حكايات جحا الفيلسوف

ملخص حكايات جحا الفيلسوف
حكايات جحا الفيلسوف مكتوبة
تعد شخصية جحا الفيلسوف محوراً أساسياً في التراث الفكاهي، حيث تتجسّد فيها سمات الذكاء والفطنة المصحوبة بروح الدعابة الفريدة. يقدم هذا العمل مجموعة مختارة من نوادر جحا ومواقفه الحياتية المتنوعة، التي تبرز قدرته الفائقة على تحليل المواقف وتقديم حلول غير تقليدية.
من خلال هذه الحكايات، يمكن للمتلقي استكشاف كيفية تحويل جحا للظروف العادية إلى مواقف استثنائية، مستخدماً منطقه الخاص وأسلوبه الساخر لإثارة الضحك وتقديم دروس بليغة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
قصة الفيلسوف جحا
وصل إلى (آق شهر) أحد العلماء، وذهب إلى قصر السلطان وأخبره أنه يتحدى علماء هذه البلدة، فأرسل السلطان إلى جحا، فجاءه على الفور، فطلب منه أن يتصدى له، ويجيبه عما يريد، فقال جحا: هات ما عندك. فقام العالم ورسم دائرة على الأرض، وانتظر الجواب. فقام جحا ووضع عصاه بنصف الدائرة تماما وشطرها شطرين، ثم خط خطا آخر وقسم الدائرة إلى أربعة، جعل ثلاثة منها إلى جهته إشارة بيده وواحدة منها إلى جهة العالم.
فقال العالم: هذا أعلم رجل في زمانه، فإني قد أشرت إلى الأرض كبيرة ومدورة، فصدق كلامي وقال إنها مقسومة شطرين، ثم قسمها أربعة مشيرا إلى أن ثلاثة أرباع الأرض بحر والربع يابس. ثم انصرف، فأعطى السلطان مكافأة كبيرة لجحا، وسأله عن ذلك.
فقال جحا: هذا الرجل جائع مثلي، فعندما عمل دائرة أشار أن عنده فطيرة، فقسمتها نصفين أنا نصف وهو نصف، ثم قسمتها أربعة أقسام، لنفسي ثلاثة وله قسم واحد، فرض بذلك. فضحك الجميع وانصرفوا.
قصة الفهم بالإشارة
دخل رجل على تيمورلنك، وقال له: فسر هذه. وفتح يديه وجعلهما كالطوق ونزل بهما من أعلى إلى أسفل وجعل أصابعه مفتوحة ورفعها في الفضاء بضع مرات. فلم يستطع تيمور تفسير ذلك، وكان جحا في المجلس، فأشار له تيمور أن يفسر ذلك. فقام جحا وصنع عكس ما صنع الرجل، ففتح أصابعه وهوى بها إلى جهة الأرض.
فأعجب به الرجل وأشاد بعلمه، فسأله تيمور عما كان يقصد.
فقال الرجل: أشرت إليه عن المواليد وأسرارها برفع أصابعي في الهواء وهزها مشيرا بذلك إلى النبات والأشجار. فرفع الشيخ يديه مشيرا إلى أسفل وأن نزول المطر من السماء وقوة الشمس تساعد تلك المواليد على الإتيان بما خصها الله به من القوى الكامنة، وأوضح ذلك على وجه موافق لقول الفلاسفة.
فأعجب تيمور بجحا وكافأه، ثم سأله عما فعل.
فقال جحا: اعتقدت أن الرجل يشير إلى قدر أرز على النار، فأشرت إليه أن يضع الملح والبهار فوقه وحللت له المشكلة. فضحك تيمور والجميع على هذه الموافقة العجيبة.
قصة البيضة العجيبة
رصد تيمورلنك جائزة لمن يستطيع أن يأتي بلغز لا يعرف أحد إجابته، فجاءه رجل، وقال له: عندي لغز محير، هل أعرضه عليك؟
فقال تيمور: نعم. فوضع الرجل أصبعه على الأرض وصار يمشي مقلدا مشي الحيوانات وأشار إلى بطنه كأنه يخرج شيئا منه، ثم قال له: فسر ما رأيت. فلم يستطع تيمور ذلك، فأرسل إلى جحا، وطلب من الرجل أن يعيد لغزه.
فأعاد الرجل ما صنع، فأخرج جحا من جيبه بيضة وجعل يحرك يديه كأنه يطير. فأعجب به الرجل، وقال: ظننت أن لن يعرف هذا أحد؟
فأعطى تيمور جائزة للرجل وجائزة لجحا، ثم سأل الرجل عما قصد.
فقال الرجل: لقد أشرت إليه عن تكاثر المخلوقات، فأخرج بيضة وأشار كأنها تطير إشارة إلى صنف الطير من المخلوقات على هذا الوجه مجملا.
فلما سئل جحا عن ذلك، قال: لقد ظننت أنه جائع، فأشرت إليه أني جائع مثله وكدت أطير جوعا، وإني قمت صباحا فلم أجد سوى بيضة واحدة ولم أجد وقتا لتناولها عندما بعثتم لي، فوضعتها في جيبي.
قصة ظلمة البطن
أراد رجل أن يمازح جحا فذهب إليه، وقال له: يا جحا، إنني مريض بجملة أمراض، وأريد أن أخبرك بها.
فقال له جحا: قل عساني أجد لك خير دواء يشفيك.
فقال الرجل: إنني أشعر بمغص في شعر لحيتي، وإن ما آكله من الطيبات ينزل خبيثا، وإن بباطني ظلمة، فهل عندك من دواء؟
فقال له جحا: أما ما بشعر لحيتك من المغص فعليك بالموسى، وأما ما تأكله من الطيبات فينزل خبيثا، فكل خبيثا ينزل طيبا، وأما ما تراه من الظلمة في جوفك فعليك بفانوس تعلقه على باب بدنك حتى يضيء لك جوفك.
فضحك الناس عليه وانصرف الرجل خجولا.
قصة ثوب المعرفة
من المعروف أن التمييز بين الأشياء يكون بالاختلاف بينها في عناصر جوهرية، وليس في أشياء عارضة قد تزول أو تتغير، فمثلا الفرق بين الفيل والحمار الوحشي أن الفيل له خرطوم طويل والحمار مخطط اللون. ولكن جحا يميز بين الأشياء بعناصر غريبة، فمثلا عنده الفرق بين الرجل والمرأة هو في الثياب، فالرجل عنده لا بد أن يكون لابسا عمامة وعباءة، أما المرأة فتلبس جلبابا وخمارا. فإذا لبس الرجل لباسا غير ذلك فلن يعرفه جحا.
ويدلنا على هذا ما حكي أنه كان يوما في بلد سياحي، فقيل له: إن سائحين أتوا حديثا من بلاد الغرب، وإن أهل تلك البلاد يظلون عراة، ولا يلبسون إلا ما يستر عورتهم فقط.
فتعجب جحا من هذا الأمر، وقال في دهشة: عجبا! وكيف تعرف الرجال من النساء؟!
قصة الجواب الكافي
كان تيمورلنك حاكما ظالما، يعتدي على الناس، فيأخذ منهم الأراضي والأموال والمواشي، ولا يحكم بينهم بالعدل ولا بالسوية، ويكثر من إيذائهم وتعذيبهم. فكان الناس يتقون شره ويبتعدون عنه، إلا أن جحا كان له عند تيمورلنك منزلة عظيمة، فكان يقربه ويدنيه منه، ويسامره كثيرا، ويعجب بذكائه وظرفه. وكثيرا ما يعفو عنه رغم أنه قد يواجهه أحيانا بظلمه وعيوبه.
ومما يحكى أن جحا كان في مجلس تيمورلنك يوما، وفي المجلس حاشية الملك، فجاء خبر إلى الملك بأن عشرة من نساء المدينة ولدن في نفس الوقت، وكلهم قد أنجبوا ذكورا، فاستبشر الحاضرون بذلك، وأراد تيمورلنك أن يسمع من جحا شيئا، فسأله: يا جحا إلى متى يلد الناس؟
فأجاب جحا على الفور: إلى أن تمتلئ الجنة بأمثالي، وتمتلئ النار بأمثالك.
فتعجب الحاضرون من جرأة جحا، وظنوا أن تيمورلنك سيوقع به العقاب، إلا أن تيمورلنك ابتسم، وقال له: لعل الله أن يتوب علي.
قصة طول الأرض
كان جحا يوما جالسا في المسجد، وقد جمع حوله بعض الناس يعظهم ويرشدهم، ويحكي لهم طرائف ونوادر عجيبة كلها عظات وعبر. وقد اندهش الناس من كلامه، وأعجبوا به إعجابا شديدا، حتى رفعوه مكانا عليا، ولقبوه بأعلم أهل الأرض في زمانه.
وانتهز أحدهم هذه الفرصة، وقال له: يا شيخنا الجليل، أنت عالمنا، وعندنا مشكلة نرجو أن نجد لها حلا عندك.
فسأله في ثقة: وهذه المشكلة خاصة بك وحدك أم بالمجتمع والناس؟
فقال: بل هي مشكلة عامة.
فقال جحا: طالما أنها مشكلة عامة لابد أن أجد لكم حلا، فما هي مشكلتكم؟
فقالوا: الدنيا.
فقال: ما لها؟
قالوا: كم ذراعا؟
فقال على الفور: عشرة آلاف ذراع.
فقالوا: وكيف علمت ذلك؟
فقال: إن كنتم تشكون في كلامي فقيسوا أنتم.
فقالوا: لا نشك في كلامك يا شيخنا، واقتنع الجميع بذلك.
قصة قطع الماء
في يوم من أيام الصيف، كان جحا يوما في بيته، وشعر بالحر الشديد، فقد كان الجو ملتهبا، فما كان من جحا إلا أن أحضر خرطوم ماء، ووضعه في الحنفية، وراح يرش الماء بالخرطوم في الشارع أمام بيته.
وأثناء ذلك، مر رجل على جحا وهو يرش الماء، فعندما رأى جحا الرجل حبس الماء في الخرطوم، فظن الرجل أنه حبس الماء حتى لا يأتي عليه شيء من قطرات الماء. فلما صار أمام جحا قال له: شكرا يا جحا أنك حبست الماء حتى لا أغرق.
فقال جحا: أظننت أني حبست الماء حتى لا يأتي عليك منه شيء؟!
فقال الرجل: إذن، فلم حبسته؟
قال: لأني خشيت أن تمسك الماء بيدك وتسحبني منه كالخيط فتوقعني على الأرض.
قصة أخطاء جحا
كان جحا قد عمل قاضيا مدة من الزمن، كما كان يعمل بالتجارة، وكذلك كان كثيرا ما يعظ الناس في المساجد ويرشدهم إلى خير الدنيا والآخرة.
وتصادف أن سافر يوما مع قاض وتاجر، وكان هذا القاضي مغرورا، متكبرا، كما كان هذا التاجر جشعا طماعا، وكانا يسخران من جحا، فيقول القاضي للتاجر: ما لهذا الأبله بالقضاء، إنه لا يعرف شيئا، ولا يفقه في دينه أمرا.
وكذلك كان التاجر يقول للقاضي: نعم، وما له أيضا والتجارة، إنه لا يعرف أصولها، إنه إذا تاجر في الذهب لتحول معه إلى تراب.
ثم أرادا أن يظهرا جهله ويسخرا منه، فقال له القاضي: يا شيخ جحا، من كثر لغطه كثر غلطه، فهل غلطت يوما وأنت تعظ الناس؟
ففهم جحا ما يريدان، فقال في بداهة: نعم، صادف مرة أني قلت قاض في النار، بدلا من قاضيين، ومرة أخرى أخطأت فقلت: إن التجار لفي جحيم بدلا من الفجار.
فأخجل جحا الاثنين، وسكتا طوال الرحلة.
قصة جحا شاعرا
اعتزل جحا الناس عدة أيام يقرأ في فن الشعر، وفن العروض والأوزان الشعرية، ويحفظ من شعر المناسبات. وبعد أيام خرج على الناس وهو يقول لهم: إن هاتفا من الجن أتاني ليلة البارحة، وقال لي: يا جحا، أنا هاتف الجن الذي علمت كبار الشعراء ما يقولون. أنا الذي أوحيت إلى المتنبي بكل ما مدح به سيف الدولة. وألهمت أبا تمام بكل شعر الحماسة. وعلمت أبا نواس ما قاله في الخمر. وأنطقت أبا العتاهية بما قال من شعر في الزهد. وقد علمتك الشعر.
فطلب أحد الحاضرين من جحا أن يقول لهم قصيدة عن حب الأبناء، ولم يكن يحفظ من ذلك شيئا، فقال: سآتيكم بها غدا.
وبدأ جحا يبحث في الكتب حتى وجد قصيدة عن ذلك، فراح يحفظها فوق السطح وهو يروح ويجيء، فزلقت رجلاه فسقط، فاجتمع الناس حوله يسألونه عما حدث، فقال لهم: لا تسل عن حال من تنظره يعرف الساقط ما مخبره
فضحكوا عليه وتركوه يبكي وانصرفوا.
قصة العرق الأسود
هل يتغير لون العرق بلون البشرة التي تعرق؟ بمعنى إذا كان الإنسان أبيض اللون يكون عرقه أبيض مثل لون بشرته، وإذا كانت بشرته حمراء يكون عرقه أحمر، وإذا كانت سوداء يكون عرقه أسود، وهكذا. أم أن لون العرق واحد دائما؟ المعروف أن لون العرق واحد في كل الحالات مهما اختلفت البشرة. ولكن جحا رأى غير ذلك.
فقد كان يوما مرتديا ثوبا أبيض، فذهب به إلى إحدى الحفلات الكبيرة، وجلس على منصة يلقي درسا للحاضرين. فلاحظ الناس أن على ثوبه بقعة حبر سوداء، فسألوه عن ذلك.
فقال: لا أدري من أين جاء هذا السواد، وأظنه ليس حبرا كما تقولون، ولكني أتذكر أن تلميذي حمادا الحبشي جاءني أمس عرقانا، فقبل يدي فأظن أن هذه نقطة من عرقه.
فضحك القوم من ذكائه وجوابه ذلك، لأنهم يعلمون أن عرق البشرة السوداء لا يختلف عن عرق البشرة البيضاء في كل حال من الأحوال.
قصة التخصص
جحا رجل يحب التخصص أحيانا، وذلك عندما يحتاج إلى هذا، أما في الغالب فجحا ينكر التخصص، ويدخل في كل شيء، فهو واعظ حين يحتاج أن يكون واعظا، وفيلسوف عندما يحتاج أن يكون فيلسوفا، وفلاح، وتاجر، ومغن، وشاعر. ولكنه في هذه المرة قد آمن بالتخصص، وابتعد أن يدخل في شيء غير تخصصه، فقد كان في السوق يوما، يتاجر في بيع المواشي وشرائها، فاقترب منه أحد الناس، وسأله: في أي يوم من الشهر نحن؟
ويبدو أن جحا كان مشغولا جدا في البيع والشراء، فنظر إلى الرجل، وقال له: أنا تاجر مواشي لست تاجر أيام وشهور حتى أجيبك عن سؤالك هذا، ولكن اذهب لمن يتاجر في هذا الأمر فاسأله عن ذلك فهو يجيبك، وتعلموا دائما أن تسألوا كل متخصص في الشيء الذي قد تخصص فيه.
قصة والد ابني
جحا صاحب الأجوبة المحيرة، التي تثير الدهشة والعجب، وتحتاج إلى تفكير طويل، وقد تكون هذه الأجوبة في كثير من الأحيان غير منطقية، وخارجة عن المألوف والعادة، بل قد تكون غير معقولة في كثير من الأحيان. ولكن هذه هي أجوبة جحا، الذي اشتهر بخفة دمه ومزاحه.
ومن هذه الأجوبة غير المنطقية ما نجده عندما ذهب إلى حفل كبير وهو يرتدي ثيابا سوداء جديدة، ويسير فيها متبخترا، فتقدم منه أحد المدعوين في الحفل وهو يستنكر هذا اللباس الأسود في هذا الحفل البهيج، وقال له: يا جحا، كيف تأتي إلى هذا الحفل الجميل بهذه الثياب السوداء؟ هل أصابتك مصيبة، أو حدث لك مكروه لبست السواد من أجله؟
فقال له جحا: نعم، لقد أصبت بوفاة والد ابني.
ثم ترك الرجل وانصرف، فأخذ الرجل يفكر، ويقول لنفسه في دهشة: من والد ابنه هذا؟!
قصة لا علاقة لي بالدنيا
كان جحا في زيارة المقابر يوما، فخلع قميصه، وجلس بين المقابر يتفلى، فاتفق أن هبت ريح شديدة، فطار القميص من بين يديه، فقام يجري خلفه عاريا، فتارة يركض وتارة يقع. وإذا بفرسان يسيرون في طريق المقابر، فخافوا من هذا الشخص العجيب الذي رأوه يقفز في المقبرة، وجفلت خيولهم حتى كادت أن تسقطهم من عليها، فأرادوا أن ينتقموا منه على ما نالهم من الفزع، وهجموا عليه، وقالوا له: ماذا تصنع أيها الرجل هنا؟
فأجابهم: أنا من أهل القبور يا أولادي، وقد تركت لكم الدنيا بتاتا، وخرجت من قبري لنقض وضوئي، وسوف أتوضأ وأعود إلى قبري سريعا، إذا لا علاقة لي بالدنيا وبما فيها.
فضحك الفرسان على قوله ذلك، وذهب عنهم ما كانوا فيه من الغضب عليه وعفوا عنه، وتركوه يتابع قميصه حتى لحق به جحا، ولبسه. ثم أسرع إلى بيته وهو يحمد الله أن نجاه من هؤلاء الفرسان.
قصة الخروج من القبر
كان جحا يتمشى يوما في القبور، فزلت قدمه في قبر قديم، فوقع فيه، فقام وقد تعفرت ثيابه، وغطاه التراب.
وأثناء ذلك كان ثلاثة من الرجال يجرون بعض الحمير، وكان فوق ظهر الحمير أحمال زجاجية ثمينة، فاقتربت الحمير من ذلك القبر أثناء خروج جحا منه، فلما رأته الحمير خافت وهرولت فتكسرت الأحمال الزجاجية، فهجم عليه أصحابها، وقالوا له: من أنت؟ وما تفعل هنا؟
فأراد جحا أن يسخر بهم، ويفلت منهم، فقال: أنا من أهل الآخرة، وأتيت لأشاهد الدنيا.
فأحسوا أنه استهزاء بعقولهم. فقالوا له: إذن قف لنريك كيف تكون النزهة. ثم حملوا عليه ضربا ولكما حتى شجوا رأسه، وأدموا وجهه وجسمه، وتركوه على هذه الحالة لا يعي من الدنيا شيئا.
قصة قيامة جحا
كثير من الناس يسأل: متى تقوم الساعة؟ ويلح في معرفة هذا السؤال، ويلهث وراء معرفة العلامات الصغرى والعلامات الكبرى. وقد تعرض جحا لهذا السؤال يوما، فقد كان واعظا في إحدى القرى، فذهب ذات يوم إلى مسجد القرية، وجلس يعظ الناس، فقال كلاما جميلا، ووعظ وأرشد الحاضرين وعظا وإرشادا مفيدا، فأعجب الناس به إعجابا عظيما، وأشادوا بمدى علمه الغزير، واتساع معرفته الدينية، فانتهز أحدهم هذه الفرصة، وسأله قائلا: يا جحا، متى تقوم الساعة؟
فسكت جحا قليلا، فهو يعلم أن السائل إما أن يريد الجدال أو التعجيز، فقال له ساخرا: وأية قيامة تعني؟
فتعجب الرجل، وقال: وهل القيامة متعددة يا جحا؟
فقال جحا: نعم، إذا ماتت امرأتي فتلك القيامة الصغرى، وإذا مت أنا فتلك القيامة الكبرى.
قصة الأصدقاء الثلاثة
كان جحا صديقا لاثنين، وكان أحدهما طفيليا إلى درجة كبيرة، وذات ليلة كان الأصدقاء الثلاثة في بيت الطفيلي فشعروا بالجوع الشديد، فقال جحا: سوف أذهب إلى بيتي أحضر منه بعض الخبز الجاف.
وقال الثاني: سوف أذهب أحضر بعض اللبن في إناء.
بينما قال الطفيلي: وأنا سوف أنتظركم هنا، وعندما تأتون سوف أقوم بإعداد الطعام.
وذهب جحا فأحضر الخبز، بينما أحضر الثاني اللبن، فلما جلسوا، طلب الطفيلي من جحا أن يضع اللبن على النار، فاستحى جحا، وقام، فوضع اللبن على النار، ثم أتى به، فوضعه أمامهم، فكان جحا وزميله الثاني يهشمان الخبز في اللبن، وهما مشغولان في الحديث، بينما يتناول الثالث ما هشماه رغما عن إنذارهما له، فلما فعل ذلك مرارا غضب جحا، وأخذ المغرفة، وضربه بها على رأسه فاصفر وجه الطفيلي، وأغمي عليه، فلما رآه جحا كالأموات تعجب وقال: هو لا يهتم، ولا يرفع يده من الصحن، وإذا ضربته بالمغرفة يتماوت!
قصة الصندوق الذهبي
كان جحا يحرث أرضه، فعثر على صندوق ذهبي، ففتحه فلم يجد فيه شيئا، إلا أن الصندوق نفسه كان تحفة ذهبية رائعة، ففكر أن يهديه للسلطان لعله يكافئه على ذلك، فوضعه في جراب وذهب إلى البيت، فاغتسل ولبس أحسن الثياب، وأثناء غسله فتحت زوجته الجراب فرأت الصندوق، فأخذته ووضعت مكانه حجرا، وخرج جحا فأخذ الجراب وذهب إلى السلطان، وأخبره بأن معه هدية عظيمة، فقال الحاضرون: أفرغ هديتك.
فأفرغها، فإذا به حجر، فحكم عليه القاضي بأن يصفعه كل واحد من الحاضرين على وجهه صفعة واحدة فتحمل جحا الضرب، ثم عاد إلى بيته فرأى الصندوق، فضرب زوجته عدد ما أخذ من الصفع على وجهها، ثم عاد للسلطان بالجراب، فقال له: ماذا نحكم إذا كان الحجر قد تحول إلى صندوق ذهبي؟
فقال السلطان ساخرا: أن تصفع كل من صفعك صفعتين.
فأخرج الصندوق، ثم صفع السلطان صفعتين، ثم صفع كل من صفعه على وجهه صفعتين.
قصة مرعى في الماء
قد يتوهم الإنسان شيئا قريب المنال، أو يمكن تحقيقه ذات يوم. كأن يرى الإنسان قطعة كبيرة مستوية في الصحراء، فيأمل أن تكون هذه الأرض يوما ما مزرعة للدواجن، أو مصنعا. أو يزيد أمله فيفكر أن تكون يوما حديقة جميلة إذا وصل إليها الماء والكهرباء. ولكن جحا يتوهم أشياء بعيدة جدا.
فقد خرج من بلده “آق شهر” مع أصدقاء له من بلدة تسمى سيوري حصار، ولم يكن جحا قد ذهب إلى هذه البلدة قط، ولكن أصدقاءه أصروا أن يأخذوه لزيارة بلدتهم، فلما وصل إلى البلدة، أعجب بطيب هوائها، وجمال منظرها، ولكنه لم يجد فيها مكانا لرعي الأغنام، فسألهم: أليس عندكم مكان لرعي الأغنام؟
فقالوا: لا.
فراح يفكر كيف يجعل لهم مكانا للرعي، فمروا على بحيرة سيوري حصار، وكانت بحيرة كبيرة، فلما رآها جحا قال: انظروا ما أحسن هذا المرعى لهذه البلدة ولكن ما الفائدة وقد ملأه الماء.
قصة الأجل البعيد
كان جحا جالسا في نافذة داره، فرأى رجلا له عليه دين قديم، فلم يشك أنه آت من أجله، فقال لامرأته: قومي إلى الباب وقولي له ما يخطر لك ليذهب عني.
فنزلت إلى الباب ونزل خلفها جحا، فلما طرق الرجل الباب، فتحت له فتحة صغيرة، وقالت له: من أنت؟
فقال: أنا صاحب الدين، وقد تجاوز عملكم حد العيب، فقولي لزوجك أن يحضر لأكلمه.
فقالت له: أنا لا أشك أنك محق في شكواك، وخذ مني وعدا جازما بأننا سنوفيك دينك، لأننا اكتشفنا وسيلة جديدة للرزق.
فقال: وهل تطول المدة؟
فقالت: لا، فإن قطعان غنم القرية بدأت تمر من أمام بيتنا، وبمرورها يقع صوف كثير منها فنجمعه ونغزله ونجعله خيوطا ونبيعها ونؤدي إليك مطلوبك ولا نأكل حق أحد.
فضحك الرجل بعد أن كان عابس الوجه بسبب هذه الوسيلة الغريبة، فلما سمع جحا قهقهته مد عنقه من الباب وقال له: آه منك أيها المهذار، تضحك الآن بعد أن اطمأننت على الوفاء بدينك.
قصة شمع وأطفال
كانت زوجة جحا حاملا في شهرها الأخير. وذات ليلة، وفي وقت السحر شعرت المرأة أنها على وشك الولادة، فأيقظت زوجها فقام ونادى على جارة له، فجاءت الجارة. ودخلت على زوجة جحا، وطلبت منه أن يضيء شمعة. فقام جحا وأضاء الشمعة، وبدأت زوجته تلد.
وبعد مدة قليلة، وضعت الزوجة مولودا، فابتهج الجميع، وانتشر الفرح، وقالت جارة جحا: هيا أحضر شمعة أخرى، وأشعلها ابتهاجا بالمولود السعيد.
فأحضر جحا شمعة ثانية، وأضاءها. وما هي إلا لحظات حتى وضعت زوجته مولودا آخر، فزاد الفرح والسرور، وقالت له جارته: هيا أحضر شمعة ابتهاجا بالمولود الثاني.
فقام وأحضر شمعة، فأشعلها. وما إن أضاءت حتى توجعت زوجته كأنها تريد أن تضع مولودا ثالثا، فأسرع جحا إلى الشمع، فأطفأه كله، فغضبت جارته، وقالت له: لماذا فعلت ذلك؟
فقال: يا سيدتي، لو أن الشمع دام لرأينا هجوما من الأطفال لا يرام.
قصة كما تدين تدان
طلب جحا من جاره مقدارا من الزيت، فأخذ الرجل الزجاجة ووضع فيها ماء أصفر وجعل فوقه قليلا من الزيت، وبعث به إلى جحا، وكانت زوجة جحا قد وضعت المقلاة على النار، فلما صبت ما في الزجاجة في المقلاة أخذت تفرقع، فانتبه جحا إلى ما فعله جاره.
وبعد أيام ذهب جحا إلى جاره وطلب منه أن يذهب معه إلى السوق لشراء خروف يذبحه، فقال له جاره: وهل أنا مدعو لهذه الوليمة؟
فقال جحا: نعم.
فذهبا إلى السوق، واشترى جحا الخروف، وقال لجاره: تأت الليلة لتأكل من هذا الخروف.
ثم ذهب إلى البيت، وجاء بقدر فيه ماء ووضعه على النار، ووضع فيه كمية كبيرة من الملح، وعلى وجهه بعض الزيت حتى يبدو الماء كأنه مرق، فلما جاء الليل حضر جاره، فأدخله الحجرة، ثم قدم له إناء من هذا الماء، وقال له: اشرب أولا مرق الخروف.
فشرب جاره، فإذا به يكاد أن يغشى عليه من ملوحة الماء، فقال: ما هذا؟
فقال جحا: هذا مرق الزيت الذي أرسلته منذ أيام، وكما تدين تدان.
قصة ريح ورائحة
في بعض المدن بعد خروج الريح من إنسان في وسط مجموعة من الناس أمرا عاديا، ليس فيه لوم ولا عتاب. ولكن الفطرة السليمة ترفض هذا الأمر وتأباه، ويعد خروج الريح من شخص في وسط المجلس أمرا معيبا، يشين صاحبه، ويوقعه في كثير من الحرج والخجل. وذلك لما في الريح من صوت غير مرغوب فيه، كما أنه إذا لم يحمل هذا الصوت فلا أقل من أنه يحمل رائحة كريهة لا يقبلها أنف إنسان.
وقد وقع أحد الناس في هذا الأمر أمام جحا يوما، فقد كان جحا في بيته، وأراد أن يصلح بابا وشباكا في البيت، فذهب فاستدعى النجار، فجاء النجار وبدأ العمل في الباب والشباك. وأثناء العمل خرج من الرجل صوت ريح، فخجل الرجل خجلا شديدا، وراح يضرب الخشب بيده ورجله، في محاولة منه كي يخفي الصوت الذي خرج على أنه صوت الخشب، فإذا بجحا يقول له: يا سيدي هون عليك، فإنك إذا أخفيت الصوت فماذا تفعل بالرائحة؟!
قصة عمر النساء
إذا سألت امرأة عن عمرها فإنها لا تذكر عمرها الحقيقي فإن كانت تزيد عن الخمسين عاما ذكرت أن عمرها أربعون سنة، وإن كانت تزيد عن الثلاثين ادعت أن عمرها لا يزيد عن العشرين. وتجادل أشد مجادلة من يواجهها بحقيقة عمرها، وقد تعتدي عليه.
وكان جحا يعلم هذه الحقيقة، فقد جاءه رجل يرتبك بشدة، وقال له: لقد تشاجرت امرأتي وأختها، وكادتا أن تخنقا بعضهما، فأرجو أن تحضر لعلك تتخذ وسيلة لإصلاح ذات البين بينهما.
فقال له جحا: هل تشاجرتا من أجل العمر؟
فقال الرجل: كلا يا سيدي، لم تبحثا عن الأعمار، إنما المشاجرة لشيء آخر.
فقال جحا: إذا عد إلى البيت، فلا لزوم لارتباكك، فربما تكونان قد تصالحتا الآن.
قصة جحا والرياح
كان لجحا صديق عزيز عليه، يحبه حبا شديدا، ويصاحبه مصاحبة دائمة في كل مكان، فأراد جحا أن يسافر يوما إلى بلدة أخرى، وذلك لأنه كان في حاجة إلى تغيير المكان، ولأنه كان يشعر ببعض المرض والتعب في معدته، وقد وصف له الأطباء تغير هواء البلدة، كما أوصوه أن يكثر من أكل الدقيق الممزوج بالسكر.
فجهز جحا جمله، ووضع كمية من الدقيق الممزوج بالسكر في حقيبة، وذهب إلى صديقه يطلب منه أن يرافقه في هذه الرحلة، فأعد صديقه جملا له، وخرجا معا.
وأثناء الطريق، شعر جحا بالجوع، فمد يده ليخرج بعض الدقيق الممزوج بالسكر، وكان هذا اليوم يوما عاصفا شديد الريح، فكلما وضع جحا يده وأخذ كمية من الدقيق وقربه إلى فمه تطاير ولا يدخل فمه شيء منه، وتكرر هذا الأمر مرات عديدة، وصديقه يلاحظ هذا، فسأله: ماذا تأكل؟
فأجابه جحا: ما دامت الحال على ما ترى فلا شيء.
قصة شجرة الموز
الإنسان يحاول أن يحافظ على ماله بشتى الطرق، فإذا كان المال نقودا حفظه في خزانة في البيت، وأحكم أقفالها جيدا. وإذا كان المال المراد حفظه شيئا غير النقود فإن له طرقا أخرى للحفاظ عليه، فمثلا إذا كان أرضا زراعية حافظ الإنسان عليها بأن جعل فيها كلبا للحراسة، وإن كان مصنعا جعل فيه خفيرا.
ولكن الأمر عند جحا يختلف. فكل مال عند جحا يجب أن يحفظه صاحبه في بيته، مهما كان نوع هذا المال، لذلك كان عنده بستان، فأراد أن يزرع فيه شجرة موز، فكان في الصباح يذهب إلى البستان ويزرع شجرة الموز، ويجلس بجانبها، فإذا جن الليل ومالت الشمس إلى الغروب، قلع الشجرة وأخذها إلى البيت، فلاحظ الناس ذلك، فسألوه عن سبب ما يفعله.
فقال: يا أولادي الدنيا خربت، فيلزم على كل إنسان أن يجعل ماله تحت رأسه، فمن يعلم ماذا يحدث؟
قصة جحا في الحمام
دخل يوما إلى دورة المياه بأحد الجوامع، وذلك لأنه شعر بحاجة شديدة إلى التبول، فأسرع بالدخول إلى المرحاض وراح يبول واقفا. وكانت حنفية المرحاض آنذاك مفتوحة، والماء نازل منها على الأرض. ونظر جحا إلى الماء النازل من الحنفية فظن أن هذا الماء هو بوله، فظل واقفا مدة طويلة، على أمل أن ينتهي هذا الماء، ولكن الزمن طال جدا.
وبعد مدة طويلة، اكتشف جحا أن هذا الماء نازل من الحنفية، فأغلقها، فانقطع الماء، فخرج من المرحاض، فإذا به يجد رجلا منتظرا المرحاض، وقد ظهر الغضب على وجهه.
فقال لجحا: كأنك نمت يا هذا!
فأجابه جحا: لم يكن بولي قد انتهى بعد.
قصة حافظ الأسرار
الناس يحبون من يحفظ أسرارهم ويتقربون منه، ويستأمنوه على أخص ما في حياتهم من أسرار هامة وأمور عظيمة، ولكنهم ينفرون من الإنسان الذي يفشي الأسرار، ولا يحفظها، فلا يحبون الجلوس معه، ولا يصاحبوه، ولا يصادقوه، بل يفرون منه فرارهم من المجذوم، أو من الوحش المفترس.
وكان الناس في قرية جحا يتصفون بصفة إفشاء الأسرار، وقلما تجد منهم أحدا يحفظ سرا، فضاق الناس في القرية بهذا الأمر، وتمنوا لو وجدوا رجلا واحدا يمكن أن يأتمنوه على أسرارهم، فذهبوا إلى جحا في بيته، وجلسوا معه يتسامرون، ثم قالوا له أثناء المجلس: هل تعرف أحدا يحفظ الأسرار في البلدة؟
فأراد جحا أن ينبههم أنه هو الذي يحفظ الأسرار، ولكن لم يشأ أن يقول ذلك صراحة، فلمح به قائلا: حيث إني علمت بأن صدور الخلق ليست بمستودع، فلم أبح بسري لأحد حتى الآن.
قصة إناء العسل
كان جحا يبيع العسل في السوق، فجاء غني متبخترا، وسأل: هل عسلك حلو وجيد؟
رد جحا عليه ببرود: هل يوجد عسل غير حلو؟
فقال: ربما يكون مغشوشا؟
فقال جحا: إذا لم تصدق فاشتر وذق منه لكي تعرف.
فسأله الغني: هل يمكنني أن أشتري إناء منه؟
فقال جحا: طبعا، يمكنك أن تشتري ما تشاء.
فقال الغني: إذن هات وعاء عسل.
فتناول جحا أحد الأواني وغرف له فيه عسلا، ثم ناوله للغني، فأخذه وهم بالانصراف، فخطا جحا خلفه خطوة وأمسك به من حزامه وقال له: هات الثمن.
فقال له الغني: ألم أعطك عشرة دراهم؟!
ففهم جحا أنه يريد أن يخدعه، فسكت قليلا، وفي لمح البصر خطف منه الإناء، وصب العسل مرة ثانية في الخابية، وقال له: خذه واذهب بسرعة، ألم أعطك فيه عسلا مقابل العشرة دراهم؟ وتجمع الناس حولهما، فوجدوا أثر العسل في الإناء الذي مع الرجل فصدقوا جحا وضربوا الرجل، وطردوه من السوق.
قصة بطيخ جحا
خرج جحا يوما للاحتطاب في الجبل، وأخذ معه بضع بطيخات، يروي بها عطشه في ذلك الجبل الذي لا ماء فيه ولا غذاء.
وراح جحا يسير في الجبل. وكان كلما أصابه العطش يكسر بطيخة، فيأكل منها قطعة صغيرة ثم يرميها على مزبلة كانت هناك بحجة أنها غير ناضجة.
وظل على ذلك حتى أتى على جميع ما معه من البطيخ على هذه الصورة، يأكل قسما قليلا ويرمي بالباقي على المزبلة.
ولما اشتدت حرارة الشمس نصف النهار أحس بعطش شديد، فلم ير بدا من العودة إلى بقايا البطيخ المطروحة بين الأقذار، فتناولها قطعة قطعة وهو يقول لنفسه: هذه ما زالت نظيفة، وهذه لم يصبها شيء. وظل هكذا حتى أكل جميع البطيخ الذي رمى به من قبل في المزبلة.
شارك برأيك
ما أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!