قصة الابن البار وشيخ البحر

جدول المحتويات

في قرية صغيرة على شاطئ لبنان الجميل، كان يعيش الصياد يوسف مع عائلته الصغيرة: زوجته ليلى وأولاده سليم ونبيل وسعاد. كان يوسف صيادًا نشيطًا ومجتهدًا، وكان يروي لأبنائه قصصًا عن البحر و”شيخ البحر” الطيب الذي ينقذ الغرقى ويشفي المرضى. كبرت هذه القصص في خيال سليم الابن البار، خاصة عندما مرضت أمه مرضًا شديدًا ولم يجد لها الأطباء علاجًا.

ذات يوم، ذهب سليم إلى الشاطئ وجلس يتأمل البحر ويتمنى أن يقابل شيخ البحر ليطلب منه علاجًا لأمه. نام سليم على صخرة كبيرة، وبينما كان نائمًا، مر شيخ البحر بقاربه الصغير، ورأى سليم وأخذه معه إلى الجزيرة المقدسة، حيث يعيش الأشخاص الذين أنقذهم. استيقظ سليم في القارب ورأى شيخ البحر، الذي استقبله بحب، لكنه لم ينسَ أمه المريضة وأباه وأخوته الصغار.

في الجزيرة، عاش سليم في قصر شيخ البحر، لكنه لم يستطع أن ينعم بالسلام مثل سكان الجزيرة الآخرين، إذ كان يبكي ويحن لأسرته ووطنه. سمع سكان الجزيرة بكاءه وشكوا لشيخ البحر الذي استدعى سليم وسأله عن السبب. فأخبره سليم بشوقه لعائلته ورغبته في العودة لإنقاذ أمه.

قرر شيخ البحر أن يحقق أمنية سليم بسبب وفائه لأسرته وحبه الكبير لهم. في ليلة هادئة، أخذه شيخ البحر بقاربه وأعاده إلى شاطئ قريته. هناك، أعطاه شيخ البحر خاتم السعادة الذي يشفي المرضى ويغني الفقراء، وودعه بكلمات حب وتشجيع.

عاد سليم مسرعًا إلى بيته ووضع الخاتم في يد أمه المريضة. فجأة، عادت الحياة لأمه، واستعادت قوتها وصحتها. عاد البيت إلى سابق عهده من السعادة، وعادت أم سليم إلى عملها في البيت، وذهب الأب للصيد مجددًا، وذهب الأولاد إلى المدرسة. بفضل شجاعة سليم وحبه العميق لأسرته، استعاد الجميع الفرح والأمل في حياتهم.

قصة الابن البار وشيخ البحر مكتوبة

في قرية صغيرة من قرى لبنان، المنتشرة على طول الشاطئ الجميل، كان يعيش صياد السمك يوسف مع زوجته ليلى وأولاده سليم، نبيل، وسعاد. كان الصياد يوسف يحب زوجته وأولاده كثيرًا، ويعمل ليلًا ونهارًا من أجل توفير السعادة لهم وتأمين الكساء والغذاء لكل فرد منهم. كان يُعتبر مثلًا أعلى في نشاطه واجتهاده. كل يوم، بعد منتصف الليل بقليل، كان يترك بيته الصغير الجميل، بعد أن يلقي نظرة كلها عطف وحب على زوجته وأولاده الغارقين في نومهم العميق، ويذهب إلى شاطئ البحر ليلتقي برفقائه الصيادين. كان الصيادون يحبون البحر كثيرًا لأنه مصدر رزقهم الذي لا ينضب، والبحر يعطف عليهم ويجود عليهم بخيره الوفير.

حكايات البحر

كثيرًا ما كان الصياد يوسف يحدث زوجته وأولاده عن البحر الهادئ صيفًا والهائج شتاءً وعن مفاجآته. كان يصف لهم نعيم البحر عندما يكون هادئًا وصافيًا، وجحيمه عندما يكون ثائرًا وعاصفًا. كان يحدثهم أيضًا عن “شيخ البحر” الذي يقيم في الجزيرة المقدسة، والذي يركب قاربه الصغير كل مساء ويتجول في عرض البحر. إذا رأى صيادًا ضالًا هداه، أو مسافرًا يغرق أنقذه. بالإضافة إلى ذلك، كان شيخ البحر طبيبًا عظيمًا يشفي الأمراض الخطيرة والعلل المستعصية.

رغبة في المغامرة

كان أفراد عائلة الصياد يوسف يستمعون إلى أحاديثه عن البحر بشوق، حتى باتوا يتشوقون لركوب البحر والتعرف على نعيمه وجحيمه. كانوا يتمنون رؤية شيخ البحر الذي ينقذ الضالين وينقذ الغرقى ويشفي المرضى. كان سليم، الابن الأكبر، أكثرهم شوقًا لذلك. رغم صغر سنه، كان يشعر بما يشعر به والداه ويشاركهما في تحمل المتاعب ويساعدهما على مواجهة الصعاب.

أمنيات سليم

كان سليم يتمنى، رغم حداثته، لو يمكن لوالده أن يصحبه في بعض رحلاته القصيرة ليقدم له العون والمساعدة. لكن والده لم يكن يرتضي لابنه ما ارتضاه لنفسه، إذ كان يريد أن يعلم أولاده ويُعدّهم لمهن أقل عناءً وأوفر ربحًا من مهنة صيد السمك.

بداية مرض أم سليم

في يوم من الأيام، شعرت أم سليم بألم في رأسها وضعف في جسمها، فلم تتمكن من مغادرة فراشها لخدمة أولادها. اجتمع حولها سليم ونبيل وسعاد وسألوها عن حالها، لكنها كتمت عنهم حقيقة مرضها لأنها لم ترغب في تعكير صفوهم أو إزعاجهم. حاولت النهوض من فراشها، لكنها فقدت قوتها وسقطت مغشيًا عليها. أصيب الأولاد بالذعر، وبدأ سليم بفرك جبهتها ويديها وقدميها حتى استعادت وعيها، فهدأ روع الأطفال وعادت إليهم فرحتهم.

زيارة الطبيب

في المساء، عاد الصياد يوسف من عمله وعلم بمرض زوجته، فذهب فورًا إلى منزل طبيب القرية. طلب من الطبيب أن يصحبه إلى بيته، وبعد أن أطلعه على حالة زوجته، زار الطبيب بيت الصياد يوسف لأول مرة. أعجب بنظافة البيت وحسن ترتيبه، ولما كان البيت النظيف المرتب هو صورة صادقة لربة هذا البيت، اهتم الطبيب كثيرًا بأم سليم وفحصها بدقة، ثم أعطاها العلاج المناسب ووعد بزيارتها في اليوم التالي.

تدهور الحالة

تكررت زيارات الطبيب لأم سليم، وتنوعت العلاجات والأدوية، ولكن أم سليم لم تتحسن. لقد مرضت مرضًا عضالًا لم تنفع معه العقاقير. مرضت أم سليم، فمرض كل من في البيت لمرضها. انقطع الصياد يوسف عن عمله ولازم بيته ليسهر على خدمة زوجته الحبيبة ويدير شؤون أولاده الذين تغيبوا عن مدرستهم ليبقوا قريبين من أمهم الحنونة.

اليأس والأمل

مرت الأيام والأسابيع، وأم سليم تزداد حالتها سوءًا. حتى أن الطبيب نفسه يئس من شفائها وانقطع عن زيارتها، مما جعل الحزن والشقاء يخيمان على بيت الصياد يوسف. كان سليم، الابن البار، أكبر إخوته وأنضجهم عقلًا. كان يدعو الله القدير أن يمنح والدته الشفاء لكي تعود البهجة للبيت والسرور للعائلة.

رحلة سليم إلى الشاطئ

وفي يوم مشرق جميل، خرج سليم من البيت وقصد الشاطئ. جلس على صخرة كبيرة، يتأمل البحر الفسيح ويتذكر قصص والده وحكاياته. تصور شيخ البحر في قاربه الصغير، وتمنى لو يراه ليطلب منه أن يشفي والدته من مرضها الخطير.

مضى النهار بأكمله وسليم لا يزال غارقًا في تأملاته. أخيرًا، غلب عليه النعاس فنام. غابت الشمس وخيم الليل، وسليم لا يزال نائمًا على تلك الصخرة من صخور الشاطئ. ومر شيخ البحر بقاربه الصغير، ووجه ضوء فانوسه نحو الشاطئ، فرأى الابن البار سليماً غارقًا في نومه. فرق لحاله، وتقدم منه، وحمله بين يديه بلطف وخفة، ووضعه في قاربه. تابع رحلته متوجهًا نحو الجزيرة المقدسة.

لقاء شيخ البحر

عندما اقترب القارب من شاطئ الجزيرة، انتبه سليم من نومه، فوجد نفسه في القارب. ورأى أمامه شيخًا جليلاً يمسك بيديه مجدافين طويلين، يسير بهما القارب نحو جزيرة صغيرة، كل ما فيها أخضر وجميل. لم يخف سليم ولم يجزع، بل تذكر قصص أبيه وحكاياته وعرف أنه مع شيخ البحر.

تقدم سليم من الشيخ وحياه بجرأة واحترام، فتعجب الشيخ من جرأة هذا الولد وأدبه، ورد عليه التحية بأجمل منها. سأله عن حاله، فقص سليم قصته من أولها إلى آخرها، ثم أجهش بالبكاء، لأنه تذكر أمه الحنون وما تعانيه من أوجاع وآلام.

طلب سليم لشفاء والدته

عندما رأى شيخ البحر سليم يبكي، رق لحاله وسأله عن سبب بكائه. فقال له سليم: “لقد تذكرت يا سيدي الشيخ أمي المريضة وما تعانيه. وتذكرت أبي الوفي الذي ترك عمله وتفرغ لخدمتها والسهر عليها. وتذكرت أخوي الصغيرين نبيل وسعاد اللذين تركا المدرسة ليبقيا قريبين من أمهما الحنون. لقد تذكرت كل ذلك فبكيت. والآن لا أدري ماذا حل بهم بعد فراقي لهم، وغيابي عنهم. ولا أعلم ما فعل أبي، وما أصاب أمي وأخوي. وهل ظنوا أن البحر ابتلعني وصرت في عداد الأموات، أم أن شيخ البحر أنقذني ولا أزال على قيد الحياة”.

حديث سليم مع شيخ البحر

هنا قطع شيخ البحر سليم وسأله: “وهل يعرف أهلك شيخ البحر أيها الابن البار؟” فأجابه سليم والدموع تترقرق في عينيه: “نعم يا سيدي الشيخ، فإن أبي هو صياد السمك يوسف، وهو يعرفك جيدًا. كان يقص علينا قصصك الحلوة، ويحدثنا عن حسن صنيعك. يخبرنا أنك تنجد التائهين، وتنقذ الغرقى، وتشفي المرضى. كنا أنا وأمي وإخوتي نتشوق لرؤياك. وإني قصدت أمس شاطئ البحر، لألتقي بك، وأطلب منك أن تشفي لي أمي فتعود إلى مزاولة عملها في البيت. ويرجع أبي إلى عمله الذي يدر علينا الكساء والغذاء، ونذهب أنا وإخوتي إلى المدرسة. وتعود لبيتنا بهجته ويعود لعائلتنا سرورها”.

الوصول إلى الجزيرة المقدسة

ثم تذكر سليم مرة ثانية حيرة أبيه عليه وقلق إخوته وسقم أمه، فانفجر بالبكاء وعلا نحيبه. أمسكه شيخ البحر بيده وقال له بعطف وحنان: “كف عن البكاء أيها الابن البار، وامسح دموعك وتخلص من جميع همومك وأحزانك، لأنك وصلت إلى الجزيرة المقدسة”.

ربط الشيخ القارب بحبل إلى جذع شجرة من أشجار الجزيرة، ونزل على الشاطئ، ونزل معه سليم. ثم سارا حتى وصلا إلى قصر عظيم. علم سليم أنه قصر شيخ البحر. دخل الشيخ إلى بهو القصر الفسيح وتبعه سليم. صعدوا إلى الطابق العلوي وصعد وراءه سليم، حتى انتهى بهما المطاف إلى شرفة واسعة تطل على مرج أخضر فيه من كل شيء بهيج، أشجار باسقة، وأزهار عطرة، وأثمار يانعة، عدا النور والقصور التي تحيط به من كل جانب، والتي يسكنها الأبيض والأصفر والأحمر والأسود.

سر الجزيرة المقدسة

عندما سأل سليم شيخ البحر عن سر ما يراه، أجابه الشيخ بصراحة واختصار: “أنت الآن يا بني في الجزيرة المقدسة، وسكان الجزيرة المقدسة من مختلف الأجناس: فيهم الأبيض والأصفر والأحمر والأسود. كانوا غرقى فأنقذتهم، وكانوا ضالين فأنجدتهم، وكانوا مرضى فشفيتهم. ثم اصطحبتهم إلى جزيرتي هذه، ليسكنوا في قصورها الجميلة، ويأكلوا من خيراتها الوفيرة. هم كما تراهم يعيشون فيها بأمان ولا يعرفون الهموم والأحزان. وإنك اليوم واحد منهم، وستقيم في قصري هذا ما دمت تذكر أهلك وتحن إلى وطنك، ومتى سلوت الأهل ونسيت الوطن، فسيكون لك قصر بين قصورهم وستعيش معهم بسلام. الآن هذه غرفتك، فيها كل ما تطلب وتتمنى.”

مضى شيخ البحر إلى جناحه في القصر ليستريح من عناء السفر، وبقي سليم وحيدًا على الشرفة، حائر الفكر شارد الذهن. بعد مدة قصيرة من الزمن، أحس بتعب شديد، فدخل إلى غرفته واستلقى على سريره، وغط في نوم عميق.

حزن الصياد يوسف

أما الصياد المسكين يوسف، فعندما غابت الشمس ولم يحضر ابنه سليم إلى البيت، ترك زوجته المريضة وولديه الصغيرين وخرج من البيت ليسأل عن ابنه في كل بيت من بيوت القرية. كان يسأل عن سليم رفقاءه ورفيقاته، ولما لم يجده، ذهب إلى شاطئ البحر. لم يترك صخرة من صخور الشاطئ إلا وقف عليها وصرخ بأعلى صوته: “سليم، سليم.” ولما أعياه النداء، عاد إلى بيته كالمذهول، لا يصدق أن ابنه البار سليم يتركه، ويترك أمه المريضة وأخويه الصغيرين. فهو يعتقد أن سليم سيرجع إليهم حتمًا لأنه يحبهم.

الأمل والانتظار

عندما اقترب الصياد المذهول من بيته، سمع صياح ولديه، نبيل وسعاد، يبكيان خوفًا ورعبًا. وما كاد يدخل عليهما حتى ألقيا بأنفسهما عليه وسألاه عن أخيهما سليم. تجلد الأب المسكين وقال لهما بصوت خافت: “إن أخاكما سليما سيعود قريبًا إن شاء الله، وسيحمل معه العلاج الناجح الذي سيشفي أمكما من مرضها، فتتحسن صحتها، وتعود لبيتنا بهجته وسعادته.” فرح الصغيران فرحًا عظيمًا بشفاء أمهما القريب، وغلب عليهما النعاس فناما.

أما الوالد المسكين، فلم تغمض له عين، ولم يهدأ له بال. قضى ليلته خائفًا ساهرًا، يفكر في مصير ابنه البار سليم. تارة يتصور أن وحشًا كاسرًا افترسه، وتارة يتخيل أن البحر العاتي ابتلعه، فيغمض عينيه هلعًا ورعبًا، وتنهمر الدموع على خديه، ويبدأ في النحيب.

معاناة الأم وقلق الأبناء

أما الوالدة العليلة، فإن المرض الوبيل قد أضنى جسدها، حتى لم يبقَ منه سوى الجلد والعظم. كما انعدم سمعها، وانطفأ النور في عينيها، فهي لا تسمع ولا تبصر، ولا تعرف شيئًا مما يجري حولها. مرت الأيام وأبو سليم ينهكه الحزن ويحطمه اليأس، وأم سليم تقترب من نهايتها.

انتظار عودة سليم

أما نبيل وسعاد، فقد شعرا بالشقاء والفقر يخيمان على بيتهما، وإحساس بأن أمهما ستفارقهما إلى الأبد، وأن أباهما قد أنهكه مرض زوجته الأمينة وفراق ابنهم البار سليم. لذلك كانا ينتظران كل يوم، من الصباح حتى المساء، عودة أخيهما سليم قبل فوات الأوان، حاملًا معه العلاج الناجع لأمهما الحنون، والقوة والسرور لأبيهما الوفي. يتمنيان أن تعود للبيت بهجته وللعائلة سرورها.

سحر الجزيرة المقدسة

أما الابن البار، سليم، فكان في الجزيرة المقدسة، وتمر عليه الأيام فيحسبها أطول من الشهور والأعوام. لم ينسَ أهله ووطنه. الجزيرة المقدسة، بدورها الشاهقة، وأشجارها الباسقة وهوائها العليل، ومائها السلسبيل، وأعشابها النضرة، وأزهارها العطرة، وظلالها الظليلة، ومناظرها الجميلة، لا يدخلها إنسان إلا وينسى الأهل والأوطان، ويعيش مع الذين دخلوها قبله في سلام وأمان. فهي، بسحرها الفاتن وروعتها الفائقة، تحول الشقاء إلى سعادة وهناء، واليأس إلى أمل ورجاء.

حنين سليم إلى أهله

منذ أن دخل سليم الجزيرة المقدسة ووطأت رجلاه أرضها الخيرة، لم ينسَ أمه الرؤوم، وأباه الوفي، وأخويه الحبيبين. بل زاد شوقه إليهم وتعلقه بهم. كان يتذكر أمه العليلة ولا يدري إن كان المرض الخطير قد تغلب عليها وقضى عليها، أم أنها لا تزال تتحمل آلامها بجلد وصبر، متمنيًا أن يمنحها الخالق الكريم الصحة والشفاء.

كان سليم يتصور أباه العزيز، ولا يعلم ماذا حدث له بعد طول الفراق. هل خانه الصبر والجلد فلزم البيت حزينًا كئيبًا، أم أن أمله الحلو بعودة ابنه وإيمانه الكبير بشفاء زوجته قد خففا من مصيبته وشددا عزيمته، فبقي صامدًا صابرًا، يدعو الله القدير أن يكون بعونه ويزيل همه؟ وتخيل أخويه الصغيرين، نبيل وسعاد، وهما يبحثان عنه داخل البيت وخارجه فلا يجدانه ولا يقفان له على خبر. كانت تمر هذه الذكريات والصور في رأسه وأمام عينيه، فينفجر بالبكاء، وتنهمر الدموع من عينيه، ويعلو صياحه وعويله حتى أن سكان الجزيرة المقدسة تعجبوا منه وحاروا في أمره. فقد حول نعيم جزيرتهم المقدسة إلى جحيم من كثرة نحيبه وعويله.

استجابة شيخ البحر

أراد سكان الجزيرة المقدسة معرفة سبب بكاء سليم وعويله، فاجتمع وفد منهم وكلفوه بمقابلة شيخ البحر، سيد الجزيرة ورئيسها، ليعرض له أمر هذا الولد الغريب الذي عكر صفوهم ونغص عيشهم.

في صباح أحد الأيام، استقبل شيخ البحر أعضاء الوفد وسألهم عن حاجتهم. فقال له كبيرهم: “يا سيدي الشيخ، إن الولد الذي يقيم في قصرك قد أزعج نفوسنا بعويله، وأقلق خواطرنا ببكائه. وإذا استمر ببكائه وعويله، فسيحول نعيم جزيرتنا المقدسة إلى جحيم. وإننا نرجوك أن تزيل السبب الذي من أجله يبكي وينوح، حتى تبقى لجزيرتنا بهاؤها ورونقها.”

حديث سليم مع شيخ البحر

استدعى شيخ البحر الابن البار سليم، فحضر حالاً ووقف بين يديه وسلم عليه. فسأله الشيخ بلطف وعطف: “أما تزال، يا سليم، تحن إلى وطنك، وتشتاق إلى أهلك؟”

فأجاب سليم بجرأة وأدب: “يا سيدي الشيخ، إن اشتياقي لأهلي يزداد، وحنيني لوطني يقوى. إن أمي الرؤوم تنتظر عودتي ومعي العلاج الناجع الذي يشفيها من مرضها فتعود إليها صحتها وقوتها، وتزاول عملها في البيت. ويرجع أبي إلى عمله في البحر، ويذهب إخوتي إلى المدرسة، وتعود لبيتنا بهجته، ولعائلتنا سعادتها.”

قرار شيخ البحر

عندما سمع أعضاء الوفد كلام سليم، أعجبوا كثيرًا بوفائه وذكائه، ودمعت عيونهم عطفًا عليه ورأفة به. طلبوا من شيخ البحر أن يقضي حاجة هذا الولد البار الذي يستحق التقدير والإكبار. فوعدهم شيخ البحر خيرًا، ثم تركهم ومضى إلى جناحه في القصر ليستريح قليلاً.

انصرف أعضاء الوفد، حامدين شاكرين، لأن الشيخ احتفى بهم واستقبلهم أحسن استقبال، ولبى رغبتهم في الحال. عاد سليم إلى غرفته، وهو لا يكاد يصدق ما سمعته أذناه. كان ينتظر ساعة الفرج بشوق ولهفة.

الرحيل من الجزيرة

مال النهار وغابت الشمس، ومشى الليل في الجزيرة حتى إذا لفها بجناحيه، بدت وكأن كل شيء فيها هادئ وصامت. لا حركة إلا حفيف أوراق الشجر واهتزاز الغصون، ولا صوت إلا صوت تكسر الأمواج على صخور الشاطئ القريب، ووقع خطوات سليم وهو يذرع أرض الشرفة ذهابًا وإيابًا، ينتظر الأمر بالرحيل. انقضت ساعة من الليل، حسبها سليم يوماً بل شهرًا، ولم تنقض الساعة التالية حتى دخل شيخ البحر على سليم، وأشار إليه أن اتبعني.

تبعه سليم حتى وصلا إلى الشاطئ، فصعد الشيخ إلى قاربه الصغير، وصعد معه سليم. أرخى الحبل، وسار القارب يشق ماء البحر الذي كان مصقولًا كأنه المرآة. رفع سليم رأسه نحو السماء، شاكرًا رب العلاء، وهو يتمنى أن يدرك أمه، ويرى أباه، ويلتقي بأخويه.

العودة إلى الوطن

لم ينتصف الليل حتى أطل القارب على الشاطئ الثاني، شاطئ بلده الحبيب، الذي لم ينسه سليم حتى في الجزيرة المقدسة، بل زاد حبه له وتعلقه به. أمام الصخرة ذاتها التي جلس عليها سليم منذ مدة بعيدة، أوقف شيخ البحر قاربه. ثم ضم سليماً بين ذراعيه، وقبله على خديه، وخاطبه بعطف وحنان: “أيها الابن البار، لقد وصلت إلى وطنك، وستلتقي بأهلك. وإنني، مكافأة لك على إخلاصك ووفائك، أقدم إليك هذه الهدية الثمينة. إنها خاتم السعادة الذي يشفي المريض، ويغني الفقير، ويسعد البائس. فاحرص عليه، واحتفظ به، وانتفع منه.”

هدية خاتم السعادة

كان سليم يسمع هذه الكلمات المؤثرة، وعيناه عالقتان بعيني الشيخ الجليل، الذي بدا وكأنه قديس من القديسين، أو نبي من الأنبياء. تناول سليم الخاتم ووضعه في إصبعه، فأحس بالغبطة والسرور يملآن قلبه. ثم أمسك بيد الشيخ القديس، وقبّلها حبًا ووفاءً، وودعه، ونزل من القارب، وجرى مسرعاً نحو القرية وهو يتمنى لو يدرك أمه، ويرى أباه، ويلتقي بأخويه.

لقاء العائلة

وصل سليم إلى بيته وطرق الباب بيده اليمنى، ويده اليسرى على قلبه، فهو يخشى ألا يجد أمه فيه. عندما انفتح الباب، نظر إلى أبيه الواقف أمامه كالمذهول بعين، ونظر إلى فراش أمه حيث تركها بالعين الثانية. أسرع نحو أمه، وانحنى عليها، ووضع خاتم السعادة في يدها. فجأة، دبت الحياة في أعضائها، وجرى الدم في عروقها، وعاد النور إلى عينيها. انطلق لسانها فقالت، وما أحلى ما قالت: “الحمد لله الذي بفضله غمرني، وشكرًا لشيخ البحر الذي بخاتمه أنقذني.”

عودة الحياة إلى طبيعتها

في الصباح، زاولت أم سليم عملها في البيت، ورجع أبو سليم لشغله الذي يدر على العائلة الكساء والغذاء، وذهب سليم ونبيل وسعاد إلى المدرسة. عادت لبيت صياد السمك يوسف بهجته وسعادته، وعاد لعائلته هناؤها وسرورها.

معرض الصور (قصة الابن البار وشيخ البحر)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

المصدر
قصة الابن البار وشيخ البحر - حكايات وأساطير للأولاد - منشورات المكتب العالمي للطباعة والنشر - بيروت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى