قصة نبع الفرس

تابع "قصة نبع الفرس" وتعرف على مغامرات أحمد وفرسه الأغر في رحلة مليئة بالتحديات والقيم النبيلة، لتعزيز فهم الأطفال للقيم الإنسانية.
عناصر القصة (جدول المحتويات)

في قديم الزمان، كان جاسر، الابن الأصغر لشيخ قبيلة بني حردان، يلعب مع رفاقه بالقرب من نبع الفرس. بينما كان يروي ظمأه بالماء، اقترب خيال مع جواده الذي شرب من النبع ونخر في وجه جاسر، مما أغضبه وجعله يطلب من والده هدم حوض الماء. بدلاً من ذلك، قرر والده أن يحكي له حكاية نبع الفرس.

كان هناك فتى يدعى أحمد يعيش مع قبيلة بني حردان في البادية، يعتني بقطيعه من الماشية. كان يحب الطبيعة والحيوانات وكان يعزف على ربابته في أوقات الراحة. في يوم من الأيام، وجد أحمد مهراً جريحاً فضي اللون، فاعتنى به وسمّاه الأغر. مع مرور الوقت، أصبح الأغر فرساً قوياً ورشيقاً، وصار أحمد يأخذه معه إلى البادية كل يوم.

رغب بنو حردان أن يشارك أحمد بفرسه في سوق أذينة، وهي مسابقة تجمع القبائل للتنافس في الفروسية والشعر والرقص. على الرغم من خوف أحمد على فرسه، وافق على المشاركة. في يوم السباق، سخر الرجال من ملابس أحمد البسيطة، لكنه فاجأ الجميع بفوزه الساحق على فرسه الأغر، وأدهش الحضور بمهارته.

لكن في وسط فرحة النصر، ادعى أحد الأمراء أن الأغر هو فرسه الذي فقده قبل سنوات. أمر الشيوخ بأن يعيد أحمد الفرس للأمير، مما أصاب أحمد بصدمة وحزن عميق. في محاولته لاستعادة فرسه، تسلل أحمد إلى قصر الأمير ليلاً، لكنه أُمسك وضُرب حتى أُعيد إلى دياره مصاباً. شفى أحمد جسدياً، لكنه ظل حزيناً وفاقداً للأمل.

دعا الأمير القبائل للاحتفال بامتلاك الفرس الأغر، ولكن أثناء العرض، قفز الفرس فوق سور القصر، مصيباً نفسه بجروح. لاحقه رجال الأمير حتى وصل إلى مشارف ديار بني حردان. في لحظة شجاعة، قفز الفرس من فوق الجرف الصخري، متسبباً في إصاباته القاتلة. ركض أحمد إلى مكان سقوط فرسه، وظل بجانبه يبكي حتى وفاته.

بعد مرور عام، تفجر ينبوع ماء في المكان الذي سقط فيه الفرس، وسمي “نبع الفرس”. هذا النبع حول أرض بني حردان إلى واحة خضراء وجعلهم قبيلة غنية. من تلك اللحظة، شعر أحمد بأن فرسه عاد إليه بطريقة ما، وعاد الفرح إلى قلبه.

انتهى شيخ القبيلة من حكايته لجاسر، الذي بكى تأثراً، وتعلم درساً عن الوفاء والشجاعة من قصة فرس أحمد الأغر. تذكر يا بني، أن الفارس الحق، إذا وصل إلى ماء سقى فرسه قبل أن يشرب.

قصة نبع الفرس مكتوبة

كان جاسير، الإبن الأصغر لشيخ قبيلة بني حردان، يلعب مع رفاقه في موضع قريب من نبع الفرس. أحس بالعطش، فجرى إلى النبع يروي ظمأه. مد يديه وغسلهما ثم راح يتلقى الماء براحتيه ويشرب.

في هذه الأثناء وصل خيال إلى النبع، فمد الجواد عنقه إلى الحوض الذي يتجمع عنده ماء النبع وتشرب منه الخيل. وبعد أن شرب رفع رأسه وأصدر نخرة عظيمة فتطاير رشاش من منخريه وملأ وجه الفتى. غضب جاسر، ابن شيخ القبيلة، وجرى إلى أبيه، وقال له: “يا أبي، عند نبع الفرس نخر جواد في وجهي وقد ضحك رفاقي كثيرا. أرجوك أن تهدم حوض الماء الذي تستقي منه الخيل!”

لاطف شيخ القبيلة ابنه الصغير، وقال له: “يا بني، سأحكي لك حكاية قديمة يتناقلها الناس منذ زمن بعيد. بعد أن تسمع الحكاية ستفهم موضوع الحوض.” وإليك الحكاية التي رواها شيخ القبيلة لابنه الصغير:

حكاية بنو حردان

يحكى أنه في قديم الزمان كان لقبيلة عربية كبيرة جاه وسلطان. لكن، ذات يوم، اضطربت الحال بين أبناء القبيلة الواحدة، وتطور الأمر مع الأيام إلى نفور وخصام. ولم يحتمل سيد من سادة تلك القبيلة ما نشب من خلاف بينه وبين بني عمه، فحرد وجمع أفراد أسرته العديدين وقطعان ماشيته، وضرب في البادية بحثًا عن مكان يستقل به. ومنذ ذلك اليوم عرف أبناء تلك الجماعة ببني حردان.

ظلت الجماعة تتنقل في البادية من مكان إلى آخر، إلى أن استقرت في موضع من الأرض تنبت فيه الأعشاب ويصلح لرعي الماشية. وقد نزل القوم في بقعة يحدها من أحد جوانبها جرف صخري عالٍ يسهل حمايتهم. وعند أسفل ذلك الجرف نصب بنو حردان خيامهم. عاش بنو حردان حياة شبه منعزلة عن سواهم من القبائل. فقد كانوا قلة يتجنبون الخصومات. وقد قنعوا بما تيسر لهم من عشب، ووجدوا في الجرف الصخري العالي جدارًا طبيعيًا يحمي ظهرهم، ويخفف من الرياح التي تعصف بالبادية أحيانًا.

حياة أحمد في البادية

كان يعيش في تلك الجماعة فتى وديع صادق اسمه أحمد. وكان أحمد يرعى قطيعا صغيرا من الماشية، فيستيقظ فجرا ويسوق أغنامه إلى البرية سعيا وراء الكلأ. وكان يعود مساء إلى ديار بني حردان وقد تملكه تعب شديد، فيأكل ما تعده له أمه من طعام وينام.

كان أحمد راضيا بحياته. فقد كان يحب ربوع البادية، ويأنس بحيوانها. وكانت الغزلان والطيور تقترب منه دون خوف، وتشاركه أحيانا طعامه. وكثيرا ما كان يلاعب الغزلان ويجري وراءها ويحلم أن يطارد مثلها الريح.

وكان إذا اشتد الحر يلجأ إلى ظل شجرة من أشجار البادية، ويخرج ربابته يعزف عليها ألحانه الهادئة. وكانت الحيوانات والطيور وحتى الرياح يخيم عليها عندئذ السكون، وكأنها كلها تنصت إلى عزفه الشجي.

المغامرة الجديدة

خرج أحمد ذات فجر، على عادته كل يوم، يسوق قطيعه إلى البرية. وبدت له الدنيا نظيفة طيبة الرائحة بعد أن هطلت على ذلك الجانب من البادية أمطار غزيرة مفاجئة. وقد شاء في ذلك اليوم المنعش أن يقصد مراعي جديدة، فسرح بقطيعه في وهاد وآكام.

فجأة بدا له أنه يرى في إحدى برك الماء التي شكلتها الأمطار مهرا يتحرك. لكنه سرعان ما أدرك أن المهر ليس في البركة، وإنما هو عند شجرة مطلة عليها.

كان المهر فضي اللون صغيرا جدا لا يزيد عمره على يومين أو ثلاثة أيام، وكان مرتميا عند طرف الشجرة ضعيفا لا يتحرك، وقد أصيب جنبه بجرح بالغ. التفت أحمد حوله فرأى آثار قوم كانوا مخيمين في تلك الأرض. وقدر أن أولئك ارتحلوا على عجل، ونسوا المهر. فأسرع إلى موقع مشرف، وراح ينظر منه في كل اتجاه وينادي. لكن لم يكن في البرية أحد يجيب نداءه.

سهر أحمد بجانب المهر

اعتنى أحمد بالمهر، فغسل جرحه وسقاه لبنا، ووقف يتأمل ذلك الحيوان الوديع بعطف ومحبة. ورأى في جبهته غرة بيضاء أشبه بسنان رمح، فأسماه الأغر. ظل طوال النهار يعتني بالمهر الفضي الصغير ويلاطفه. وأدرك عند المساء أنه تأخر كثيرا، وأنه بعيد جدا عن ديار بني حردان، فآثر أن يقضي ليله في البرية.

جمع أحمد كسر الأغصان الجافة وأشعل نارا وجلس يحرس قطيعه، وإلى جانبه المهر الفضي الأغر. أحس ليلاً بالنعاس، فأخرج ربابته وراح يعزف عليها ألحانه الشجية. رأى المهر يقترب منه متمسحا به، ورأى أذنيه تنتصبان وعينيه تبرقان. وسرعان ما اقتربت من هناك غزلان وأرانب، جذبتها ألحانه الشجية. ولكن في مكان غير بعيد، كانت عيون أخرى تراقب. فقد وقفت بعض الذئاب والضباع تنتظر الفرصة للانقضاض على القطيع. لمح أحمد تلك الحيوانات المفترسة، فأقام ليله يغذي النار ويراقب بحذر.

العودة إلى ديار بني حردان

عندما أطل الفجر حمل أحمد المهر الفضي، وساق قطيعه عائدا إلى ديار بني حردان. عند مشارف تلك الديار رأى نفرا من الفرسان قد خرجوا للبحث عنه. ظل أحمد أياما يلازم مهره. جلبت والدته بعض الأعشاب الطبية التي تجود بها البادية وساعدته في معالجة المهر الجريح. وسرعان ما أخذ المهر يتماثل للشفاء. وما هي إلا أيام حتى كان يجري حول خيمة أحمد.

لم يعد أحمد يفارق مهره الأغر بعد ذلك أبدا. صار يأخذه معه كل يوم إلى البادية. كان المهر يركض طوال النهار في الربوع الفسيحة، فيشتد عوده يوما بعد يوم. ولم يطل الوقت حتى أخذ أحمد يركب مهره الذي صار فرسا رشيقا قويا. كثيرا ما كان يدور في البراري على ظهر فرسه يقفز به ويطارد الريح. وكانت الغزلان والأرانب تقفز خلفه وكأنها تحاول أن تجاريه سرعة ورشاقة وقوة. كانت الشمس إذا أشرقت على ذلك الفرس الفضي ذي الغرة البيضاء، يتألق جسده تألق اللآلئ. فإذا أطل على مشارف بني حردان عرف الناس الفرس والفارس.

كان بنو حردان يعلمون أنه ليس بين خيول القبائل التي يعرفونها أو يسمعون أخبارها فرس يجاري الأغر سرعة ورشاقة وقوة. أرادوا أن يشارك أحمد في سوق أذينة، وهي سوق يجتمع فيها شيوخ القبائل وأمراء العرب كل عام، ويجلسون لمراقبة الرجال يتنافسون في ركوب الخيل، والمبارزة، ورقص البادية، وقول الشعر. كان بنو حردان يطمعون في أن يفوز أحمد في تلك السوق بمباراة الفروسية، فيعلو بين القبائل شأنهم. لكن أحمد كان يخاف على فرسه ويتمنى ألا يخرج به عن الربوع التي اعتاد عليها وألفها.

الاستعداد لسوق أذينة

مع ذلك فإنه لم يرد أن يخذل أهله من بني حردان، فوافق أخيرا على أن يشترك في سباق سوق أذينة. وفي صباح أحد الأيام لبس ثوب الراعي، وانضم إلى نفر من رجال قبيلته ممن كانوا يرغبون في متابعة أحداث السوق. ركب فرسه ومضى معهم بقلب مثقل. ظل طوال الطريق لا يكلم أحدا. كان ينحني بين حين وآخر على جواده فيهمس شيئا في أذنه ويربت على عنقه.

في سوق أذينة رأى أحمد خيمة كبيرة جدا يجتمع فيها الأمراء وشيوخ القبائل. نصبت تلك الخيمة في موقع مشرف من الأرض بحيث يرى المجتمعون فيها ما يجري من أحداث. عجب أحمد لذلك الجمع الغفير من الناس الذين أقبلوا من أماكن بعيدة يتبارون ويتفرجون. أدهشته ثيابهم الحريرية الفاخرة وسيوفهم المنقوشة.

علم أن مباراة الفروسية ستكون خاتمة المباريات. أما المنازلات الشعرية فكانت في رأس الأحداث. شهد جانبا من تلك المنازلات، ورأى الشعراء ينشدون شعرا حماسيا رنانا، فيهتف الأمراء والشيوخ استحسانا. أما هو فلم يحب ذلك الشعر. بعد المنازلات الشعرية شهد أحمد رقص البادية. أحب كثيرا رقصة السيوف، ورأى فيها رجولة وجلالا. فقد رفعت السيوف وراحت تبرق في أيدي الراقصين وكأنها صفحة من ماء متموج تتألق في أشعة الشمس.

يوم السباق

حل اليوم الذي يجري فيه سباق الفروسية. بدا الناس في ذلك اليوم أشد ما يكونون حماسة؛ فهم يعلمون أن ذلك السباق هو دائما قمة أحداث السوق. اصطف المتسابقون في مكان قريب من الخيمة وأخليت لهم الساحة كلها. وصل أحمد على فرسه الأغر، فنظر الرجال إلى ثيابه وضحكوا. قال واحد منهم: “أهذه الساحة للفرسان أم للرعيان؟”

اصطف أحمد مع الفرسان رافعا رأسه. ثم بدأ السباق، فانطلق على فرسه الفضي الأغر كأنه عاصفة أفلتت في البادية. طارت عباءته وراءه فبدا كأنه يركب فرسا مجنحا. وقف الأمراء والشيوخ والناس كلهم يتابعون بدهشة ذلك الفارس الطائر الذي لم يجد أحدا حوله يسابقه، فبدا كأنه يسابق نفسه. راحوا بين حين وآخر ينظرون بإشفاق إلى الخيول التي تخلفت عنه بمدى بعيد.

ترجل أحمد عن فرسه ووقف أمام الأمراء والشيوخ وقفة حياء. فأقبل عليه الأمراء والشيوخ يهنئونه ويسألونه عن نفسه. فجأة صاح أمير منهم بصوت عظيم: “أمسكوا الصبي! فهذا فرسي!”

المطالبة بالفرس

سكت الرجال كلهم، والتفتوا إلى صاحب ذلك الصوت، وكأنهم يسألونه إيضاحا لما يقول. شد الأمير عباءته الحريرية حول جسده واقترب من الفرس الفضي ووضع يده عليه، وقال: “كنت أظن أن مهري الفضي قد ضاع مني في البادية قبل عامين. أما الآن فإني أعلم أن هذا الراعي الصغير قد سرقه!”

اقترب شيخ وقور من الأمير، وقال له: “وكيف تعلم أن هذا الفرس هو مهرك الذي فقدته قبل عامين؟” أشار الأمير إلى الغرة البيضاء الشبيهة بسنان رمح، وقال: “عرفته من لونه الفضي الفريد ومن هذه الغرة!”

عرف عن ذلك الأمير الشراسة والغطرسة، لكن لم يعرف عنه يوما الكذب. فالتفت الناس إلى أحمد يسألونه أن يقول ما عنده. حكى أحمد قصة المهر الجريح الذي وجده في البادية، فداواه واعتنى به، ولازمه بعد ذلك حتى صار عنده أعز من روحه. روى كيف أنه عندما وجد ذلك المهر حاول أن ينبه أصحابه، لكن لم يجد أحدا في البرية يجيب نداءه.

أدرك الأمراء والشيوخ أن الفتى صادق، وأشفقوا عليه إشفاقا شديدا. لكن حكمهم كان قاسيا. فقد وقف شيخ منهم وقال: “أنقدت المهر وداويته واعتنيت به حتى صار فرسا سباقا. لكن ذلك كله لا يجعلك صاحبه. عليك أن ترد الفرس إلى صاحبه، وإذا شئت حكمنا أن يكافئك الأمير بما يعوض عليك ما تكلفته من جهد ومال!” وقف أحمد ذاهلا لا يصدق ما يسمع. ورأى الأمير ورجاله يشدون فرسه، فحاول أن يغفر إلى أعناقهم، لكنه أحس برأسه يدور وسقط أرضا مغشيا عليه.

إصابة أحمد وخسارته فرسه

عندما استيقظ من غشيته، رأى أنه كان لا يزال في موضعه بين الأمراء والشيوخ. لكن فرسه لم يكن هناك، ولا كان هناك الأمير الذي زعم أنه صاحبه. أمسك شيخ كيسا من المال وقدمه لأحمد. جفل أحمد، وأحس كأن ذلك الكيس ثعبانا يسعى إلى عنقه، فارتد إلى الوراء وراح يجري في ساحة السباق كالمجنون.

توجه أحمد إلى ديار الأمير. وتسلل ليلا إلى منزله المسور، وراح يتسلق السور بحذر. وعندما وضع يده على حافة السور العليا أحس بشيء يشق راحته. فقد كان السور مزروعا بكسر الزجاج. لكنه لم يتأوه، وتابع تسلقه، وقد سالت الدماء من يديه وأنحاء أخرى من جسده، حتى هبط في الجانب الآخر من السور.

محاولة استعادة الفرس

وقف لحظة يفكر في طريقة يعرف بها مكان فرسه. ثم خطا بضع خطوات. فجأة برز له من وراء بعض الأشجار رجال انهالوا عليه ضربا ورفسا حتى وقع أرضا بلا حراك. فحملوه، وهو بين الموت والحياة، ورموه خارج السور. حمل بعض الأهالي أحمد ونقلوه إلى ديار بني حردان. هناك داوته أمه بالأعشاب التي كانت قد داوت بها المهر الفضي الجريح قبل عامين. وقد شفي جسده بعد حين، لكنه كان كسير القلب لا يخرج من خيمته أبدا ولا يكلم أحدا.

أما الأمير فقد كان سعيدا جدا بالفرس الذي جاءه على غير انتظار. وأذاع في ديار القبائل أنه يملك فرسا لا يدانيه فرس في سرعته وقوته ورشاقته. ودعا أمراء العرب وشيوخهم إلى حفل عظيم يقيمه احتفاء بامتلاكه ذلك الفرس.

وصل الأمراء والشيوخ إلى قصر الأمير، واجتمعوا حول موائد الطعام يأكلون ويشربون، ويستمعون إلى الأمير يحدثهم عن الفرس. ثم أصدر الأمير أمرا إلى رجاله فذهبوا إلى الفرس وفكوا رباطه وجاؤوا به. أمسك الأمير الرسن ثم امتطى ظهر الفرس يريد أن يري ضيوفه مهارته في ركوب الخيل. وفي لمح البصر شب الفرس الفضي شبة هائلة قذفت بالأمير في الفضاء وأوقعته على ضيوفه. ثم جرى يعدو بين الناس وقفز فوق السور إلى البرية. لكن زجاج السور أصاب ساقيه بجراح.

مطاردة الفرس

صاح الأمير، وهو لا يزال منبطحا فوق بعض ضيوفه: “أمسكوه أو اقتلوه!” فاندفع الرجال على جيادهم يلاحقون الفرس الفضي الطائر. وظلوا يلاحقونه زمنا طويلا دون أن يصلوا إليه. فأعدوا سهامهم ليرموه بها. رأوا حينئذ أن المسافة بينهم وبين الفرس الفضي تضيق، فأدركوا أنه مصاب، وأنه سرعان ما سيقع في أيديهم.

كان قد سال من الفرس الفضي دم كثير، فضعف وأخذت قوته تتلاشى شيئا فشيئا. وراح رجال الأمير يطبقون عليه من الجانبين ويسدون عليه الطرق. كان الفرس قد وصل إلى مشارف ديار بني حردان، لكنه لم يجد أمامه إلا طريق الجرف الصخري، فجرى نحوه، ووقف عند قمته ينظر إلى ديار أحمد ومنزله. اقترب رجال الأمير منه بحذر ليمسكوه. ووقف الفرس ينظر بعينين وجلتين وفجأة صهل صهلة عظيمة ارتجت لها ديار بني حردان وقفز فوق الجرف الصخري.

تضحية الفرس الفضي

خرج أحمد على صهيل فرسه، وركض إلى حيث وقع، وارتمى فوقه يذرف الدموع. ظل أياما لا يترك المكان ليلا أو نهارا. ثم كان بعد ذلك يأتي كل يوم فيجلس ساعة يتذكر فرسه، كيف وجده، وكيف رآه يكبر، وكيف قاده إلى الفوز بأعظم سباق تعرفه القبائل. وكانت الدموع تتساقط من عينيه.

مر عام على ذلك الحادث. وفي الربيع التالي، سمع الناس ذات صباح جلبة وصياحا. خرج أحمد من خيمته وخرج بنو حردان كلهم، فقيل لهم إن في قاعدة الجرف ينبوع ماء يتفجر. ركض أحمد والناس فإذا الينبوع في الموقع الذي وقع فيه الفرس الفضي الأغر وتساقطت فيه دموع أحمد.

نبع الفرس

منذ ذلك اليوم أسمى الناس ذلك الماء نبع الفرس. وقد تشكل من تفجره واد أسموه أيضا وادي الفرس. وكان ذلك الوادي يحث صيفا، ويعود مع مطلع الربيع فيسيل. ومنذ ذلك اليوم أيضا أحس أحمد أن فرسه قد عاد إليه، وعاد الفرح إلى قلبه. صار بنو حردان كلهم يتذكرون فرس أحمد الفضي الأغر ويروون حوله الحكايات. فذلك النبع جعلهم قبيلة غنية وافرة العدد، وحول أرضهم إلى واحة خضراء.

إنتهى شيخ قبيلة بني حردان من رواية حكايته. لم يقل ابنه الصغير جاسر شيئا، فقد كان في عينيه دموع. ووقف الأب ليخرج إلى بعض أعماله، لكنه قبل أن يمضي التفت إلى ابنه، وقال له: “تذكر يا بني، أن الفارس الحق، إذا وصل إلى ماء سقى فرسه قبل أن يشرب”.

مناقشة القصة

  • لم أراد والد جاسر، في رأيك، أن يحكي لابنه حكاية «نبع الفرس»؟
  • لم عرفت الجماعة التي انفصلت عن القبيلة ببني حردان؟
  • بكلمات قليلة صف علاقة أحمد بالطبيعة والإنسان.
  • ما الذي فعله أحمد عندما رأى المهر الجريح؟
  • لم أعطى أحمد المهر الجريح اسم الأغر؟
  • كيف تصف علاقة أحمد بفرسه الأغر؟
  • كيف تفسر خشية أحمد على فرسه؟ هل في هذا إلماح إلى ما قد يقع من أحداث؟ علل إجابتك.
  • لم لم يعجب أحمد، في رأيك، بالأشعار التي سمعها؟
  • هل تعتقد أن الرجال الذين ضحكوا من مظهر أحمد كانوا على صواب في ما اعتقدوه؟ علل رأيك.
  • كيف عرف الأمير أن الأغر هو المهر الذي تركه في الصحراء؟
  • هل تعتقد أن الحكم الذي أصدره الشيوخ بفصل أحمد عن فرسه كان عادلا؟ علل رأيك.
  • لو كنت مكان أحمد هل كنت تفعل ما فعله؟ لماذا؟
  • ماذا فعل الفرس الأغر حين حاول الأمير أن يركبه؟
  • ما الذي جعل الفرس الأغر يرمي بنفسه من فوق الجرف الصخري؟
  • أين تفجر الينبوع؟ وما الذي جعل قبيلة بني حردان غنية وافرة العدد؟ وماذا يريد الكاتب أن يقول هنا؟
  • كيف تعرف أن الفتى فهم الحكمة من الحكاية التي رواها له أبوه؟
  • هل تجد في هذا الكتاب دفاعا عن الطبيعة، وعن علاقة الإنسان بها؟ أعط أمثلة.
  • بكلمة واحدة صف شخصية كل من جاسر، الأب، الأمير. صف بكلمات قليلة شعورك نحو الفرس الأغر.
  • ما رأيك بخاتمة القصة؟ وهل تجد معنى لموت الفرس؟ اشرح رأيك.

معرض الصور (قصة نبع الفرس)

استمتع بخيالك! هذه القصة لا تحتوي على صور، مما يتيح لك تخيل الشخصيات والأحداث بنفسك، لماذا لا تجرب أحد هذه الأفكار الممتعة؟

– ارسم مغامرتك: استخدم ألوانك وأقلامك الرصاص لتجسيد شخصيات القصة ومشاهدها المفضلة.
– اكتب فصلًا جديدًا: هل تعرف ما الذي قد يحدث بعد نهاية القصة؟ اكتب فصلًا جديدًا وقم بتطوير الأحداث

شارك برأيك

ما هو أكثر شيء أعجبك في هذه القصة؟ نود سماع رأيك!

زر الذهاب إلى الأعلى