر، فقد أراد أن يأخذ وندي وأخويها إلى جزيرة الأحلام. ووعد أن يعلمهم الطيران.
رحلة الطيران
ذكر بيتر لوندي أن الطريق إلى جزيرة الأحلام سهلة، فما كان عليهم إلا أن يتجهوا يمينا، ثم يطيروا طيرانا مستقيما فيصلوا مع طلوع الصباح. لكن بدت رحلة الطيران تلك طويلة جدا، وخافت وندي أن يكون بيتر قد أضاع طريقه. كانت بداية الرحلة مسلية جدا. راح الأولاد يتسابقون في الفضاء ويلعبون بين العيون والنجوم. لكن مع مرور الوقت حل بهم التعب، وأحسوا بالبرد وهم يطيرون بثياب النوم. كانوا أيضا جائعين. وأخذ بيتر يخطف لهم الطعام من مناقير الطيور المحلقة في الفضاء، لكن ذلك لم يكن طعاما مناسبا.
ثم وجدوا أنفسهم يطيرون فوق البحر، وواجههم هنا خطر جديد. فلو نام أحدهم لهوى نحو الأمواج كالحجر. وقد هوى مايكل فعلا، فلم يسرع بيتر لإنقاشه إلا بعد أن أوشك على الوقوع في البحر. ورأت وندي في ذلك تصرفا يدل على مهارة، لكن لا يدل على لطف. وقد قام بيتر بحركات استعراضية كثيرة. وكثيرا ما كان يترك رفاقه في البحر والغيوم لجولات سريعة يتحدث فيها إلى عرائس والنجوم.
أخيرا رأوا تحتهم جزيرة الأحلام! كانت الشمس تعمرها بنور أشعتها الذهبية، ورأوها جزيرة فاتنة، كما تخيلوها. ورأوا فيها البحيرة، وأكواخ الهنود الحمر، والحيوانات البرية. ثم عاصت الشمس وراء البحر وعم ظلام مخيف وبدأ الندم يساور الأولاد على قيامهم بتلك الرحلة، وتمنوا لو كانوا في غرفتهم التي تضيتها لمبة الليل. كانوا في هذا الوقت يطيرون فوق رؤوس الأشجار، لكن لا يستطيعون الهبوط، وكأن قوة خفية تدفعهم وتمنعهم من التزول في الجزيرة.
معركة مرتقبة
قال بيتر وعيناه تشعان: “لا يريدوننا في الجزيرة.” سألت وندي: “من لا يريدنا في الجزيرة؟” لم يجب بيتر على السؤال، وقال: “أتريدون الآن القيام بمعمرة أم تفضلون شرب الشاي؟ إن بين الأشجار قرصانا نائما، إذا شئتم قتلته!” خاف جون وقال مسرعا: “نفضل الشاي!” كلهم ثم حدثهم بيتر عن القراصنة وزعيمهم المرعب القبطان هوك. كانوا قد سمعوا بذلك القبطان المتعطش للدماء. قال بيتر بفخر: “أنا قطعت له يده اليمنى!” أسرعت وندي تقول: “فهو عاجز عن القتال إذا؟” بل يقاتل. إن له في مكان يده حطافا حديديا يستعمله كما يستعمل المخلب!” فدبت القشعريرة في أجساد الأولاد.
ثم أضاف، وهو ينظر إلى الأولاد بعينين عابستين: “إن المعركة مع هذا القبطان آتية لا محالة، وأريدكم أن تعدوني ألا يتدخل أي منكم فيها. أريد أن أقاتله وحدي.” عند ذاك، حذرتهم تنكر بل من أن القراصنة قد حشوا مدفعهم الكبير، لونغ جون، وأنهم اكتشفوا موقع بيتر ورفاقه من الضوء الذي تشعه هي نفسها. فأسرع الأولاد يخبون الجنية الصغيرة في طاقية جون التي كانت وندي تحملها. فجأة سمع صوت هائل! فقد أطلق القراصنة قذيفة من مدفعهم انقلب الأولاد على ظهورهم وداروا في الفضاء، وانفصلت وندي وتنكر عن الأولاد.
كانت تلك فرصة تنكر بل للتخلص من وندي، وقد كانت تغار منها. تظاهرت أنها صديقتها وقادتها في اتجاه مخالف لمكان الأولاد الآخرين. جزيرة الأحلام أما وقد أوشك بيتر على الوصول فقد دبت الحياة في جزيرة الأحلام. خرج الأولاد الصغار يفتشون عن زعيمهم. وخرج القراصنة يطاردون الأولاد الصغار. وكان الهنود الحمر يترصدون القراصنة، والحيوانات البرية تراقب الهنود الحمر! كانوا كلهم يطوفون في الجزيرة فلا يلتقون.
الأولاد الصغار
كان الأطفال الصغار ستة، هم: توتلز المنحوس، ونبز البشوش، وسلايتلي المغرور، وكورلي الشقي الذي كان دائم الوقوع في المتاعب حتى صار يعترف بأخطائه وأخطاء غيره. أما الولدان الأخيران فكانا توأمين. وقد انطلق الأولاد الستة في الأدغال في صف أحادي، وفي يد كل منهم خنجر. ثم برز القراصنة، فإذا هم عصابة من الرجال ذوي النظرات الشريرة والأصوات المرعبة. كان على أجسادهم وشام وفي آذانهم حلقات ذهبية. وعرف عنهم جميعا أنهم أشد القراصنة توحشا وندالة. وقد كان أحد هؤلاء القراصنة، واسمه سمي، ذا وجه وديع بشوش، يضع على عينيه نظارتين لكنه في الحقيقة كان أسوأهم جميعا. وقد اعتاد أن يدخل سيفه القصير في جراح خصومه ويقلبه فيها إمعانا في الأذى.
أما زعيم القراصنة، القبطان هوك، فكان أسوأ اللصوص قاطبة. لم يكن يخيفه شيء في الحياة، إلا رؤية دمه هو. وكان يعامل رجاله معاملته للكلاب ويدخن سيجارين في وقت واحد مستعينا بمشرب ذي شعبتين. كان لهوك وجه مقيت عابس، وشعر طويل أجعد، وعينان زرقاوان حاقدتان تستعلان شررا. وكان إذا غضب من أحد رجاله رماه بالخطاف، حتى دون أن ينزع مشرب السيجارين من فمه، فيسقط الرجل صريعا. ذلك القبطان كان عدو بيتر بان اللدود.
وكان يتتبع أثر أولئك القراصنة جماعة من الهنود الحمر طلوا وجوههم بألوان زاهية، وساروا بحذر يحملون فؤوسهم. كان اسم زعيم هؤلاء الهنود الأسد الصغير، واسم أميرتهم الزنبقة النمرية. وكانت الأميرة فائقة الجمال، أبية النفس، ولا تقل شجاعة عن المحاربين من الرجال. ثم تتابعت الحيوانات البرية المفترسة. فمشت الأسود والنمور فاتحة أفواهها الجائعة، ومشى معها تمساح ضخم مربع.
كهف الأولاد
وصل الأولاد الصغار إلى كهفهم الكائن تحت جذور سبعة أشجار عالية. وكان في جذع كل من الأشجار السبع باب ضيق يدخل فيه الولد منهم وينزل إلى الكهف. ولم يكن القراصنة قد اكتشفوا هذه الأبواب السرية الضيقة. رأى القراصنة الفتى نبز يركض بين أشجار الغابة وأرادوا الإمساك به لكن القبطان هوك منعهم من ذلك قائلا: “أريدهم جميعا. لا أكتفي بواحد!” وجلس على نبتة فطر كبيرة ينتظر، بينما راح رجاله يبحثون في الغابة.
وقد روى القبطان هوك لقرصانه سمي كيف قطع له بيتر بان يده، ثم قال بحنق شديد: “ورمى اليد المقطوعة إلى تمساح كان يمر من هناك، فأحب التمساح طعمها. وهو منذ تلك اللحظة يطاردني ليأكل ما بقي مني! وقد كاد يصل إلي مرارا، لولا أنه ابتلع يوما ساعة كبيرة، فصرت أسمع تكتكة الساعة كلما اقترب مني فأهرب.” قال سمي: “ذات يوم ستتوقف الساعة عن التكتكة، فيأكلك التمساح!” قال هوك: “ذلك هو ما يرعبني.” فجأة قفز هوك وهو يصرح: “إني احترق! نبتة الفطر هذه ساخنة كالجمر!” لقد كان القرصان يجلس على مدخنة كهف الأولاد التي صنعوها على شكل فطر للتمويه. وسرعان ما أدرك القرصان الشرير ذلك. لكن، في تلك اللحظة، جاءه صوت مألوف شغله عن الأولاد، وكان ذلك صوت تكتكة ساعة، فاندفع هو وسمي هاربين.
وندي في الخطر
خرج الأولاد من مخابئهم، وعاد نبز على عجل وهو يشير إلى السماء. لقد رأوا طائرا هائلا يحوم فوق رؤوسهم، لم يسبق لهم أن رأوا مثيلا له من قبل. وكان ذاك الذي ظنوه طائرا هو الفتاة وندي، لكنهم لم يكونوا يعرفون. وكانت تنكر بل تحوم حول وندي تشدها من شعرها وثيابها، فتتأوه الفتاة قائلة لنفسها: “مسكينة يا وندي!” سأل نبز: “هل من طائر اسمه وندي؟” وصاح الأولاد: “مرحبا يا تنك!” فقالت تلك: “بيتر يريدكم أن ترموا وندي بالسهام.” وكان الأولاد يفعلون دائما ما يريدهم بيتر أن يفعلوه، فأسرعوا إلى أقواسهم يأتون بها. وكان أسرعهم في ذلك توتلز. فصرخت تنك به: “عجل، يا توتلز، عجل! سيسر بيتر بذلك كثيرا!” أطلق توتلز سهمه، فدارت وندي على نفسها مرارا، وسقطت على الأرض، وقد أصاب السهم صدرها.
التف الأولاد حول الطير الذي أسقطوه، وسرعان ما أدركوا أنهم أسقطوا فتاة. قال التوأمان بحسرة: “كان يمكن أن تصبح هذه الفتاة أما لنا ترعانا لكنها قد قتلها توتلز!” ولعل ما حدث كان من مظاهر الحق السيء الذي ملازم توتلز المنحوس. في هذه اللحظة وصل بيتر، وأخبرهم أنه جلب لهم أما. وصعق عندما رأى وندي على الأرض. فقال له توتلز بحزن وشجاعة: “أنا قتلتها! أرجوك اقتلني، فإني أستحق الموت!” ماره رفع بيتر قوسه يريد أن يرمي توتلز بسهم، لكن فوجي الجميع برؤية وندي ترفع يدها، وتقول بصوت ضعيف: “مسكين توتلز!” صاح بيتر: “إنها حية!” لقد أصاب السهم الزر البلوطي الذي تعلقه حول عنقها، فأنقذ ذلك حياتها!
قال كورلي: “اسمعوا إن تنك تبكي لأن وندي لم تمت.” ثم حكوا لبيتر ما فعلته تنكر بل. قال بيتر بغضب: “ارحلي عنا إلى الأبد، يا تنكر بل، لن أكون صديقا لك بعد اليوم!” لكن وندي رفعت يدها ثانية محتجة. فوافق بيتر على أن يبعدها أسبوعا واحدا فقط. ولم تحفظ تنكر بل الجميل، بل تمنت لو تشد شعر وندي وتعذبها. إن للجنيات أحيانا تصرفات غريبة.
المنزل الصغير
كان أمام الأولاد مشكلة، فوندي كبيرة لا تستطيع الدخول من فتح الأشجار الضيقة للنزول في كهف الأولاد. فقال بيتر: “سنبني لها بيتا!” أسرع الأولاد يجمعون الأغصان وسائر مستلزمات المنزل. وشارك مايكل وجون في العمل. بنى الأولاد بيتا جميلا، جدرانه حمراء، وسجادته من الطحالب الخضراء. وجعلوا له بابا وشبابيك، وزرعوا حوله ورودا وأزاهير. ثم أمسك بيتر طاقية جون العالية، ونزع أعلاها، ووضعها فوق سطح المنزل لتكون مدخنة. وسرعان ما أخذ الدخان يتصاعد منها. قال لوندي: “هذا المنزل الصغير لك!” قال الأولاد الصغار: “ونحن جميعا أولادك!” ابتسمت وندي، وقالت: “ادخلوا جميعا البيت. سأحكي لكم قصة سندريلا.”
راح بيتر يبحث في جذور الأشجار السبع عن مكان مناسب لحفر فتح يستعملها الوافدون الجدد، فينزلون إلى الكهف متى شاؤوا. وكان الكهف غرفة واحدة واسعة جدا، كان يقوم في وسطها شجرة من أشجار الأحلام، فقص الأولاد تلك الشجرة وجعلوا من أوراقها طاولة للطعام. لكن كان عليهم أن يفعلوا ذلك كل صباح لأن الشجرة كانت تعود إلى النمو ليلا. مدت وندي حبالا في الغرفة لتعلق عليها الغسيل. وكان في جانب من الكهف سرير واسع ينام عليه الأولاد كلهم. فإذا حل الصباح أطبقوا السرير على الحائط. وكان لتنكر بل غرفة صغيرة خاصة بها، وقد فرشت الغرفة فرشا لطيفا، ووضع في إحدى زواياها طاولة للزينة ومرآة ومقعد صغير. أخذت وندي تهتم بإعداد الطعام، وكانت تعد ما تجده في الجزيرة من فاكهة وحديد، وما يأتي به الأولاد من أنواع الأسماك. وكانت تحب الجلوس أمام النار في العشيات، حين يكون الأولاد نائمين، فتصبح ثيابهم.
الأسابيع تمر
مرت الأسابيع، وبدأ مايكل وجون يشعران وكأن وندي أمهما الحقيقية مع أنها كانت دائما تذكرها بأنها أختهما وليست أمهما. وكان الأولاد طوال تلك الفترة يقومون بمعامرات يخططها لهم بيتر. ولا يتسع الوقت إلا لرواية جانب ضئيل من تلك المغامرات.
وكان في طرف الجزيرة المحاذي للبحر، بحيرة زرقاء اللون صافية تعيش فيها عرائس بحر. وكانت عرائس البحر تجلس متكاسلة على صخور الشاطئ تسرح شعرها الطويل، وتضرب الماء بذيلها مرسلة رذاذا قويا يبلل الأولاد القريبين. وكانت العرائس تلعب بعد الاستحمام بفقاعات البحيرة الملونة بألوان قوس قزح. وفي الليالي المقمرة كانت تغني أغاني حزينة، وكان الاقتراب من البحيرة في مثل تلك الأوقات محفوفا بالخطر.
طائر غريب
وكان طير غريب من طيور جزيرة الأحلام قد بنى عشه فوق شجرة محاذية للشاطئ، ووضع في ذلك العش ست بيضات. ذات يوم سقط العش في ماء البحيرة فحملته الأمواج، وكأنه قارب صغير. وكانت أنثى الطير لا تزال تحتضن البيض وتجلس فوقه. وقد حذر بيتر الأولاد من الاقتراب من ذلك الطائر أو إزعاجه.
كان في البحر صخرة سوداء كبيرة بارزة، فإذا جاء وقت المد غطتها المياه. واعتاد القراصنة أن يربطوا أسراهم في تلك الصخرة ويتركوهم هناك ليموتوا غرقا. لذا سميت صخرة الهالكين. بعد ظهر أحد الأيام، وكان الأولاد يأخذون فوق تلك الصخرة غفوة قصيرة، أخذت تلوح من بعيد أشباح سوداء. ثم غابت الشمس، وغدت البحيرة مكانا بارد الماء غير مستحب وسعت وندي إلى أن تبعد الخوف عن نفسها، حتى بعد أن سمعت صوت زورق يدنو من الصخرة. أما بيتر الذي كان دائم التحفظ فقد صاح: “قراصنة! اغطسوا جميعا في الماء!” وما هي إلا لحظة واحدة حتى كانت الصخرة خالية.
اقترب زورق القراصنة من الصخرة، فإذا فيه ثلاثة من رجال القبطان هوك. وكان القراصنة قد أمسكوا الزنبقة النمرية وهي تحاول تسلق سفينتهم وبين أسنانها سكينها. وقد ربطوا قدميها ويديها وقرروا تركها على صخرة الهالكين. لكن الزنبقة النمرية لم تبد خوفا، فهي ابنة زعيم! أراد بيتر أن ينقذ الفتاة وأن يلهو في الوقت نفسه. فصاح مقلدا صوت القبطان هوك: “أنتم، أيها المغفلون! أطلقوا سراح الهندية!” شرع القرصان سمي يقول: “لكن، أيها القبطان، لقد طلبت منا…” زعق بيتر آمرا: “نفذ أمري في الحال، أتسمعني؟ وإلا غرزت خطافي في جسدك!” فقال قرصان منهم بعصبية: “خير لك أن تفعل ما يأمر به القبطان!” وهكذا فك القراصنة قيد الزنبقة النمرية وأطلقوا سراحها، فغطست في الماء وانسابت كما تنساب السمكة.
خطة هوك
فجأة علق في البحر صرخة. وكانت تلك صرخة القبطان هوك الحقيقي الذي كان يقبل ناحية صخرة الهالكين سباحة ليلتحق برجاله. رفع سمي قنديله، فبدا القرصان الشرير يتسلق الصخرة والماء يتقطر منه. لقد لحق برجاله ليشرح لهم خطة للإمساك ببيتر وجماعته. قال هوك بأسف: “لعلنا لن نستفيد كثيرا من هؤلاء الأولاد بعد أن تعودوا الاعتماد على أم تعتني بهم.” قال سمي: “لعلنا نأسر وندي أيضا فتكون لنا نحن أيضا راعية وأما!” وكادت وندي تصرخ من مخبئها القريب بكلمة: “مستحيل!” قال هوك: “فكرة صائبة. لكن علينا قبل كل شيء أن نمسك الأولاد ونجعلهم يسيرون على اللوح!” ثم تذكر الأميرة الهندية، فثارت ثائرته عندما علم بإطلاق سراحها، وصاح: “لم أعط أمرا بإطلاقها!” ثم دب به الدعر عندما علم بخبر الصوت الغريب. ونادى بصوت خائف قائلا: “أيتها الروح التي تسكنين الليلة هذه الدجنة المعتمة، أتسمعيني؟”
لم يستطع بيتر إمساك نفسه، فقال مقلدا صوت القبطان نفسه وبنبرة عميقة رعاشة: “أسمعك!” سأل هوك بصوت أجش: “من أنت، أيها الغريب؟” أجاب بيتر: “أنا القبطان هوك!” إذا كنت أنت هوك، فمن أنا إذا؟” أنت سمكة مدعورة!” شحب وجه هوك غضبا، وكأنه حزر من كان يلعب معه تلك اللعبة. فقال: “أأنت صبي؟” أجاب بيتر ساخرا: “ألا تستطيع أن تحزر؟” قال هوك بخبث ودهاء: “أأنت فتى مدهش؟” أسرع بيتر يقول بخيلاء: “نعم، نعم! أنا فتى مدهش! أنا بيتر بان!” وفي الحال أصدر هوك أمرا بالهجوم، قائلا: “إلى الماء! أريده حيا أو ميتا!” فجاء الأولاد الثمانية جميعهم وفي يد كل منهم خنجرا. اشتبك الأولاد مع القراصنة وتعلبوا عليهم وأجبروهم على الفرار إلى سفينتهم. وكان بيتر قد أمر الأولاد أن يتركوا القبطان هوك له، فركبوا زورق القراصنة واتجهوا به ناحية الشاطئ.
صراع بيتر وهوك
اشتبك بيتر وهوك في قتال عنيف وتبادلا الضربات، ثم سقطا كلاهما في الماء. وعاد بيتر فتسلق الصخرة أولا، ثم مد يده إلى القبطان هوك ليساعده في الصعود إلى الصخرة فيكون القتال متكافئا. لكن هوك الغدار عض اليد التي امتدت تساعده. وقد أثار ذلك التصرف الشعور ببيتر فأفقده صوابه وجعله يتخلى عن حذره، فكان أن تمكن هوك من أن يطعنه بخطافه طعنتين.
كان المد يرتفع ارتفاعا سريعا، فأسرع هوك يعود إلى سفينته تاركا بيتر الجريح وراءه. وتمكنت وندي التي كانت قريبة من تسلق الصخرة، وارتمت أمام بيتر وقد أصابها إعياء شديد. قال بيتر: “لا نستطيع العودة إلى الجزيرة سباحة أو طيرانا! فأنت مرهقة وأنا جريح.” سألت وندي بخوف: “هل سنموت غرقا؟” في تلك اللحظة مس شيء وجه بيتر ما رفيقا. كان ذلك ذيل طائرة ورقية أفلتت من يد مايكل في ذلك الصباح وهامت في الجو. هتف بيتر بحماسة: “هذه الطائرة تحمل واحدا منا.” ثم ربط ذيل الطائرة حول وندي. وما هي إلا لحظات حتى كانت الفتاة تعلو في الجو مع الطائرة الورقية.
بقي بيتر وحيدا فوق الصخرة التي أخذت مياه المد تعمرها. بات الآن قريبا من الموت غرقا. وكان يسمع عرائس البحر تعني للقمر أغاني حزينة، فأخذ قلبه يضرب ضربات قوية. ثم مرت فوق وجهه ابتسامة غريبة عامضة، وقال في نفسه: “لا شك أن الموت مغامرة رهيبة كبرى..” لكن بيتر كان مقدرا له أن يعيش! فقد جاء الطائر الغريب السابح بعشه إليه وأوصله إلى الشاطئ. وعندما عاد بيتر إلى الكهف رأى نار مخيم متقدة. فقد هرع الهنود الحمر إلى الأولاد يحمونهم من هجوم محتمل للقراصنة. لقد أنقذ بيتر حياة أميرتهم، وكانوا مستعدين أن يضحوا من أجله بحياتهم.
حكاية وندي
جلس الأولاد في كهفهم الآمن. وكانوا يشعرون في ذلك المساء برغبة في الشجار. فرأت وندي أن تجمعهم حولها وتحكي لهم حكاية تريحهم وتهدئهم. وبينما كانت وندي تستعد لرواية حكايتها دخل بيتر لاهيا، وأخبرهم أنه كاد أن يقع فريسة للتمساح. ثم جلس بين الأولاد. شرعت وندي تروي حكاية أولاد ثلاثة تركوا منزلهم ذات ليلة، وهربوا من النافذة طائرين. وقالت إن الوالدين حزنوا حزنا شديدا عندما رأيا الأسرة الخالية، وأنهما مشتاقان كثيرا لأولادهم. كان بيتر يكره تلك القصة، لكن الجزء المتبقي منها كان أشد إزعاجا له. فقد أخبرت وندي الأولاد أن الوالدين لا يزالان ينتظران، وأن الأم تترك النافذة مفتوحة طوال الوقت علهم يوما يعودون.
أحس بيتر بضيق شديد، ثم قال: “يا وندي، أنت مخطئة في رأيك. فقد كنت أظن مثلك أن أمي تترك النافذة مفتوحة في انتظار عودتي. فأقمت بعيدا عن البيت زمنا طويلا. ثم طرت عائدا، لكن أمي كانت قد نسيتني. لقد وجدت النافذة مقفولة، ووجدت في سريري طفلا.”
أخذ مايكل وجون يبكيان، فطيبت وندي خاطرهما. لقد كانا يخافان أن تنساهما أمهما هما أيضا. ورجوا وندي أن تعيدهما إلى البيت. أراد الأولاد الصغار العودة أيضا، فوعدت وندي أن تتحدث مع والديها أمر تبنيهم.
أحس بيتر بجرح في كبريائه، لكنه لم يظهر شعوره. ولم يكن يرغب في إبقاء وندي معه بغير إرادتها. فتظاهر بعدم الاكتراث، وقال: “سأسأل الهنود الحمر أن يرافقوكم في الطريق عبر العاب، وسترافقكم تنكر بل في طيرانكم فوق البحر.” قالت وندي متوسلة: “لكن، ألا تأتي معنا؟” لا! فإني أكبر خارج جزيرة الأحلام هذه، وأنا أريد أن أظل ولدا صغيرا فألهو وألعب.” ثم صافح رفاقه مودعا. أعدت وندي جرعة من دواء بيتر ووضعتها إلى جانب سريره، وقالت بحنان الأمومة: “عدني أن تأخذ الدواء!” أجاب بيتر: “أعدك! والآن هيا يا تنكر بل، أريهم الطريق!” اندفعت تنكر بل خارجة من أقرب شجرة إليها. لكن لم يتبعها أحد.
الأولاد في الأسر
ففي تلك اللحظة كان القراصنة يقومون بهجوم ساحق على الهنود الحمر. وضج الجو بصيحات المحاربين وصليل السلاح!
وكان هجوم القبطان هوك ورجاله الأسود مفاجئا. فقد كان الهنود يتوقعون الهجوم فجرا. وكان أول من شاهدهم الزنبقة النمرية وعدد من المحاربين. أمسكوا أسلحتهم وصاحوا صيحات الحرب، لكن بعد فوات الأوان. قضي على الجانب الأكبر من القبيلة، ولم يستطع أن يشق الطوق إلا الزعيم والزنبقة النمرية وقلة من المحاربين. وقف هوك وقفة انتصار، بينما كان قراصنته اللئام يمسحون الدم عن سيوفهم. غير أنه كان في نية هوك القيام بعمل آخر تلك الليلة. لقد كان قلبه الأسود طافحا بالحقد، والرغبة في الانتقام من بيتر بان.
لم يكن أي من القراصنة قادرا على النزول إلى الكهف عبر فتح الأشجار، غير أنهم تمكنوا من سماع ما كان يقوله الأولاد. “من ربح المعركة، الهنود الحمر أم القراصنة؟” أجاب بيتر: “لو ربح الهنود الحمر لقرعوا طبولهم” أشار هوك إلى سمي، فتناول القرصان طبلا قريبا وقرعه، وقد علت وجهه ابتسامة شريرة. هتف بيتر: “الهنود الحمر انتصروا!” فرح الأولاد وهتفوا، وحمل كل منهم صرته وودع بيتر وداعا أخيرا. لكن، كان الواحد منهم ما يكاد يخرج من الكهف حتى يقع بين يدي القراصنة، فيرمى عند قدمي هوك، ويكمم فمه وتقيد يداه ورجلاه. ولم يستثن من هذه المعاملة إلا وندي، فقد رفع هوك قبعته لها بتهذيب مصطنع مخيف، ثم أمسك ذراعها، ورافقها إلى حيث كان الآخرون. كوم القراصنة الأولاد في منزل وندي الصغير. ثم حمل أربعة منهم المنزل فوق أكتافهم وأتجهوا به إلى سفينتهم. بينما كان آخرون يسيرون وراءهم، وهم يغنون بأصوات منكرة أغاني القراصنة الكريهة.
خطة هوك
تخلف هوك قرب الكهف. نظر إلى الأشجار السبع بإمعان فاكتشف أن فتحة إحداها أكبر من غيرها من الفتح، وتمكن من حشر نفسه فيها، لكنه لم يستطع فتح الباب في أسفلها. نظر عبر شق في الشجرة فرأى بيتر ينام نوما هانئا في السرير الواسع. ثم لمح الدواء الذي كان في متناول يده. كان هوك يحمل معه بصورة دائمة سما قاتلا. فمد ذراعه عبر شق الشجرة وسكب في كوب الدواء خمس نقاط من السم. ثم صعد عبر فتحة الشجرة وكأنه روح شريرة. أنزل طاقيته فوق عينيه ولف نفسه بعباءته السوداء، وتمتم مبتهجا، وانسل بين أشجار الغابة.
نام بيتر تلك الليلة حتى العاشرة من صباح اليوم التالي. أيقظته نفرة خفيفة على الباب وكان القادم تنكر بل. كانت ثياب الجنية الصغيرة ملطخة بالوحل، وكان وجهها محتقنا. أخبرت بيتر أن وندي وسائر الأولاد وقعوا في يد القراصنة ونقلوا إلى سفينتهم. صاح بيتر، وهو يمسك سيفه: “سأنقدهم!” ثم أمسك كوب الدواء ورفعه ليشرب منه.
صاحت تنكر بل بدعر: “لا! لا! الدواء مسمم! سمعت هوك يتمتم بذلك لنفسه حين كان ينسل بين أشجار الغابة.” قال بيتر: “مستحيل! لم ينزل أحد إلى الكهف.” ورفع الكوب إلى فمه، لكن تنكر بل طارت وحالت بين شفتيه والكوب، وشربت الدواء كله نفسها. ثم قالت باكية: “إنه مسمم! سأموت!” شهق بيتر وقال بدعر: “آه، يا تنك! هل شربت السم لتنقذيني؟ لكن لماذا؟” “أيها الأحمق، ألم تعرف بعد أني أحبك؟” ثم ارتمت على مقعدها ضعيفة واهنة، تلهث لهانا متواصلا. وأخذ ضووها يخبو شيئا فشيئا، حتى كاد أن ينطفئ. كانت تردد شيئا بصوت ضعيف همس. انحنى بيتر المذهول إلى شفتيها، فسمعها تقول: “لو كان الأولاد الذين يحبون الجنيات كثيرين فقد أتعافى!” ماذا يستطيع بيتر أن يفعل؟ الأولاد كلهم نيام في أسرتهم. قال بصوت سخاطب أولئك الذين يحلمون الآن بجزيرة الأحلام. ثم راح يصرخ بأعلى صوته: “أنتم يا من تحبون الجنيات، صفقوا بأيديكم. أرجوكم لا تتركوا المسكينة تنكر بل تموت!”
إنقاذ تنكر بل
ساد صمت وسكون. ثم سمع صوت تصفيق ضعيف. وأخذ التصفيق يعلو شيئا فشيئا إلى أن ضجت به جوانب الكهف. ثم توقف التصفيق فجأة مثلما بدأ فجأة. لكن تنكر بل كانت قد نجت. فقد قوي صوتها وأشع ضوؤها، وراحت تحوم في الغرفة بمرحها المعهود. صاح بيتر بحماسة وفرح: “والآن لتنقذ وندي والأولاد!” خرج بيتر إلى الغابة ومشى في ضوء القمر متجها إلى مهمته الخطرة. لم يكن في الغابة أحد إلا النمساح الذي بدا وكأنه يتبع بيتر. وأقسم بيتر قسما صادقا، قائلا: “هذه المرة، إما أنا أو هوك!”
كانت سفينة القراصنة راسية عند مصب نهر. وكانت قبيحة ذات صوار مائلة ونور أخضر واحد في مؤخرتها. وكان القراصنة المتعبون منبطحين على متن السفينة أو يلعبون الورق. أما هوك نفسه فكان يدرع متن السفينة ذهابا وإيابا بادي الضيق. لقد حقق انتصارا كبيرا، لكنه كان يعلم أن الجميع يخافونه ويكرهونه. وفي لحظة من لحظات هياجه، أمر أن يجر الأولاد إليه من مكان احتجازهم. ووعد أن يبقي على حياة اثنين منهم فقط، إذا وافقا أن يعملا في خدمته. ثم نفخ دخان سيجاريه وقال بصوته الكريه: “أما الأولاد الستة الآخرون فسيسيرون على اللوح!”.
رفض الأولاد الشبعان ما عرضه عليهم القرصان. وقالوا: “إما أن تتركنا جميعا أحرارا، أو نموت كلنا معا.” زمجر هوك قائلا: “أعدوا اللوح! واجلبوا الأم!” أتي بوندي لترى أولادها يمشون على اللوح الذي ينتهي بهم إلى السقوط في مياه المحيط. قال هوك مكشرا أسنانه: “أتريدين أن تودعي أولادك بكلمة؟” نظرت وندي إلى هوك والقراصنة الآخرين نظرة احتقار، ثم خاطبت الأولاد بصوت ثابت قائلة: “وإذا لم يكن من الموت بد فلنمت ميتة شجاعة!” صاح هوك: “قيدوها إلى الصاري!”
معركة حامية
علقت عيون الأولاد باللوح، حيث كان ينتظر أن يمشوا مشيتهم الأخيرة. وساد صمت حزين. ثم فجأة أطاح بذلك الصمت صوت تكتكة ساعة، ساعة التمساح! التفت الجميع إلى هوك، فإذا بذلك الرجل المخيف قد وقف يرتجف خوفا. ثم أخذ صوت التكتكة يقترب. فوقع هوك أرضا، وتراجع زاحفا قدر استطاعته، ثم نادى قراصنته باكيا: “خبئوني! خبئوني!” التف القراصنة حوله. ونظر الأولاد من جانب السفينة، فلم يروا التمساح، بل رأوا بيتر بان! كان هو الذي يقلد صوت التكتكة! أشار بيتر إلى رفاقه أن يلزموا الصمت. ثم تسلل إلى متن السفينة ليختبئ في قمرة القبطان.
توقفت التكتكة فعادت إلى هوك شجاعته. وأمر أن يصطف الأولاد أمامه لأنه أراد أن يجلدهم. ثم طلب من أحد قراصنته أن يجلب له السوط من قمرته. دخل القرصان القمرة المعتمة. وفجأة علا صوت استغاثة خافتة، تبعه صوت أنه قصيرة مريعة. لقد قتل بيتر القرصان! أرسل هوك قرصانين آخرين فلقيا المصير نفسه. فصاح: “ألن يأتيني أحد بالسوط؟” لكن القراصنة كانوا خائفين، فلم يجره أي منهم على نفسه الذهاب. فأرسل القبطان الشرير الأولاد الثانية.
وكان ذلك ما توقعه بيتر، فرحب برفاقه بصوت خفيض، وأسرع يزودهم بأسلحة هوك نفسه. ثم زحفوا جميعا إلى متن السفينة من وراء ظهر القراصنة. ودون أن ينتبه أحد حرر بيتر وندي ووقف مكانها على عمود الصاري ولف نفسه بردائها. ثم أطلق بيتر صرخة مروعة يقلد فيها نعيق غراب. دب الدعر في قلوب القراصنة، وصاح واحد منهم: “هذه سفينة منحوسة، وقبطانها منحوس!” أسرع هوك يصيح محاولا إلقاء السوم على سواه: “دب النحس في سفينتنا بعد أن دخلتها أنثى. ارموا الفتاة في البحر!”.
نهاية القرصان
اقترب قرصان من مكان الفتاة، وصاح: “لن يقوى أحد على إنقاذك الآن، يا آنستي!” صاح بيتر بان، وهو يرمي رداء وندي عنه: “هذا واحد يقوى على إنقاذها! إنه بيتر بان!” نشبت معركة كبرى. اشتدت الصيحات وعلا صليل السيوف، وأخذت الأجساد تتهاوى. وبعد قليل كان على الأرض أحد عشر قرصانا. ولم يبق من القراصنة حيا إلا هوك نفسه. وكان سيفه لا يزال يسطع في الفضاء كدائرة من نار. صاح بيتر: “أتركو لي، يا أولاد!”.
ومع أن بيتر كان أقصر قامة من هوك فقد كان أسرع وأكثر مهارة، وسرعان ما تمكن من جرح خصمه. دب الذعر في قلب هوك عندما رأى دمه، فشحب وجهه ورمى سيفه. ثم اندفع إلى مخزن البارود لإشعال النار فيه ونسف السفينة. لكن بيتر الشجاع انتزع المشعل من يده ورماه في البحر. تراجع هوك من أمام الفتى المنتقم، وأسرع يتسلق جانب السفينة، وما كان من بيتر إلا أن رفسه رفسة قوية أسقطته في البحر. كان التمساح الذي تبع بيتر في انتظار تلك اللحظة. ففتح فكيه الرهيبين والتهم القرصان الشرير.
رحلة العودة
في تلك الليلة نام الأولاد في أسرة القراصنة. وفي صباح اليوم التالي طلبت وندي من الأولاد أن ينظفوا السفينة تنظيفا دقيقا. ثم انطلقت السفينة بقيادة بيتر عائدة إلى الوطن.
كان السيد والسيدة دارلنغ، في تلك الأثناء، لا يزالان يبكيان أولادهما المفقودين ويتألمان لرؤية أسرتهم فارغة. وكان السيد دارلنغ يعتبر أن غلطته هي التي أدت إلى فقدان الأولاد. فلو أنه لم يربط الكلب، لما تمكن أحد من دخول غرفة النوم. وكان لذلك حزينا جدا. كان الوالدان ذات ليلة في غرفة نوم الأولاد ينتظران بصبر. أحس الزوج بهواء بارد فرجا زوجته أن تقفل النافذة. فقامت السيدة للانتقال إلى غرفة أخرى، وهي تقول: “وأنت تعرف أني لا أستطيع أن أفعل ذلك! فقد يعود الأولاد إلى البيت!” لم تكن تعرف أن الأولاد كانوا فعلا في طريقهم إلى البيت! كانوا قد عبروا البحر، ووصلوا في طيرانهم إلى الجزء الأخير من طريق العودة. سبق بيتر وتنكر بل الآخرين، إذ كان بيتر يفكر في حطة. وجدا شباك غرفة النوم مفتوحا، فتسللا إلى الداخل لاقفاله، في محاولة لإيهام وندي أن أمها قد نسيتها فتعود إلى جزيرة الأحلام.
كانت السيدة دارلنغ تجلس في غرفتها، حزينة باكية العينين. أحس بيتر بالتعاسة وهو ينظر إلى الأم الباكية، وأحس أنهما لا يستطيعان كلاهما الاحتفاظ بوندي. حار في أمره لحظات، ثم قال: “هيا يا تنك. سنترك الشباك مفتوحا.” وهكذا تسلل مايكل وجون ووندي إلى غرفة نومهم. وسرهم أن وجدوا الشباك مفتوحا ولمبة الليل مضاءة، وقرروا الدخول في أسرتهم والتظاهر أنهم لم يتركوها قط. أحست السيدة دارلنغ بحركة خفيفة في غرفة أولادها، فخفق قلبها خفقانا شديدا. وأسرعت إلى الغرفة فرأت الأولاد في أسرتهم! ظنت نفسها تحلم. لكنها سمعتهم يكلمونها، فأسرعت تضمهم جميعا، وقد امتلت عيناها بدموع الفرح. وما هي إلا لحظات حتى كان الأب قد جاء إلى أولاده راكضا.
نهاية القصة
عاد بيتر ذات يوم فوجد أن آل دارلنغ قد تبنوا الأولاد الضائعين. وقد سمحت السيدة دارلنغ لابنتها وندي بزيارة جزيرة الأحلام مرة في العام لتساعد بيتر في أعمال صيانة المنزل وتنظيف ممرات العاب. وقد انتقل بيتر، منذ أن تركه الأولاد، إلى منزل وندي الصغير. وكانت الجنيات قد حملن المنزل ووضعنه فوق رؤوس بعض الأشجار. لم يكن بيتر يحس بالزمن إحساسنا نحن، فكثيرا ما كان يتخلف عن الزيارة السنوية التي كان يقوم بها لاصطحاب وندي إلى جزيرة الأحلام. وقد تخلف مرة سنوات كثيرة كبرت في أثنائها وندي وتزوجت وأنجبت فتاة أسمتها جين. أتعرف ما حدث؟ أرادت جين الصغيرة الذهاب مع بيتر لزيارة جزيرة الأحلام. وقد سمحت لها أمها بذلك. ولما كان بيتر لا يكبر أبدا، فقد جاء يوم ذهبت فيه ابنة جين معه لزيارة جزيرة الأحلام. ولسوف يستمر الحال على هذا المنوال ما دام في الأرض أولاد وجزيرة أحلام.
معرض الصور (قصة جزيرة الأحلام)
لا تنسي فك الضغط عن الملف للحصول علي الصور
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث