قصة العالم المفقود
ملخص قصة العالم المفقود
في زمن بعيد ووسط مغامرات خطيرة، تروي القصة أحداث الصحفي الشاب إدورد مالون الذي يعمل في جريدة “الديلي غازيت”، وقد أرسله رئيس التحرير لإجراء مقابلة مع العالم العجيب الأستاذ تشالنجر. عاد تشالنجر من رحلة استكشافية غامضة إلى غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية، حاملاً معه أخبارًا لا تصدق عن مخلوقات ضخمة، تبدو كأنها من العصور السحيقة، تعيش في منطقة معزولة عن العالم.
يتحمس إدورد للمغامرة، خاصة أن قلبه يرغب في إثارة إعجاب الفتاة التي يحبها من خلال هذه الرحلة المثيرة. ينضم إدورد إلى فريق تشالنجر الذي يشمل أيضًا العالم المتشكك الأستاذ سمرلي وصياد الحيوانات النبيل اللورد جون ركستن. يسافر الفريق إلى الأمازون ويصلون إلى قرية هندية، ومنها ينطلقون في مغامرة طويلة داخل الغابة، حيث يواجهون تلالًا شاهقة، وأودية موحشة، ومستنقعات مظلمة.
بعد أيام طويلة من السير في أدغال لا تنتهي، يظهر أمامهم الجرف البركاني المرتفع، وعليه آثار من مخلوقات هائلة غير معروفة. وبينما يراقبون محيطهم، يلمحون طائرًا ضخمًا يشبه التيروداكتيل. يحاول الفريق اكتشاف السبيل للوصول إلى قمة المرتفع حيث تعيش هذه المخلوقات، ويخططون لقطع شجرة ضخمة لتكون جسرًا لهم. ومع جرأة وشجاعة، يعبر الفريق الشجرة، ليجدوا أنفسهم في عالم مختلف، عالم مليء بالمخلوقات العملاقة التي ظنوا أنها انقرضت منذ ملايين السنين.
تستمر المغامرات على المرتفع، حيث يلتقي الأصدقاء بمخلوقات هائلة مثل الإغوانودون الضخم، الديناصور المسالم الذي يتغذى على النباتات، وكذلك التيروداكتيل المفترس الذي يحوم في سماء المرتفع. ووسط هذه المخلوقات يظهر الخطر الحقيقي عندما يكتشفون وجود الرجال القرود، وهم مجموعة من المخلوقات البدائية الشرسة التي تسكن الكهوف المجاورة، وتعتبر أي دخلاء على أرضها أعداء يجب التخلص منهم.
وفي إحدى الليالي، يهاجم الرجال القرود المخيم ويمسكون بالأستاذ سمرلي، ويكادون يلقون به من حافة الجرف. بفضل تدخل سريع من بقية الفريق، يتمكنون من تحريره وقتل زعيم القرود الذي يشبه تشالنجر بشكل غريب. ولكن الأحداث تزداد خطورة، وتطاردهم مجموعة من الرجال القرود عبر الغابة. ووسط إطلاق النار والصراع، يتمكن الأصدقاء من النجاة والهرب، ويلتحق بهم سكان الكهوف من الهنود الذين يبحثون عن حماية الأصدقاء من هذا الخطر.
يتحد الفريق مع الهنود ويتعاونون على دحر الرجال القرود، ليعيدوا الأمن إلى الغابة، ويرحب الهنود بالأصدقاء ويعرضون عليهم البقاء معهم وتزويدهم بالطعام والمأوى. في الوقت نفسه، يكتشف الأصدقاء العديد من الأسرار على المرتفع، من بينها رسوم الكهوف البدائية التي تحكي قصص القبيلة عن المخلوقات التي عاشت معهم لزمن طويل.
بعد فترة طويلة من المغامرة، يقرر الفريق العودة إلى العالم الخارجي، بمساعدة الزعيم الهندي الشاب الذي أرشدهم إلى ممرٍ مخفي يربط بين المرتفع وأرض السهل. عند خروجهم، يلقي العالم المفقود عليهم تحية وداع بصوت عجيب من حيوان ضخم في أعماق الظلام، مما يضيف إلى غرابة تجربتهم.
وعند عودتهم إلى لندن، يجتمع الناس لسماع قصصهم، لكنهم لا يصدقون شيئًا، ويطالبونهم بأدلة حية. وفي حفل استعراضي، يفاجئ الأستاذ تشالنجر الجميع بصندوق يحتوي على مخلوق حقيقي أحضره من العالم المفقود، وهو التيروداكتيل الطائر. يبدأ التيروداكتيل بالتحليق في القاعة، ويرعب الجميع قبل أن يجد مخرجًا ويهرب إلى الفضاء، لينتشر الرعب بين سكان المدينة الذين يشاهدونه يحلق فوق المحيط الأطلسي.
وأخيرًا، يجتمع الأصدقاء للاحتفال بنجاح رحلتهم، ويكشف اللورد جون عن اكتشافه الثمين، وهو ماسة عملاقة، ليكتشفوا أن رحلتهم لم تكن مليئة بالمغامرة فقط، بل أيضًا بالكنوز الثمينة. يقرر كل منهم مصير حصته، إذ ينوي الأستاذ تشالنجر إنشاء متحف خاص، والأستاذ سمرلي التقاعد، أما إدورد، فيقرر مواصلة المغامرة مع اللورد جون، آملاً أن تتسنى له رحلة جديدة إلى المجهول.
قصة العالم المفقود مكتوبة
اسمي إدورد مالون، وكنت مراسلًا صحفيًا شابًا لجريدة الديلي غازيت حين التقيت لأول مرة بذلك الرجل الفذ الأستاذ تشالنجر. كان عالمًا ومستكشفًا، وقد عاد لتوه من رحلة استكشافية في مجاهل نهر الأمازون في أميركا الجنوبية، حاملًا معه قصة غريبة عن حيوانات رآها تختلف عن الحيوانات التي نعرفها. أرسلتني الجريدة لإجراء مقابلة صحفية معه، ولم يكن يخطر ببالي أن المقابلة ستقودني إلى مغامرة يندر أن يعيش مثلها إنسان!
حذرني منه من يعرفونه، قائلين: “إنه عنيف، خطر، مشاكس، مكروه من كل من يتعرف إليه.” وعرفت أنه هاجم عددًا من الصحفيين الذين جردوا على الشك بروايته ووجه إليهم لكمات! غير أنني كنت شابًا قويًا ورياضيًا، فلم تثنني تلك الأخبار عن هدفي. كما أنني أردت أن أتقصى رواية أكسب بها قلب الفتاة التي أحب، والتي وعدت أن ترضى بي زوجًا إن حققت نجاحًا في عملي.
أول لقاء مع الأستاذ تشالنجر
كان الأستاذ ضخم الجسم، كثيف الشعر، ذا لحية سوداء، وصدر منتفخ كالبرميل، وعينين نافذتين، ويدين هائلتين، وصوت قوي هادر. كان حقًا رجلًا مخيفًا. وعلى أي حال، بدا أنه ارتاح لي، وأراني كتابًا ذا رسوم يخص الرسام الأميركي ميل وايت. كان الأستاذ قد وجد الرسام على وشك الموت في قرية قريبة من غابة الأمازون.
كانت الصفحة الأولى من الكتاب تحتوي على منظر طبيعي. بدت في مقدمة الرسم نباتات ذات لون أخضر باهت، ترتفع مع الأرض حتى تصل إلى صف من الصخور الجرفية الحمراء التي تمتد على شكل جدار متصل يملأ صدر الرسم. وبرز في إحدى النقاط عمود صخري يتوجه شجرة باسقة، وتفصله عن سائر الجرف الصخري فجوة واسعة. وفي أعلى ذلك الجدار الصخري، برز مزيد من النباتات، ووراءه ظهرت السماء المدارية الزرقاء.
قلت مجاملاً وبلهجة مهذبة: “مشهد لافت للنظر!” زمجر الأستاذ قائلًا: “لافت للنظر؟ إنه مشهد مثير، لا شبيه له في العالم كله! اقلب الصفحة.”
اكتشاف الرسومات الغريبة
فعلت ما طلب مني، وبُدرت مني صيحة إعجاب. فقد رأيت رسمًا لأعجب ما عرفت في حياتي من مخلوقات، كأنما هو صنع كابوس مرعب. كان رأسه رأس طير وجسده جسد سحلية منتفخة، وتبرز من ذيله المديد أشواك كالنصال، أما ظهره المنحني فكان يغطيه إفريز غريب، أشبه شيء بدستة من أعراف الديوك، مصفوفة الواحد وراء الآخر. بدا في الرسم رجل كالقزم، يقف أمام المخلوق العجيب محدقًا فيه.
سألت الأستاذ: “ما الذي جعله، في رأيك، يرسم مثل هذا الحيوان؟”
فأجاب: “لا بد أنه كان يحلم! أعندك تفسير آخر؟” الواضح عندي أن الرسم منقول عن مشهد حي.
لو لم أكن أعرف طباع الأستاذ لانفجرت في وجهه ضاحكًا. شخر الأستاذ كثور غاضب، ثم أشار إلى الصورة بإصبع كبيرة ممتلئة شعرًا، وقال ببطء ولهجة ساخرة: “أترى ذاك النبات خلف الحيوان؟ أحسبك تظنه نوعًا من الكرنب؟ إنه من النخل ولا يقل ارتفاعه عن سبعة عشر مترًا. الرجل في الصورة ليس إلا لتبيان نسبة الأحجام، ويفترض أن طوله يتراوح بين 160 إلى 180 سنتيمترًا، وعلو الشجرة عشرة أضعاف هذا الطول. فكيف ترى الوحش إذا؟”
فأجبته مازحًا: “إنه يصلح لشد عربات السكك الحديد!”
مناقشة الحيوانات المنقرضة
تناول الأستاذ كتابًا من كتبه، وقال: “إليك رسمًا لحيوان منقرض، كما تخيله العلماء اعتمادًا على بقاياه الأحفورية. هذا ديناصور من العصر الجوراسي يعرف باسم ستيجوصور.”
ملأتني الدهشة؛ فقد بدأ العصر الجوراسي قبل 135 مليون سنة. وكان عصر السحليات المخيفة المعروفة بالديناصورات. والستيجوصور هو الديناصور المدرع، والأستاذ تشالنجر يريدني أن أصدق أن ميبل وايت قد شاهد، في عصرنا الحاضر، في أمريكا الجنوبية، ديناصورًا حيًا كتلك الديناصورات!
ثم ألقى في يدي رسمًا باهتًا، يمثل المشهد نفسه الذي في الرسم الأول، ما عدا أني رأيت في هذا الرسم ما بدا لي طائرًا كبيرًا جاثمًا على رأس شجرة.
قال الأستاذ: “إليك هذه العدسة المكبرة. ما ترى الآن؟”
أجبته بعد النظر من خلال العدسة: “أرى طائرًا ذا منقار ضخم – أظنه طير بجع.”
زمجر الأستاذ قائلًا: “لا أهنتك على ضعف نظرك! هذا ليس طيرًا على الإطلاق. لقد اصطدته، لكني، للأسف، فقدت جسده في انقلاب الزورق الذي كان يقلنا، إلا أنني تمكنت من إنقاذ جزء من الجناح.”
بدا لي أن ما أراه جزء من جناح وطواط، عظم منحن وغشاء جلدي معلق به. قلت له: “أظنه وطواطًا عملاقًا!”
فتح الأستاذ كتابه مجددًا، وأشار بإصبعه إلى وحش طائر وقال: “إليك رسمًا ممتازًا للتيروداكتيل (الزاحف المجنح) الذي عاش في العصر الجوراسي. في الصفحة المقابلة رسم بياني يوضح ميكانيكية جناحيه. قارن ذلك، إذا سمحت، بالعينة التي بين يديك.”
تحليل العالم المفقود
كنت أعرف شيئًا عن تلك الزواحف المجنحة وأعرف أن أصابع قائمتيها الأماميتين تحولت إلى جناحين مبسوطين تنزلق بهما في الفضاء. لم أكن أصدق أن مثل هذا المخلوق يمكن أن يطير في سمائنا اليوم، لكني كنت أمسك بيدي قطعة منه. لقد أبرز الأستاذ، على ما في الأمر من غرابة، دليلًا قاطعًا.
صحت بحماس: “لقد حققت أعظم إنجاز في هذا الزمان! لقد اكتشفت عالمًا مفقودًا! ولكن ما تفسيرك لاستمرار هذا العالم؟”
أجاب الأستاذ: “لا بد أنه حدثت في تلك البقاع ثورة بركانية رفعت جانبًا من الأرض بما عليه من مخلوقات وعزلته عن السهل المحيط. هذا البركان شكل مرتفعًا منبسطًا من الأرض، منقطعًا عن سائر المناطق، وعاشت المخلوقات فوق ذاك المرتفع ناجية من الانقراض الذي تعرضت له مثيلتها فوق الأرض.”
بداية الرحلة الاستكشافية
فجأة، خطرت للأستاذ تشالنجر فكرة. قال بتلهف: “ما رأيك أن تنضم إلى الرحلة التي أعدها لاستكشاف المرتفع البركاني؟ سيرافقنا منافسي العظيم، الأستاذ سمرلي، الذي لا يصدق شيئًا مما أقول ويريد أن يتحقق من ذلك بنفسه. كذلك سيرافقنا صياد الفرص الكبيرة، اللورد جون ركن، وسيسعدنا أن يكون معنا مراسل صحفي يدون قصة الرحلة.”
لم أتردد أمام فرصة العمر. وأبدى رئيس التحرير حماسته للمشروع أيضًا، فقد كان يطمع بقصة مشوقة لجريدته. بعد ذلك التقيت الرجلين الآخرين في الرحلة. كان الأستاذ سمرلي رجلًا نحيلًا ساخرًا يتندر من ادعاءات تشالنجر، أما اللورد جون فكان مغامرًا حقيقيًا وصيادًا مشهورًا، ذا شعر أحمر وعينين زرقاوين وبشرة لوحتها الشمس، فأحببته منذ لقائنا الأول. كنت أصغر أعضاء الحملة سنًا، ولو كنت أعلم ما ينتظرنا من أخطار ومشقات لما أبديت تلك الحماسة كلها.
توجهنا ثلاثتنا إلى البرازيل بحرًا، ثم ركبنا مركبًا بخاريًا إلى ماناو، حيث انضم إلينا الأستاذ تشالنجر. كنا فريقًا متباين الطباع والميول؛ كان الأستاذ سمرلي في الخامسة والسبعين من عمره، ذا لحية خفيفة مدببة الرأس كلحية الماعز، يحمل شبكة لصيد الفراشات ويقفز من مكان إلى آخر جامعًا العينات. كان مثال الأستاذ الشرود، بعيدًا عن الأناقة في هندامه، قليل العناية بنظافته، يدخن بشكل متواصل غليونًا غليظًا قصيرًا.
وصف اللورد جون والشخصيات المرافقة
أما اللورد جون ركن، فكان في الأربعين من عمره، ذا صوت هادئ وطباع هادئة، شديد الأناقة في ملبسه الذي يتألف من بزة مدارية بيضاء وحذاء بني عال. وكان يحلق ذقنه مرة واحدة في اليوم على الأقل. وكان المواطنون من الهنود يحترمونه ويدعونه، بسبب حمرة شعره، “الزعيم الأحمر”. كان اللورد جون قد أنقذ أفراد قبيلة كاملة وقعوا أسرى في أيدي تجار الرقيق وقتل زعيم التجار، بيدرو لوبيز، بيديه المجردتين. وقد أفادنا كثيرًا بعلمه بلغة القوم ومعرفته بذلك الصقع من الأرض.
أتممنا الجزء الأول من رحلتنا بمركب بخاري، ولكن مع توغلنا في قلب البلاد ركبنا قاربين وزعنا مؤونتنا ومعداتنا بينهما. وكان يساعدنا في رحلتنا تلك الشقيقان جوميز، وهما من أب برتغالي وأم هندية، ورجل زنجي اسمه زمبا، وهنديان آخران.
كان علينا في بعض الأوقات أن نحمل القاربين ونسير بين الأدغال تجنبًا للمنحدرات النهرية الشديدة. وقد أشاع جو الغابة الغامض الكثير من الرهبة حولنا؛ فقد كانت رؤوس الأشجار العملاقة تسد علينا السماء، تتلاقى فروعها مشكلة سقفًا عاليًا متشابكًا فوقنا، فلا يصل إلينا من الضوء إلا القليل، على شكل شعاعات ذهبية مبعثرة.
تفاصيل الرحلة داخل الغابة
مشينا برفق على بساط سميك من النباتات المتفسخة، وسط صمت مهيب. ونمت على جذوع الأشجار نباتات متنوعة وساحرة، أزهارها الكبيرة ذهبية وأرجوانية وزرقاء داكنة، كما التفت حول تلك الجذوع نباتات متسلقة متشابكة. لم نكن نسمع إلا أصوات حيوانات البرية فجرًا وعند الغروب – أصوات القرود العاوية والببغاوات الصاخبة. ومن بعيد، كانت تصلنا أصوات طبول تقرع.
قال اللورد جون: “هذه طبول حرب!”
فأجابه جوميز الأكبر: “نعم، إنهم من بعض قبائل الهنود، يراقبوننا وسيقبضون علينا إن أتيحت لهم الفرصة.”
الاقتراب من المرتفع البركاني
كنا نقترب من العلامة التي تقودنا إلى المرتفع البركاني كما أشار الأستاذ تشالنجر. فجأة، لمح شجرة نحيلة عالية وشريطًا من نبات الأسل الأخضر الباهت، يميز فتحة في الغابة. فاندفعنا عبرها بقواربنا، فوجدنا أنفسنا في مجرى مائي آخر ضحل، رقراق وصافٍ كالبلور، قادنا ذلك المجرى عبر نفق من الأشجار الخضراء إلى عالم من الطبيعة الساحرة.
توقفنا عن سماع أصوات الطبول ولم نعد نسمع غير زقزقة العصافير وحركة الحيوانات بين النباتات البديعة المحيطة بنا. قال جوميز: “ما من هنود هنا – إنهم يخافون كروپوري.”
قال جون مفسرًا: “كروپوري هو، في اعتقادهم، روح الغابة.”
بعد ثلاثة أيام، اضطررنا لترك القاربين وخوض مستنقعات مليئة بالبعوض، ثم بدأ الطريق يتجه صعودًا. أخذت كثافة أشجار الغابة تقل تدريجيًا، وظهرت أمامنا أشجار نخيل متفرقة تفصل بينها أجمة من الشجيرات. أما الأستاذان، فلم يكفا عن الشجار أثناء المسير حول من يكون منهما قائد الحملة.
رؤية التيروداكتيل
تابعنا المسير لمدة تسعة أيام أخرى، حتى كان علينا أن نشق معبرًا لنا عبر دغل كثيف من الخيزران. كنا نسمع أصوات حيوانات ضخمة تضرب الأرض على مقربة منا. وعندما وصلنا إلى السلسلة الأولى من التلال، رأينا على بعد كيلومترين تقريبًا شيئًا يشبه طائرًا رماديًا هائلًا، ارتفع عن الأرض ببطء وانزلق في الفضاء بسهولة خلف دغل من السرخس الشجري.
صاح تشالنجر: “أرأيته، يا سمرلي؟ وما تظن أنك رأيت؟”
أجاب سمرلي ساخرًا: “رأيت، على ما أعتقد، التيروداكتيل!”
ضحك سمرلي طويلًا وقال: “ما أوسع خيالك! كان ذلك طائرًا من طيور اللقلق، لا شك في ذلك!”
لكن اللورد جون، الذي أسرع ينظر في منظاره، قال بصوت هادئ رصين: “ذاك لا يشبه أيًا من الطيور التي عرفتها في حياتي.”
كنا نقترب من هدفنا، وبتنا على حافة المجهول.
الوصول إلى قاعدة الجرف
أخيرًا، وصلنا إلى قاعدة الجرف المرجاني الذي يحيط بالمرتفع البركاني، ورفعنا بصرنا إلى القمم الشاهقة التي بدت مستحيلة الوصول. كان العمود الصخري الوحيد أقل ارتفاعًا مما حوله، لكن فجوة واسعة تفصله عن المرتفع الرئيسي.
قال تشالنجر في حيرة: “لا بد من سبيل لاعتلاء هذه الصخور، وإلا كيف أمكن لميپل وايت أن يرسم ذلك الوحش؟”
رد سمرلي بسخرية: “لم نعثر على دليل بعد يثبت أن فوق ذلك المرتفع مخلوقات من أي نوع.”
ولكن لم يطل الوقت قبل أن يندم سمرلي على كلماته.
اكتشافات غامضة عند قاعدة المرتفع
شرعنا نبحث عن ممر حول قاعدة الجرف الصخرية، واستغرقنا أيامًا من السير فوق الصخور والأراضي المستنقعية. عثرنا في إحدى النقاط على آثار نار قديمة، وتبعنا رسوم سهام مرسومة على الصخور، قدّرنا أنها من عمل ميپل وايت. قادتنا السهام إلى مدخل كهف بدا كأنه يوصلنا إلى الأعلى، لولا أنه كان مسدودًا بالصخور المتساقطة.
لكن أشد اكتشافاتنا رهبة كان عثورنا على جمجمة بشرية ناصعة البياض وسط دغل من قضبان الخيزران. وقريبًا من الجمجمة، وجدنا هيكلًا عظميًا وعلبة سجائر فضية تحمل حرفين، مما جعل الأستاذ تشالنجر يستنتج أنها قد تعود لرجل من فريق ميپل وايت.
قال جون: “لا بد أن المسكين هوى من فوق الجرف!”
تساءلت متشككًا: “هل هوى، أم دفع دفعًا؟”
هجوم الوحش الليلي
توقفنا لقضاء ليلتنا، وكان اللورد جون قد اصطاد عجلًا بريًا صغيرًا، فأشعلنا نارًا وبدأنا في إعداد طعام العشاء. رغم غياب القمر، كان بإمكاننا أن نرى مسافة قصيرة على ضوء النجوم. فجأة، انقض علينا من قلب الليل وحش ذو فحيح مرعب، وغطتنا لثانية ظلة من جناحين جلديين.
رأيت عنقًا طويلًا يشبه الحية، وعينين حمراوين شرهتين، ومنقارًا خطافيًا هائلًا. وفي لحظة، كان الوحش قد اختفى آخذًا معه العجل المشوي! ظلٌ أسود هائل، عرضه سبعة أمتار، حجب عنا النجوم للحظة ثم اختفى في سماء الجرف الصخري.
بعد لحظة من السكون، قطع الأستاذ سمرلي الصمت قائلًا بوقار: “يا أستاذ تشالنجر، أرجو أن تقبل اعتذاري.”
تصافح الرجلان بحرارة، وباتا أخيرًا صديقين، فلم يكن عشاؤنا المخطوف هباءً.
تسلق العمود الصخري
في الصباح، قررنا تسلق العمود الصخري المنفرد، إذ لم نر طريقًا آخر إلى المرتفع. وكان تشالنجر قد جلب معه لفة من الحبال المتينة ومعدات تسلق. تسلق العمود الصخري وحده، وربط الحبل حول جذع الشجرة العملاقة في قمته، ثم رفعنا أنفسنا مستعينين بالحبل، ووجدنا أنفسنا فوق أرض معشوشبة ضيقة.
أدهشنا مشهد السهل العظيم تحتنا والغابة التي قطعناها، ما عدا تشالنجر الذي لم يكن يفكر إلا بالوصول إلى المرتفع البركاني. قال بحماسة: “هذه الشجرة ستحل مشكلتنا. فلا نحتاج إلا لجسر نعبر فوقه الفجوة.”
كانت فكرة رائعة، واتفق أن الشجرة كانت تميل ناحية المرتفع. فإن أحسنا قطعها وقعت عبر الفجوة تمامًا. أتى الأستاذ بفأس وطلب من اللورد جون ومني أن نقوم بالعمل، واثقًا في قوة عضلاتنا. عملنا بجهد ساعة، ثم سمعنا طقطقة، وسرعان ما هوت الشجرة واستقر رأسها على الجانب الآخر من الفجوة.
أراد الأستاذ بطبيعة الحال أن يكون أول العابرين، وراح يسير فوق الشجرة بلهفة، ثم تبعناه بحذر، دون أن ننظر إلى أسفل. أما جون، فقد مشى فوق الشجرة ثابت الجأش كما لو كان يسير على اليابسة. يا لأعصابه الفولاذية!
فخ جوميز وانتقامه
لم نكد نسير خمسين خطوة حتى سمعنا صوت اصطدام قوي وراءنا. أسرعنا عائدين، ورأينا أن جسرنا قد اختفى وسقط في الهاوية. ما الذي حدث؟ جاءنا الجواب سريعًا، فقد أطل من فوق العمود الصخري وجه جوميز الأكبر، وعلى وجهه علامة الظفر المشوب بالكراهية. كان هو وشقيقه قد أسقطا الشجرة في الهاوية مستعينين بغصن ضخم سائب.
صرخ جوميز في وجه اللورد جون قائلًا: “أيها الحقير، لن تخرج من هذا المكان! لقد قتلت منذ خمس سنوات بيدرو لوبيز، أحد أبناء قومي، وها أنا أنتقم منك الآن! وقعت في الفخ، كلكم وقعتم في الفخ!”
أسرع جوميز نحو الحبل وبدأ ينزل بعجلة. ركض اللورد جون إلى حافة المرتفع وأطلق رصاصة، فسمعنا صرخة يائسة ثم صوت جسد يهوي.
قال اللورد جون بمرارة: “هذه غلطتي، كان علي أن أتذكر أن هؤلاء يحملون الضغائن لسنوات.”
زمبا، الأمل الأخير
رأينا زمبا، الزنجي المخلص، وهو يقبض على الشقيق الآخر عند قاعدة المرتفع. وسرعان ما صعد زمبا إلى قمة العمود الصخري. لقد أصبح الآن صلتنا الوحيدة بالعالم الخارجي.
صاح زمبا: “لن أترككم، لكن الهنديين فرا، فهما يخافان كروپوري!”
فك الحبل عن جذع الشجرة ورماه إلينا. وبمساعدته استطعنا نقل بعض المؤن والذخائر عبر الفجوة، لكنه كان أقصر من أن يوصلنا إلى أسفل. كنا في وضع صعب، بعيدين عن عون البشر، بعد الأرض عن القمر.
تسجيل أحداث مذهلة على المرتفع
كنت، من حسن الحظ، أحمل معي قلمًا وبعض الدفاتر العتيقة لتسجيل ما يقع من أحداث مذهلة على ذلك المرتفع. وقد سجلت بالفعل ما واجهناه حتى تلك اللحظة. أقمنا مركزنا في فسحة محاطة بحاجز من الأجمات الشائكة، واحتفظنا بمؤننا داخل هذا المركز. كانت شجرة جنكة هائلة تظلل معسكرنا، ويمر جدول قريب. لم يكن الطقس شديد الحرارة، وكنا في أمان طالما لم نصدر ضجيجًا. قال اللورد جون: “علينا أن نستكشف المنطقة قبل أن نتجول فيها”، وقررنا تسمية المرتفع بلاد ميپل وايت تيمنا باسم أول مستكشف له.
في ذلك المكان، رأينا أول إشارة إلى وجود حياة؛ آثار أقدام هائلة ثلاثية الأصابع ظهرت في موقع قريب من الجدول. صاح اللورد جون مندهشًا: “يا إلهي! لا شك في أن هذا جد الطيور كلها!” ورأينا بين تلك الآثار ما بدا لنا أثر يد إنسان ذات أصابع خمس.
صاح تشالنجر: “لقد رأيت هذا من قبل مطبوعًا في بعض الأحافير. إنه مخلوق يمشي على قدمين ذات أصابع ثلاث، ويستند أحيانًا على يد ذات أصابع خمس. وهو ليس طائرًا يا عزيزي ركن، بل هو زاحف! إنه ديناصور!”
لقاء أول مع الديناصورات
ثم وصلنا إلى فرجة بين الأشجار، وفيها خمسة من أعجب ما شاهدت في حياتي من مخلوقات. جثمنا بين الأجمات نراقب المشهد بذهول. بدت هذه المخلوقات كأنها جنس عملاق وحشي من حيوان الكنغر، طول الواحد منها يبلغ حوالي سبعة أمتار، وجلدها حرشفي يشبه جلد السحالي السوداء. كانت هذه الكائنات تستند إلى ذيولها وتشد الأغصان بقائمتيها الأماميتين ذات الأصابع الخمس، وتأكل رؤوس الأغصان الخضراء. كانت لها قوة خارقة تمكنها من اقتلاع الأغصان الكبيرة بسهولة.
بدا أن اثنين من الخمسة هما الأبوان، وأن الثلاثة الباقية صغارهما. كانت تتحرك ببطء وسلام، بلا أي عدوانية. سأل اللورد جون: “ما هذه الحيوانات؟”
قال سمرلي: “إنها الإغوانودون، وهي ديناصورات نباتية. وقد انقرضت من على وجه الأرض حين لم يعد ما هو متوافر من النبات كافيًا لها. أما هنا فالظروف لم تتغير، ما مكنها من البقاء.”
كان هذا جنسًا من الوحوش المسالمة، ولكن من يدري ما الذي قد نواجهه لاحقًا من وحوش ضارية؟
مواجهة مخلوقات التيروداكتيل الصغيرة
تابعنا طريقنا عبر الغابة بحذر بقيادة اللورد جون، ولم يتوقف الأستاذان عن إبداء الدهشة تجاه الحشرات الغريبة والأزهار النادرة التي كانت تحيط بنا. فجأة، سمعنا صفيرًا غريبًا، فأشار اللورد جون إلى صف من الصخور الكبيرة، ورفع رأسه ليرى تجويفًا في الصخر المستدير.
في قعر ذلك التجويف، كانت بركة صغيرة من الماء الراكد، ولكن الأعجب من ذلك هو المخلوقات التي كانت تعيش فيه. فقد تجمع هناك المئات من صغار التيروداكتيل، وجلسات الإناث القبيحات المنظر في قاع التجويف لتفقس بيضها الأصفر ذي الملمس الجلدي. أما الذكور، فكانت جاثمة كل على صخرة منفردة، لا تتحرك إلا حين تلتقط مناقيرها المخيفة ذبابة عملاقة.
بدت الذكور كائنات شنيعة، تطوي جناحيها الشبيهين بجناحي الوطواط حولها، كما تلف العجوز نفسها بشال. ومن بقايا المخلفات فوق الصخور، ومن الروائح الكريهة المنتشرة، استنتجنا أن هذه المخلوقات تقتات على الأسماك والطيور الميتة.
الهجوم المفاجئ من التيروداكتيل
فجأة، أدركت زواحف التيروداكتيل وجودنا وبدأت تحلق في الجو بأعداد تقترب من المئة، تدور حولنا بشكل عدائي. اقترب أحدها من سمرلي ودفعه بمنقاره المخيف، مما كاد أن يقتله، وأصاب تشالنجر جناح زاحف آخر فأوقعه أرضًا. بينما استبسل اللورد جون في مواجهة مخلوق آخر يبدو بمنقاره المفتوح وعينيه الدمويتين كأنه الشيطان. هرعنا إلى الاحتماء تحت الأشجار، حيث لم تكن تلك الزواحف قادرة على الانزلاق بين الأغصان، فانسحبت عن مطاردتنا وعدنا إلى ملجئنا غير مصدقين أننا نجونا.
لم أتمكن من النوم تلك الليلة، إذ كان ينتابني شعور غريب بأن أحدًا يراقبنا من الأعلى، رغم أني لم أتمكن من رؤية شيء في الظلام الذي تظللنا به الشجرة العملاقة. فجأة، استيقظنا على صوت صراخ مرعب يشبه صفارة القطار، ولكنه أقوى بكثير، يصاحبه صوت ضحك هادر ومنخفض. بعد فترة قصيرة، سمعنا وقع خطوات ثقيلة كأنها لحيوان ضخم يقترب من مخيمنا. ثم رأينا ظل وحش رابض تحت الشجرة.
بشجاعة، التقط اللورد جون غصنًا ملتهبًا من النار وركض به إلى وجه المخلوق المخيف، ليظهر لنا للحظة وحشًا شبيهًا بضفدع عملاق، ذا جلد حرشفي وفكين مخضبين بالدماء. لوهلة، أبعده اللهب عن المخيم ثم ولى هاربًا، فتناوبنا على حراسة المخيم حتى الصباح.
اكتشاف آثار وحش مفترس
في الصباح، اكتشفنا سر الأصوات المرعبة عندما وجدنا مراح وحوش الإغوانودون وقد بدا كأنه ساحة حرب، حيث خضبت الدماء الأرض وتناثرت أجزاء من الحيوانات. تبين أن أحد هذه الكائنات الضخمة قد تمزق إربًا، واتفق الأستاذان على أن العدو ربما كان أحد الديناصورات المفترسة، وعلى الأرجح الميجالوصور.
أردت أن أستكشف حجم المرتفع، فاقترحت تسلق شجرة الجنكة العملاقة القريبة من مخيمنا لرؤية المشهد من الأعلى. وافق الجميع على الفكرة ورفعوني إلى الأغصان. كانت الشجرة كثيفة، فكنت أرتقي أغصانها طبقة بعد طبقة. فجأة، انتابني الذعر عندما وجدت نفسي في مواجهة وجه بدا بشريًا رغم شبهه بالقرد؛ وجه قبيح بشعر كثيف، وأنف أفطس، وأنياب حادة، وعينين شريرتين. لحسن الحظ، غطس الكائن بين الأغصان الكثيفة قبل أن يهاجمني.
رؤية العالم الغريب من الأعلى
واصلت تسلقي بحذر حتى بلغت قمة الشجرة، وهناك تمكنت من رؤية العالم الغريب الممتد من حولي. بدا المرتفع بيضاوي الشكل، بطول خمسين كيلومترًا وعرض ثلاثين كيلومترًا، ويشبه القمع بانحدار جوانبه نحو بحيرة في المنتصف. كانت المنطقة التي خيمنا فيها محاطة بغابات كثيفة، ورأيت مراح الإغوانودون وأماكن تجمع التيروداكتيل. في الجانب الآخر من المرتفع، كانت هناك مرتفعات صخرية تتخللها فتحات مستديرة تشبه الكهوف. رسمت مشهدًا سريعًا للمنظر ثم أسرعت بالنزول لإخبار زملائي بما شاهدت.
مغامرة منفردة بجانب البحيرة
في تلك الليلة، لم أتمكن من النوم بسبب حماسي لاستكشاف المزيد من عجائب المرتفع. لذا، قررت المغامرة وحدي دون أن أخبر أحدًا. مشيت بمحاذاة الجدول حتى وصلت إلى شاطئ البحيرة، حيث تجمعت الحيوانات لتشرب. تسلقت صخرة لمراقبة المخلوقات الغريبة، فلاحظت في الماء حلقات وتموجات، ورأيت سمكة فضية عملاقة تقفز، وظهور كائنات أخرى ذات أعناق طويلة تشبه الحيات.
بينما كنت أراقب، جاء أيل ضخم ذو قرون متشعبة ليشرب من البحيرة، وكانت أروع مشاهداتي حين رأيت الستيجوصور، المخلوق ذاته الذي رسمه ميپل وايت في دفتره. اقترب مني إلى حد أنني كدت ألمس صفائح ظهره.
ثم لفت انتباهي وجود بقع من الضوء على سفوح التلال الصخرية، وتبين أنها نيران مشتعلة داخل الكهوف، مما أكد لي أن المرتفع مسكون بوجود بشري. عدت مسرعًا لنقل هذا الاكتشاف لأصدقائي، وفي طريقي، كدت ألقى حتفي عندما ظهر الديناصور المفترس، الميجالوصور ذو وجه الضفدع، الذي انطلق يطاردني بين الأجمات وأنا أركض كالمجنون محاولًا النجاة.
سقوط في الفخ المحفور
سقطت في حفرة كانت مغطاة بالأغصان، وفي وسطها وتد خشبي ملطخ بالدم، مغروس في الأرض وحاد الرأس كسنان حادة، يحيط به عظام وبقايا حيوانات. أدركت على الفور أن هذا الفخ هو من عمل سكان الكهوف. أسرعت بالخروج من تلك الحفرة، وتوجهت نحو المخيم وأنا أنادي لتنبيه رفاقي بعودتي، لكن المفاجأة كانت أنني لم أتلق أي رد.
عندما وصلت إلى المخيم، ظهر أمامي مشهد مرعب؛ فقد كانت حاجاتنا متناثرة في أنحاء الأرض حول المخيم، والعشب حول ركام النار كان ملطخًا ببركة مروعة من الدماء. التفَتُ حولي في ذعر، فإذا بيد تمسك ذراعي، وأطلقت صيحة فرح حين اكتشفت أن اللورد جون قد عاد. كان وجهه ممتلئًا بالخدوش، وملابسه ممزقة، لكنه بدا في حالة جيدة نسبيًا.
قال لي بسرعة: “عجل أيها الشاب! اجلب البنادق والرصاص، واملأ جيوبك! خذ بعض معلبات الطعام، ولا تتكلم، عجل وإلا قضى علينا!”
اندفعت خلفه، حاملاً ما استطعت من الأسلحة والطعام، حتى وصلنا إلى بقعة آمنة بين الأشجار.
هجوم الرجال القرود
بقلق سألته: “ما الذي حدث؟ من يلاحقنا؟”
أجابني: “إنهم الرجال القرود! يا لهم من وحوش! أين كنت طوال هذا الوقت؟”
سردت له بسرعة ما رأيته من مغامرتي. ثم حكى لي ما جرى لهم أثناء غيابي؛ فقد هاجمهم الرجال القرود في الصباح الباكر، ونزلوا من الأشجار بأعداد غفيرة وقيدوهم بحبال مجدولة من النباتات المتسلقة، وأحاطوا بهم جالسين بعيون متوحشة تفيض برغبة القتل. قال إن هؤلاء القرود ضخام وأقوياء، وأن تشالنجر أصابه الجنون وثار.
سألته: “وماذا فعلوا بتشالنجر؟”
تشابه غريب بين تشالنجر وزعيم القرود
ضحك اللورد جون وقال: “هنا تكمن المفاجأة الطريفة! إذ إن زعيم القرود يشبه تشالنجر بشكل عجيب؛ له الجسم القصير نفسه، والكتفان الضخمتان، والعنق القصير، واللحية الكثيفة، والحاجبان الكثيفان المقوسان المعقودان. يبدو أن زعيم القرود ظن أن تشالنجر أخ له، فراح الجميع يضحكون بصخب ويجروننا عبر الغابة، بينما رفعوا تشالنجر على أكتافهم. وقادونا إلى مركزهم عند طرف التلال الصخرية.”
أضفت: “أعتقد أنني رأيت دلالات على وجود بشر هناك.” فأجابني: “نعم، رأيناهم بالفعل. يبدو أن سكان المرتفع الأصليين يقيمون في جانب من المرتفع، بينما يسيطر الرجال القرود على الجانب الآخر، وبين الطرفين حرب دائرة. أسر الرجال القرود بعض البشر وقتلوا اثنين منهم فورًا. أتذكر دغل الخيزران الذي عثرنا عنده على الهيكل العظمي؟ إنه يقع تمامًا تحت تلالهم الصخرية، حيث يدفعون الأسرى من فوق ليسقطوا وسط ذلك الدغل على أوتاد الخيزران. كان دورنا آتٍ لولا أني، لحسن الحظ، تمكنت من صرع الحارس والعودة لجلب البنادق.”
وأضاف اللورد جون: “هؤلاء الرجال القرود ليسوا سريعي الجري مثلنا، كما أنهم لا يعرفون شيئًا عن البنادق، لذا ربما يكون أمامنا فرصة للنجاة.”
مواجهة الرجال القرود وإنقاذ الأسرى
كان اللورد جون يتكلم أثناء انطلاقنا مسرعين، حتى وصلنا إلى حافة التلال الصخرية حيث رأينا مجموعة من الأشجار تشكل نصف دائرة. كانت أغصان الأشجار تعج بأعشاش تتجمع فيها إناث القرود وصغارها، بينما اصطف على الجرف مئات من ذكور القرود ذات الشعر الأحمر الأشعث. ووقف أمامهم بعض الهنود، وهم رجال ضئيلو الأجسام تلمع بشرتهم الحمراء كما يلمع البرونز الصقيل. وقف كل من تشالنجر وزعيم القرود منفصلين عن البقية، وكان الشبه بينهما واضحًا لولا أن شعر تشالنجر أسود، بينما كان شعر الزعيم أحمر.
قام اثنان من الرجال القرود بانتزاع هندي من يديه ورجليه وطوحا به في الهواء ليقذفاه في هاوية الجرف، بينما اندفع الآخرون نحو الحافة مبتهجين بسقوطه فوق أوتاد الخيزران. جاء الدور على الأستاذ سمرلي، الذي كان يقاوم بعنف، وبدا بجسمه النحيل وأطرافه الطويلة مثل دجاجة تُجر من قنها.
انطلقت بنادقنا فجأة، فخر زعيم الرجال القرود صريعًا، وأفلت الحراس سمرلي. وما إن أطلقنا النار مجددًا في اتجاه الرجال القرود، حتى تفرقوا مسرعين نحو الغابة، متخذين من الأشجار ملاذًا. ركض تشالنجر وسمرلي باتجاهنا، وانطلقنا جميعًا إلى المخيم بأقصى سرعة، نطلق النار على كل من حاول الاقتراب منا.
الهنود يطلبون الحماية
عندما وصلنا إلى المخيم، سمعنا وقع خطوات خلفنا ونداءات استغاثة حزينة. التفتنا لنجد الهنود يلحقون بنا متوسلين طلبًا للحماية. رمى أحدهم بنفسه عند قدمي اللورد جون الذي قال له: “انهض أيها الشاب وارفع رأسك!”
قلت للورد جون: “يعيشون في الكهوف في الجانب الآخر من البحيرة. علينا أن نعيدهم إلى هناك.”
مشى شاب منهم أمامنا ليدلنا على الطريق، وقد بدا عليه اعتزاز وإباء، مما جعلنا نعتقد أنه زعيمهم. شققنا طريقنا جميعًا نحو البحيرة، ووصلناها قبيل المساء.
العودة إلى البحيرة والاحتفاء بالنجاة
عند وصولنا إلى البحيرة، رأينا أسطولًا صغيرًا من القوارب يتجه نحو الشاطئ. انفجر الهنود بصيحة ابتهاج حين رأونا، وراحوا يلوحون بمجاذيفهم وحرابهم في الهواء ترحيبًا بزعيمهم الشاب. ثم ربطوا زوارقهم وأقبلوا علينا، وانحنوا أمامنا امتنانًا وعرفانًا بالجميل. كانوا محاربين جاءوا لتخليص أصدقائهم من أيدي الرجال القرود. أقمنا عند البحيرة البدائية الرائعة ما تبقى من يومنا، وقضينا ليلتنا هناك.
كانت الأشجار المحيطة مثقلة بالفاكهة الشهية، والأزهار المدارية تتفتح بين الأعشاب، والأستاذان، تشالنجر وسمرلي، كانا يشعران بفرح غامر، خاصة لما شاهداه من عجائب الكائنات البحرية التي تملأ المياه المتلألئة. على الشاطئ الرملي البعيد، كانت هناك سلاحف ضخمة تزحف ببطء، وهنا وهناك تظهر رؤوس تشبه رؤوس الثعابين، ترتفع من الماء وتمتد في الهواء. اقترب أحد هذه المخلوقات من الشاطئ الرملي كاشفًا عن جسده البرميلي وزعانفه الهائلة.
قال سمرلي بحماسة: “إنه البلزيوصور! لم يعرف الكون عالِم حيوان أكثر حظًا منا يا تشالنجر!”
قضينا تلك الليلة حول نار المخيم، وهي تشع حمراء وتلقي ظلالها المتراقصة على الأشجار، بينما كانت أصوات الحيوانات المنبعثة من البحيرة تضج بعيدًا في ظلام الليل.
الهجوم على مستوطنة الرجال القرود
في صباح اليوم التالي، شرعنا في هجوم على مستوطنة الرجال القرود. كان الهنود يحملون الحراب والأقواس والسهام المسمومة، بينما كنا نحن نحمل أسلحتنا الحديثة. سبقنا الكشافة زحفًا بين الأدغال، حتى وصلنا إلى حافة الغابة. هناك توزعنا في صفٍّ، فكان ركستن وسمرلي في الجناح الأيمن، بينما كنت أنا وتشالنجر في الجناح الأيسر.
خرج الرجال القرود من بين الأشجار، يصرخون ويحملون الحجارة والعصي. لكن الهنود تفوقوا عليهم سريعًا، حيث دحروا الرجال القرود إلى حافة الجرف الصخري، ثم أذاقوهم من دوائهم برميهم إلى الهاوية فوق أوتاد الخيزران. قال تشالنجر مبتهجًا: “هذه لحظة تاريخية! لحظة انتصار الإنسان على القرد!”
قال سمرلي: “لقد نلنا قسطًا وافرًا من المغامرات. فلنخرج من هذه البقاع المخيفة ولنعد إلى الحضارة.”
استكشاف حياة الهنود
لكن مغامرتنا لم تنتهِ بعد، إذ كان أمامنا وقت طويل قبل مغادرة المرتفع. فالهنود لم يرغبوا في رحيلنا، وعرضوا علينا البقاء في كهوفهم وحتى الزواج من نسائهم! كما أطلعونا على رسومهم الرائعة التي تصور الحيوانات على جدران الأنفاق والكهوف الصقيلة. كانوا أرقى بكثير من الرجال القرود، بل إنهم دجنوا قطعان الإغوانودون لأجل لحومها، تمامًا كما فعلنا نحن مع الماشية.
قضينا أيامنا في استكشاف المنطقة وجمع العينات. في أحد الأيام، رأيت اللورد جون ركن يتنقل داخل قفص جرسي مصنوع من الخيزران. قلت بدهشة: “ماذا تفعل؟”
أجابني قائلًا: “سأزور أصدقائي التيروداكتيل. إنها مخلوقات مثيرة، لكنها لا ترحب بالأغراب، لذا زودت نفسي بهذه الأداة لأتجنب خطرها.”
سألته: “وما الذي تأمل تحقيقه من ذهابك إلى مجمع تلك الزواحف؟”
أجاب بابتسامة ماكرة: “سأجلب معهم شيطانًا صغيرًا لأهديه لتشالنجر، كما أن لدي هدفًا آخر. لا تقلق، سأعود قريبًا!”
العثور على طريق العودة
أخيرًا، وبعد أسابيع من الاستكشاف، جاء الزعيم الهندي الشاب إلى نجدتنا وأرشدنا إلى الممر الذي يقود إلى السهل أسفل المرتفع. كانت الكهوف مليئة بالوطاويط التي تحلق حول رؤوسنا. سرنا مسرعين عبر الرمال اللامعة، متخبطين أحيانًا في طرق مسدودة، إلى أن وجدنا ممرًا عريضًا وفي نهايته ضوء باهر كأنه ستار من اللهب يسد الطريق.
فجأة، صاح اللورد جون: “إنه القمر! لقد نجونا، يا شباب!” وعند النظر أسفل المنحدر، رأينا السهل الممتد أمامنا.
أثناء نزولنا بسرعة لملاقاة زمبا، سمعنا صوت صرخة عالية وراعدة، صادرة من حيوان عجيب في قلب الظلام، وكأن العالم المفقود يودعنا.
العودة إلى لندن واستعراض الاكتشافات
سرعان ما انتشرت أنباء مغامرتنا في أرجاء البلاد، واحتشد العلماء في لندن للقاء المغامرين الأربعة. في قاعة الاجتماع، جلسنا على المنصة، وبدأ الأستاذ سمرلي بوصف الأحداث والتجارب التي مررنا بها. أبدى الحضور شكوكهم واعترضوا على وصف الحيوانات الغريبة التي وجدناها على المرتفع، مطالبين بدليل ملموس على صحتها، وعمّ القاعة صخب واضطراب.
فأعلن تشالنجر أنه سيعرض صورًا لما شاهدناه، لكن الحضور طالبوا برؤية الشيء نفسه كدليل قاطع.
قال تشالنجر متحديًا: “أنتم تطلبون رؤية الشيء نفسه؟ فليكن ذلك!” ثم أشار إليّ وإلى اللورد جون بابتسامة واثقة.
إثبات الاكتشاف بعرض حي
قربنا صندوقًا كبيرًا إلى وسط المنصة، ورفع الأستاذ تشالنجر الغطاء. انبعث زعيق وتصفيق من الحضور، ثم ظهر أفظع مخلوق يمكن تخيله، جاثمًا على حافة الصندوق. كانت له عينان حمراوان، وقام وحشي طويل بفكين قاتلين وأنياب بارزة. كتفاه مرفوعتان ومغلفتان بما يشبه شالًا رماديًا عتيقًا، وكان يشبه إلى حد بعيد الشيطان كما تصوره الكوابيس المرعبة.
صرخ الناس رعبًا، وأغشي على البعض، بينما تدافع آخرون نحو المخرج. يبدو أن المشهد أفزع المخلوق أيضًا، إذ بسط جناحيه الجلديين وبدأ يحوم حول السقف، تنبعث منه رائحة كريهة كالسمك المتعفن، ويضرب الجدران بهياج، بينما يوجه منقاره المخيف نحو الناس.
صاح الأستاذ تشالنجر محذرًا: “أغلقوا الشبابيك!” لكن دعوته كانت متأخرة، إذ وجد المخلوق فتحة وانطلق عبرها هاربًا إلى الخارج. أخيرًا، صدق الجميع ما قاله الأستاذ، وتحققت صحته. غمرتنا الحشود الغفيرة وأخذت تحملنا وسط الشوارع، مهللة بهتافات فرح ومرددة الأغاني.
أما التيروداكتيل الهارب، فقد أثار الذعر في كل من صادفه، وشوهد للمرة الأخيرة على ساحل المحيط الأطلسي. ربما، بحسب غريزته، يكون قد وجد طريق العودة إلى بلاد ميبل وايت.
الاحتفال بالنجاح والنقاش حول مستقبل الثروة المكتشفة
جلسنا نحن الأربعة في منزل اللورد جون ركستن آمنين ومطمئنين للاحتفال بنجاح رحلتنا. قال اللورد جون مبتسمًا: “لدي شيء لأريكم إياه. لقد جلبت من مجمع الزواحف المجنحة شيئًا خاصًا.” ثم أرانا حفنة من الحصى التي بدت كالبلور العادي، ثم أخرج من جيبه ماسة كبيرة براقة.
قال اللورد جون: “أخذت هذه الماسة إلى الجوهري لصقلها وتقييمها، وقدر أنها تساوي ثروة طائلة، وهكذا هي باقي الماسات التي ترون. فماذا تنوي أن تفعل بحصتك يا تشالنجر؟”
رد الأستاذ تشالنجر بحماسة: “سأنشئ متحفًا خاصًا! لقد كان هذا حلمي دائمًا.”
ثم سأل اللورد جون الأستاذ سمرلي، الذي أجاب: “سأتقاعد وأدرس الأحافير التي جمعتها.”
قال اللورد جون مبتسمًا: “وأما أنا فسأستخدم حصتي لتمويل حملة جديدة لاكتشاف ما فاتنا في المرتفع البركاني.”
ثم التفت إلي وقال ممازحًا: “وأنت، أيها الشاب؟ أظنك ستتوجه نحو الزواج!”
فأجبته بشغف: “بل أود أن أرافقك، إذا كنت ترغب في صحبتي.”
أمسك اللورد جون بيدي وصافحني بحرارة وقال ببهجة: “يا لك من شاب رائع!”
معرض الصور (قصة العالم المفقود)
لا تنسي فك الضغط عن الملف للحصول علي الصور
استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟
– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث